النتائج الانتخابية المتتالية التي هزم فيها حلفاء الغرب بالعراق ومصر ولبنان وحتى قطاع غزة او تونس التي فازت بها حركة النهضة الإسلامية (الاخوان المسلمون) تجعل تهديدات نشر القيم الديمقراطية في المنطقة خالية من أي مخاوف للدول المستهدفة، فنتائج النظام الديمقراطية جاءت لصالح اكثر الجماعات السياسية محافظة ورفضا للقيم الغربية...
تستخدم الدول الغربية الترويج للديمقراطية باعتبارها تهديدا للحكام في دول الشرق الأوسط، او حتى الفاعلين من غير الحكام الذين يرون فيها تهديدا للنظام الاجتماعي الذي ترسخ خلال مئات السنين، وتكون منظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام اهم أدوات التبشير بالديمقراطية الغربية، او الامريكية تحديدا.
منذ عقود استطاعت عبر وسائلها الخاصة ان تطيح واشنطن وحلفائها بأكبر امبراطورية في التاريخ الحديث، وهو الاتحاد السوفيتي، ورغم قربه من اوربا والمشتركات الكثيرة معها الا ان اكبر دوله وهي روسيا أصبحت ندا كبيرا للغرب اجمع، وانتج الروس ديمقراطيتهم الخاصة او ما يسمى بالديمقراطية الهجينة التي استطاعت الحفاظ على القيم الروسية مع تطعيمها ببعض الأساليب الغربية.
في الشرق الأوسط حيث الحكم الديكتاتوري موضة رائجة غير قابلة للتبدل، حتى وان اختلفت اشكالها ومدى احكام قبضتها على الحكم، في هذه الأجواء تبدو الأرضية مناسبة لغرس بذور الأفكار الديمقراطية، فالمجتمعات لم تتعود من قبل على التمثيل السياسي، ولا تعرف عنه الا القليل وبما ان وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني مستعدة لاداء المهمة فان تحول هذه الدول الى الحاضنة الديمقراطية يصبح امرا حتميا.
ولا يمكن فصل التبشير بالديمقراطية عن حقيقتها الراسخة والتي لا تريد الخير لبلدان المنطقة بقدر ما تمثل نوعا من الصراع الدولي للسيطرة على العالم، الا ان الاختلاف يكمن في ان بعض الدول تستخدم أساليب قديمة للهيمنة وأثبتت فشلها بينما لم تفشل الديمقراطية الى حد بعيد، كونا تاتي بصورة زهرية تصور الحياة الامريكية كنموذج لها.
وفي كل صراع تكون الأسلحة الجديدة هي الفاعلة في حسم النهايات الجيدة لمن يمتلكها، والديمقراطية هي سلاح الغرب الامضى، لا سيما وانه يتمتع بسمعة جيدة، اذ ان الشعب هو الحاكم الفعلي وهو من يحدد من يمثله على راس السلطات التشريعية والتنفيذية، وبالتالي فان الحكومات تعني رغبات الشعوب وتطلعاتها الحقيقية واي انتخابات نزيهة قادرة على احداث التغيير المنشود.
الديمقراطية الامريكية المروج لها في الشرق الأوسط تاتي بصيغة متناقضة فهي تدعو للثورة على حكام هم حلفاء أمريكا والدول الاوربية الأخرى، وكانت هناك نماذج عدة اثبتت ان الدعوة للنظام الديمقراطي في الشرق الأوسط هي انتحار ناعم.
في مصر كانت الثورة ضد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وبعد اجراء انتخابات عامة فازت جماعة الاخوان المسلمين، التي ستكون خطرا على الأنظمة الخليجية ودول المنطقة الأخرى التي تمثل عمود الوجود الغربي في المنطقة لهذا تم الانقلاب على خيار الشعب مبكرا ليصعد بعدها عبد الفتاح السيسي حليف الغرب، والذي استطاع اكتساح الانتخابات المصرية الأخيرة لانه ترشح وحيدا!
اما في العراق الذي يمثل التجربة الديمقراطية الغربية التي اريد لها ان تكون نموذجية انقلب الفعل السياسي على صانعيه، فمنذ الأيام الأولى لدخول قوات الاحتلال الغربية أجمعت القوى العراقية على ضرورة إيجاد نظام انتخابي حر يضمن حقوق المواطنين، ومن بين اقوى الدعوات ما أصرت عليها المرجعية بضرورة انتخاب هئية كتابة الدستور والبرلمان والى ان وصلت الأمور الى ما عليه اليوم لتنتج بعد خمسة عشر عاما نظاما سياسيا يترنح بين أعداء الغرب بل ويتحالف معهم حتى صارت صور المرشد الأعلى لإيران تعلق في شوارع بغداد، وهو ما كان لا يحلم به حتى اكثر الإيرانيين الثوريين تفاؤلا، الا ان الديمقراطية الغربية ساعدت على ذلك، وانتجت معارضة كبيرة للوجود الأمريكي في البلاد.
اما في لبنان التي لا تختلف كثيرا عن العراق، كانت الدول الغربية تعول على الانتخابات لازاحة حزب الله عن الساحة السياسي بعد ان فشل في تنحيته عسكريا عبر الحروب الإسرائيلية والحرب الكبرى في سوريا، ففاز الحزب مع حلفائها بحوالي ثلث مقاعد البرلمان اللبناني المقبل بينما لاحقت الهزيمة خصمه تيار المستقبل حليف السعودية والدول الغربية. وهو نفس الحال الذي ينطبق على انتخابات عام 2006 التي افرزت فوز حركة حماس في قطاع غزة والذي أصاب إسرائيل والغرب بصعقة لن تنسى ابدا.
هذه الدلائل تثبت ان أدوات التغيير في الشرق الأوسط لا يمكن ان تكون جذرية كما يريد الغرب، لا سيما وانها تتيح حرية اكبر للجمهور في اختيار ممثليه في الحكومة والبرلمان، وأسباب هذه الظاهرة عديدة لكن اكثرها تاثيرا هو مخاوف سكان الشرق الأوسط من الأفكار العنيفة التي تعادي تقاليد سكان المنطقة ومنها ما يحط وينتقص منها بطريقة مباشرة.
فوز حزب الله في لبنان يناقض كل التوقعات التي كانت تتحدث عن خسارة مدوية للحزب بسبب مشاركته في سوريا ودعمه، فالخطاب القاسي تجاه المنطقة والدعوات لهدم القيمة الاجتماعية المتجذرة تحشر مواطني الشرق الأوسط في زاوية ضيقة اما الحفاظ على الوضع الحالي مع تعديلات بسيطة، او القبول بالتغيير الجذري الذي يلغي وجود الشرق الأوسط بقيمه وتقاليده العريقة.
والنتائج الانتخابية المتتالية التي هزم فيها حلفاء الغرب بالعراق ومصر ولبنان وحتى قطاع غزة او تونس التي فازت بها حركة النهضة الإسلامية (الاخوان المسلمون) تجعل تهديدات نشر القيم الديمقراطية في المنطقة خالية من أي مخاوف للدول المستهدفة، فنتائج النظام الديمقراطية جاءت لصالح اكثر الجماعات السياسية محافظة ورفضا للقيم الغربية.
اضف تعليق