بعد الخيبات الكبيرة التي ألحقتها بنا القمم العربية الكثيرة الفاشلة، لم نكن نتوقع خيرا من قمة شرم الشيخ؛ التي تأتي كسابقاتها نتيجة وقوع حدث يتهدد مصالح بعض الدول الأعضاء لا أكثر.

ومع ذلك كنا نتابع النتائج التي ستتمخض عنها هذه القمة العجائبية، لا أملا بالحصول على مكسب صغير بحجم منقار عصفور، وإنما لكي نتأكد للمرة الألف أن قمم العرب مجرد مهازل بشرية وضحك على ذقون الشعوب واستغفال للأمة المبتلاة بحكامها وقادتها التاريخيين.

وفعلا جاءت مسودة البيان الختامي لتؤكد صحة توقعاتنا، لكن الشيء المميز في مسودة البيان: أنها كانت طائفية بامتياز، وأنها بينت بما لا يقبل الشك أن النظم الخليجية الرجعية باتت هي المسيطر الأوحد على أي قرار يصدر، بعد أن انكفأت البلدان العربية الأكثر تحضرا إلى الخلف؛ مثل العراق وسوريا والجزائر؛ المشغوله بوضعها الداخلي المضطرب، وان رغبات هذه الدول تحولت إلى أوامر ملزمة للجميع وعليهم إطاعتها إذا ما أرادوا الاستمرار بتلقي الدعم المالي الكبير.

ولهذه الأسباب بالذات، يجد من يقرأ المسودة أنها تجاوزت وأغفلت ذكر أهم الأحداث العربية وأخطرها مثل:

ما يدور في العراق وسوريا من مجازر وتخريب.

القضية الفلسطينية؛ التي لم تعد تذكر خوفا من غضب (الصديقة) إسرائيل.

الوضع المقلق الذي يعيشه الشعب البحريني بسبب التضييق الحكومي ومصادرة الحريات العامة.

الهجمة الشرسة التي يتعرض لها عالمنا العربي بسبب الأعمال الإرهابية التي يرتكبها المجرمون العرب في العالم، وهم في الغالب مدعومون بأموال خليجية.

لقد تجاوز البيان الختامي لقمة شرم الشيخ كل تلك المشاكل المصيرية ليؤكد على أمور أصبحت من الماضي، ولا حاجة للإشارة إليها في هذا الظرف الحساس بالذات؛ مثل:

تأكيدها على أن الإمارات العربية تملك مطلق السيادة على الجزر الثلاث المتنازع حولها مع إيران، وهي دعوة يراد منها استفزاز إيران وإغضابها، ثم جرها إلى أتون منازلة تقضي على كامل المنطقة.

أو تأكيدها على أمور ما كان مفروضا بها أن تحدث مثل الحرب التي يشنها التحالف السعودي على اليمن، والتي أيدتها القمة وبيانها الختامي بقوة، مع مطالبة الحوثيين بالانسحاب الكامل والفوري من جميع المناطق التي دخلوها.

أو اهتمامها بأمور أخرى كان ولا زال المجتمع الدولي يناقش تبعاتها مثل تسليح الحكومة الليبية، بسبب تخوف العالم من تسرب السلاح إلى أيدي المخربين.

ولكنها لم تغفل ولم تتجاوز:

الدعوة إلى عقد قمة جديدة في الرياض لدعم المملكة في حربها ضد اليمن وشرعنة هذه الحرب الغادرة.

ولم تغفل فكرة تشكيل قوة عسكرية عربية للتدخل في البلدان المضطربة، وهي الفكرة التي تقدمت بها السعودية بالأساس حتى قبل عقد القمة، وهي قوة يراد منها أن تصبح العصا الغليظة بيد النظام السعودي لتأديب من يختلف معها من العرب.

لقد خيب القادة العرب آمال شعوبنا العربية بقمتهم الغريبة وقراراتها المضحكة، وكان الأجدر بهم أن ينأوا بأنفسهم عن الانزلاق في مستنقع الطائفية المقيت بدل أن يحولوا الصراع الطائفي إلى مشروع وطني، سوف ينمو بشكل سرطاني ليتحول إلى نار تأكل كل ما تركه لنا الأجداد وما نأمل أن ننقله إلى الأحفاد.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق