لطالما تكونت الأمم من أناس حافزهم الأساسي هو التملك والجشع، لذلك فإن الأمم لا تملك إلا التوجه للحرب فيما بينها، فكل أمة تنفس على الأمة الأخرى ما تملك وتحاول أن تنزعه منها بالحرب أو بالضغوط الإقتصادية أو بالتهديد أو الإبتزاز وتشكل تحالفات للنيل من الدولة المستهدفة بالقوة...
ربما نلاحظ للوهلة الأولى أن نار الحرب توقد لأجل القضاء على الفساد وإحراق المفسدين، ولكن سوف تتغير النتيجة بعد أن تحترق عامة الناس، إما بطريقة مباشرة بأن يأكل الرصاص والصواريخ أرواح العامة وممتلكاتهم، أو بطريقة غير مباشرة حيث يتمنى من نجا من الموت لو قتله الرصاص ولم يبقَ حياً ليقتله الجوع والحرمان.
وما يزيد في الأمر سوءا بعد أن يشاهد الإنسان المعدم بقاء المفسدين في أماكنهم وتمسكهم بكراسيهم بقوة، إلا إذا حالفه الحظ وتم القضاء على القادة المفسدين، ويتخلص الناس منهم ويظهر بديل شريف بدلاً عن ذلك الفاسد، ولكن جميل أن نعرف إن للحرب تأثيرا بالغا على الأعمال.
كما يقول كين لانجون في كتابه (100 فكرة عظيمة): إن للحرب تأثيرا بالغا -بداية من الفرص الصناعية المتاحة لصناعة الأسلحة والذخائر وصيانتها، إلى الحاجة إلى الإصلاح وإعادة الإعمار بعد الحرب، وليس هناك أي عامل آخر يمكن أن يترك نفس الأثر على هذه الجوانب مثل الحرب! فقد تخوض الدول الحروب ويتوجب عليها أن تتحمل خسائر فادحة.
من الصعب تعميم الفائدة الناجمة عن تأثير الحروب في الإقتصاد، ولكن هناك أموال طائلة تصرف في هذا المجال حيث تكلفة كل صاروخ من هذه الصواريخ تساوي مليون دولار، طبقاً لتقديرات الفيناشيال تايمز، حيث بلغت تكلفة الحرب الجوية سبعة مليارات دولار في حرب كوسوفيا وصربيا، وفي نفس المقالة ذكر أن تكلفة قوات حفظ السلام في كوسوفو تجاوز هذا الرقم! فلقد طال التدمير كل الجسور على الأنهار وجانباً كبيراً جداً من البنية التحتية، وتباينت التقديرات لإعادة إصلاح هذه الخسائر حيث تبدأ من تسعين مليار دولار.
وتتشابه الحرب الدائرة في كرواتيا مع الموقف الذي حدث في كوسوفو، فقد وقعت شركات ألمانيا وإيطاليا وفرنسا عقوداً ضخمة لإعادة الإعمار وإنشاء البنية التحتية، وقامت بريطانيا بإرسال وفد يضم ثلاثين شركة بصحبة وزير التجارة إلى كرواتيا للبدء بالعمل، وكان الإسمنت المسلح تلا رأس الخامات المطلوبة لإعادة بناء الجسور، ولذلك قامت إحدى الشركات البريطانية بإقامة مصنع إسمنت في مدينة سبليت، وتوفرت للشركات البريطانية والشركات القوية من الدول الأخرى فرص الأعمال نتيجة الدمار الناجم عن الحرب.
فالحرب تدمر البلاد ليأتي آخرون يقيمون حفلة الشواء على بركاتها، كما حصل في ليبيا ومصر والعراق وغيره.. حيث فقدت الآثار التاريخية التي لا تقدر بثمن، إضافة إلى الأموال الطائلة التي زادت من رصيد الجهات غير المعروفة...
كتب فجيتوس في القرن الرابع الميلادي: على من يرغب في إقرار السلام أن يعد نفسه للحرب، ولكن يقول كين لانجون كان أولى به أن يقول على من يرغب في النمو الإقتصادي أن يستعد للحرب، وأن يضيف وعليه أن يدخل بالفعل حرباً من وقت لآخر، فقد قامت الولايات المتحدة ببناء قوة قوامها مليون مقاتل كي تحارب العراق، وقد كلفها ذلك مليارات، فالحرب هي أعظم الأفكار المولدة لفرص الأعمال عبر كل العصور.
ما هو العامل الأساسي في شن الحروب؟
ورد في كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر دليل فساد المجتمعات وشن الحروب كالتالي، حيث يشرح المؤلف أن هناك عوامل أساسية تحكم بعض العلاقات، وهي المنافسة والتنافر والخوف وينبع عامل التنافر والعداء من الطبيعة التملكية للعلاقة، لأنه اذا كان التملك هو أساس الإحساس بالهوية فإني لست إلا ما أملك فإن هذا لابد من أن يفضي إلى الرغبة في أن أملك الكثير وأن أستزيد إلى غير حدود، أي إن الشراهة والجشع هما النتيجة الطبيعية للتوجه التملكي، ويمكن أن يتخذ الجشع أشكالا مختلفة منها جشع البخيل وجشع التاجر الباحث عن مزيد من الأرباح، وكذا جشع زير النساء وجشع صائدة الرجال وأيا كان الشيء الذي يسيل له اللعاب فإن الجشع لا يشبع أبدا.
إن الجوع الذي من هذا النوع يختلف عن الجوع الفسيولوجي الذي له حد من الإكتفاء تحدده الحالة الفسيولوجية للجسم، أما الجشع الروحي ليس له حد للإكتفاء لأنه أي محاولة مادية لإشباعه لا تستطيع أن تملأ الفراغ الداخلي في النفس البشرية، ولا أن تخفف أحاسيس الملل والوحدة والإكتئاب التي هي أصل الداء وأكثر من هذا لما كان كل ما يملك المرء يمكن أن يؤخذ منه بشكل أو بآخر، فلابد من أن يسعى للمزيد لكي يدعم وجوده في مواجهة هذا الخطر وحيث ان هذه رغبة تستبد بالجميع، فلابد من أن يخاف كل شخص من الآخرين حتى من اقرب الناس اليه، ولكي لا يصبح المرء ضحية للعدوان فلابد من ان يسعى هو نفسه للقوة ويصبح عدوانياً، كذلك لما كان من المستحيل أن يكفي الإنتاج مهما بلغ حجمه الرغبات المتعاظمة إلى غير حدود، فلابد من أن تسود المنافسة والعداء بين الأفراد المتصارعين من أجل الإستحواذ على الأكثر دائماً، ولن يتوقف الصراع حتى لو أمكن الوصول إلى الوفرة المطلقة فسيوجد دائما أناس يملكون قدرا أقل من الصحة البدنية والجاذبية والموهبة والكفاءة، ولن يكفوا عن الإحساس بالمرارة وعن أولئك الذين يملكون أكثر فطالما تتكون الأمم من أناس حافزهم الأساسي هو التملك والجشع، لذلك فإن الأمم لا تملك إلا التوجه للحرب فيما بينها، فكل أمة تنفس على الأمة الأخرى ما تملك وتحاول أن تنزعه منها بالحرب أو بالضغوط الإقتصادية أو بالتهديد أو الإبتزاز وتشكل تحالفات للنيل من الدولة المستهدفة بالقوة.
إذاً الرغبة في تحقيق الفتوحات وامتلاك المزيد مغروسة في النفس البشرية، لذلك يريد الإنسان أن يشبع رغباته فيفكر أحيانا في حرق الأموال، وأحيانا الأشخاص وأحيانا اخرى الدول والأمم، ومن يوقد نار الحرب ليس بالضرورة أن يكون محباً لك ولبلدك، ربما يرغب في الحصول على المزيد من ثروات بلدك وثقافتك وتاريخك، ومكن أن ينطبق على ذلك هذا القول: (مصائب قوم عند قوم فوائد...).
اضف تعليق