في ظل غياب إتفاقية أو معاهدة بين العرب (العراق وسوريا) من جانب، وتركيا وإيران من جانب ثاني ستظل هاتين الدولتين بين الحين والآخر تستخدم المياه كسلاح سياسي واقتصادي ضد العراق وسوريا، والسبب في ذلك أن الجانب التركي (دولة المنبع)، يُعد نهر دجلة والفرات نهران محليان...
في ظل غياب إتفاقية أو معاهدة بين العرب (العراق وسوريا) من جانب، وتركيا وإيران من جانب ثاني ستظل هاتين الدولتين بين الحين والآخر تستخدم المياه كسلاح سياسي واقتصادي ضد العراق وسوريا، والسبب في ذلك أن الجانب التركي (دولة المنبع)، يُعد نهر دجلة والفرات نهران محليان ولا تسري عليهما أحكام النهر الدولي بالرغم من أن قواعد القانون الدولي لا توافق على ما يذهب إليه الأتراك، وكل ما متوفر من تعاون جزئي بين العراق وتركيا لا يعد عن كونه تفاهم بروتكولي يعود إلى عام ١٩٨٧ والذي بموجبه يتم قسمة مياه نهر الفرات بنسبة (58% للعراق) و(٤٢% لسوريا)، وهذا يعادل حوالي بـ(9 مليار) متر مكعب سنويا للعراق في الظروف الاعتيادية، في حين أن إحتياجات العراق تقدر بـ(15 مليار) متر مكعب سنويا.
والمسألة متقاربة كذلك مع الجانب الإيراني، حيث تتحكم في الروافد المتفرعة من نهر دجلة باتجاه العراق وكلما تصاعدت حدة الصراعات السياسية في منطقة الشرق الأوسط عموما والعراق بشكل خاص تعود الجارتين تركيا وإيران باستخدام المياه لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية، فعلى مستوى مآرب تركيا، تسعى الجارة الشمالية للعراق في سياق ذلك إلى تحقيق أهداف تعود بالنفع إلى تطوير اقتصادها الداخلي وصعود نفوذها الإقليمي، فهي تدرك في ظل هذه الأجواء المضطربة أن التحكم بالمياه تجاه الدولة العراقية التي تعتمد على نهري دجلة والفرات بنسبة (98%) سيجعل هذا البلد يدرك أن تركيا تريد من جراء ذلك تحقيق مايلي:
1- إشراك تركيا وعلى المستويين القريب والبعيد في أي حوار يخص مسألة كركوك ومناطق أخرى من شمال العراق.
2- تهدف تركيا بالضغط على الحكومة العراقية للسماح لها بدخول الأراضي العراقية بهدف محاربة حزب العمال التركي.
3- مبادلة برميل ماء ببرميل نفط، وهذا ما أشار إليه حسن الجنابي وزير الموارد المائية في العراق من امكانية أن يكون هناك تعاون ثنائي يقضي بتبادل النفط العراقي بالماء التركي.
4- أن يساند العراق وجهة نظر الأتراك في الصراع التركي مع اليونان في القضية القبرصية.
5- دعم المساعي التركية في جهودها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي.
6- سعي تركيا إلى إحياء النزعة العثمانية بطريقة براغماتية حديثة أو ما بات يعرف بـ(العثمنة الجديدة)، حيث تستثمر تركيا الوسائل الناعمة وربما حتى الخشنة في الهيمنة السياسية والاقتصادية ولعب دور القائد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أما فيما يخص الجانب الإيراني فإنها أيضا توظف كل مصادرها البشرية والسياسية والاقتصادية والمائية كوسائل ناعمة وخشنة في مناطق أخرى ممكن أن تقلل هذه الوسائل من حجم الضغوطات الأمريكية ودول إقليمية منافسة ومنزعجة من دور إيران في المنطقة العربية، من هنا تأتي إستخدامها لورقة المياه وربما الكهرباء في هذا الظرف بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية حتى تحافظ على نفوذها وتفتح نوافذ تقلل من خلالها العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة، عبر توليد المزيد من الطاقة الكهربائية واستثمار أكبر للمساحات الزراعية في إيران، وهذا بالتأكيد يكون على حساب حصة العراق من الروافد المائية في مناطق من إقليم كُردستان، وديالى، ومدن جنوب العراق.
من جانب آخر وفي ظل استثمار المياه كمصدر وطني من قبل الدولتين المشار إليهما يوازي مصدر النفط، والغاز، والموارد الطبيعية الأخرى يغيب عن الجانب العراقي البدائل لتعويض نقص المياه وتغيب معها توظيف العوامل الجيوسياسية والجيوجغرافية والمسألة الكُردية (حزب العمال الكُردستاني) وعلاقة تركيا المتوترة مع بعض دول الإتحاد الأوروبي، إنطلاقا من المبدأ الذي تعامل به الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية عندما قال: "تحدث بهدوء وبيدك عصاً غليظة". لاسيما وأن الجانب الرسمي في العراق يحظى بدعم دولي من الولايات المتحدة وحلفائها منذ العام 2003، يوازي ذلك عمل عراقي محلي نوعي وغير تقليدي.
لكن ما يلاحظه المراقبون أن العراق لم يستفاد من عوامل قوته في إنهاء أزمة المياه مع دول المنبع فحسب وإنما لم يعمل ولا سداً واحداً بعد عام 2003 واكتفى في ظل فوضاه السياسية والأمنية بالسدود التي أنشأت في السنوات السابقة بدءاً من عام 1959 وحتى عام 2002 إلى جانب غياب إستراتيجية للسياسة المائية توفر الخزين المائي كتوفير الخزانات المائية العملاقة مثلما تفعل الآن تركيا في خزن المياه في (سد اليسو)، ولأنها دولة المنبع فقد أثر بصورة مأساوية على العراق.
فضلا عن غياب ثقافة ترشيد المياه عند المواطنين العراقيين، وإنعدام الإرادة الوطنية الرسمية في إستخدام الوسائل الناعمة للضغط على الجانب التركي والإيراني كالمقاطعة الاقتصادية لتركيا وإيران، والعمل على تشجيع البيئة الاقتصادية للمنتوج المحلي، والإعتماد الكلي عليه ذاتيا، فكيف يتحقق ذلك والطبقة السياسية عملت على تدمير كل المنشآت الصناعية والزراعية، مما جعل العراقيون رهينة بيد دول الجوار.
اضف تعليق