الحرب التي تبدأ بوتيرة بطيئة وتصاعدية تكون طويلة، او طويلة جدا، فالاستنزاف يبدأ بمناوشات بسيطة تقع في موقع حدودي واخر في عمق العدو، ومرة بصواريخ موجه وأخرى بالمدفعية الثقيلة، وما بين هذه الفترات المتقاطعة هناك نفي رسمي وشبه رسمي لبعض الضربات بينما يتم التفاخر بالضربات الأخرى...

الحرب التي تبدأ بوتيرة بطيئة وتصاعدية تكون طويلة، او طويلة جدا، فالاستنزاف يبدأ بمناوشات بسيطة تقع في موقع حدودي واخر في عمق العدو، ومرة بصواريخ موجه وأخرى بالمدفعية الثقيلة، وما بين هذه الفترات المتقاطعة هناك نفي رسمي وشبه رسمي لبعض الضربات بينما يتم التفاخر بالضربات الأخرى.

هكذا هي صورة المواجهة الجارية بين إسرائيل وايران، اعلنها الجانب الإسرائيلي صراحة انه يريد الحرب مع ايران، ويريدها بأسرع وقت ممكن، لكن طهران تحرمه من هذه الرغبة الجامحة، لاسباب هي تعرفها ولتحقيق أهدافها الخاصة بعيدا عن التفاخر عبر وسائل الاعلام بتدمير هدف صغير، فاستراتيجيتها اكبر من ان تهدمها مواجها بسيطة يمكن ان تتحول الى حرب مدمرة، هكذا تبدو الأمور لدى الجانب الإيراني.

جذور الحرب بين الطرفين تعود الى الأيام الأولى لاندلاع الحرب السورية، التي بدأت كامتداد لاحداث الربيع العربي الذي تميز بقوة التظاهرات الشعبية الحاشدة، لكنها تحولت مباشرة الى حرب عسكرية واسعة بين فصائل مسلحة والأجهزة الحكومية، وتدفقت الاسلحة والمعدات العسكرية للمعارضة فيما تدفق الدعم الإيراني للحكومة بالكوادر البشرية المدربة سواء من الحرس الثوري او حزب الله وبعض الفصائل العراقية.

الانهيار الكبير الذي أصاب القوات الحكومية في البداية، وجدت فيه إسرائيل نقطة تحول في صالحها، لذلك وقفت على الحياد، الا ان الإصرار الإيراني السوري اطار امد سقوط الحكومة السورية التي كان يتوقعها خصوم بشار الأسد في دول الخليج وإسرائيل، الا انه ورغم طول امد الحرب الا ان فرصة سقوط الحكومة بقيت قائمة حتى اشتدت في نهاية عام 2015 لياتي التدخل الروسي فيقلب موازين القوى لصالح الحلف الإيراني السوري.

منذ ذلك الحين دقت ساعة الخطر لدى تل ابيب، وهرع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى موسكو لعقد تفاهمات حول عدم التعرض العسكري من قبل الطرفين فقط دون الأطراف الأخرى الإيرانية والسورية وحزب الله الذين يفترض ان يكونوا حلفاء للروس فتشملهم التفاهمات. وخلال سنوات 2016 و2017 تحولت روسيا الى مقصد دائم لبنيامين نتنياهو اذ زارها خلال عامين فقط حوالي ثمان زيارات.

ولم تخف إسرائيل مخاوفها من تاثير الوجود الروسي على توازنات القوى في المنطقة، وذلك في صالح اعدائها المباشرين (ايران وسوريا وحزب الله)، بدأت بضربات بسيطة متباعدة زمانيا وغير ذات أهمية استراتيجية للحلف المعادي لها، وهو ما اعتبر في حينه خرقا للتفاهمات مع الروس، فيما فسرته اطراف أخرى بانه دلاله على خواء التحالف الروسي الإيراني.

لكن الأشهر الأخيرة كشفت ان الرهان على الخلاف الروسي الإيراني خاسر، وان إسرائيل قد خسرت الجولة الأولى، وفازت ايران بكسر احدى اهم قواعد الحرب بالنسبة لإسرائيل، وهي الحرب الخاطفة، فعلى طول عمرها الذي يمتد لسبعين عاما لم تخوض إسرائيل حروبها مع جيرانها بالطريقة التي تفعلها الان مع ايران.

اليوم اخذت عجلة الحرب تتسارع اكثر، وتريد إسرائيل منها ان تختصر المسافة لتحقيق أهدافها بسرعة، بينما تضع ايران العراقيل في طريقها لتجعلها تسلك طريقا ابعد، اذ ان طهران تجيد الحروب الطويلة بينما تجيد تل ابيب خوض الحروب الخاطفة.

الوقائع تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان الحرب الجارية تسير وفق الخطة الإيرانية وليس الخطة الإسرائيلية، والأخيرة تسير بتخبط واضح، والخلاف بدأ منذ فترة ليست بالقصيرة بين المؤسستين السياسية والعسكرية، اذ ان العسكر يرفض التضييق على ايران، وقد عارض الاتفاق النووي معها، وربما هو يعرف صعوبة تحقيق النصر الكامل على ايران، ولديه تجارب سابقة، فهي ليست مثل الجيوش العربية التي هزمت في أيام قلائل.

لديها الهزيمة الأولى في لبنان عام 2000 وعلى يد حزب الله الحليف القوي لإيران، وفشلت في تحقيق أهدافها عام 2006 والتي تمحورت حول انهاء حزب الله من الوجود، كما فشلت في اتخاذ موقف واضح من الحرب السورية لتجد نفسها محاطة بايران وحلفائها.

المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعرف جيدا ان ايران تملك اسراتيجية كبرى، ومستعدة للتراجع كثيرا الى الوراء حينما تشعر بخطر حقيقي، لكنها تعيد تموضعها بكل سهولة حينما يغفل العدو، وهكذا فعلت في العراق، عندما انتظرت اللحظة المناسبة لاعلان وجودها الرسمي في البلاد، بعد انسحاب الجيش الأمريكي عام 2011، ونفس الامر ينطبق على سوريا حينما فرضت نفسها في زحمة الاحداث بينما كانت إسرائيل تتفرج من بعيد، وفي اليمن اجادت فن الدعم والتمويل رغم الحصار الخانق من قبل الحلف السعودي الاماراتي، اما في لبنان فاستطاعت بناء اكبر نواة تمثل تهديدا وجوديا لإسرائيل متمثلة بحزب الله القوي جدا.

كل هذه المتغيرات تنظر لها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وتحسب لها قبل خوض المعركة الكبيرة، فايران المحاصرة كما يصورها الاعلام وتصورها المؤسسة السياسية ليست كذلك، وإسرائيل المتفوقة جويا، وتقنيا تفتقد لقوة التنظيمات الصغيرة الموجودة لدى ايران، كما ان ايران تتمتع بهامش حركة اكبر من ذلك الذي تملكه إسرائيل.

في الجانب الاخر لدى إسرائيل التاثير القوي لها على السياسة الدولية وهو ما يساعدها في فرض حصار سياسي خانق على طهران، وقد بدأت افاق هذه الحصار تلوح في الأفق بعد الغاء الرئيس الأمريكي التزام بلاده بالاتفاق النووي الموقع بين الدول الست الكبرى وايران، وتوعد بفرض عقوبات قاسية.

اذن ستخوض ايران الحرب من خلال الاعتماد على انتشارها الاخطبوطي في دول المنطقة، مستفيدة من المشتركات الدينية والاجتماعية مع بعض الجماعات في البلدان العربية، بينما ستخوض إسرائيل الحرب من خلال الاعتماد على تفوقها الجوي وقوة تاثيرها على السياسة الدولية، وهنا لا يمكن توقع من سينتصر في حرب معقدة مثل هذه لكن الأكيد انها ستجري على أراض عربية واسعة وسيسقط فيها من المواطنين الكثير.

اضف تعليق