من بين الامور اللافتة في عراق ما بعد 2003 هي تحدّث بعض الساسة والمسؤولين باسم الطوائف والقوميات، وكإنهم قيّمون عليها. والاغرب من هذا، ان هؤلاء الساسة بدأوا طروحاتهم هذه قبل اجراء اية انتخابات بعد الاحتلال، أي انهم لم يكونوا يمتلكون، ولو نسبيا، الصفة التي تؤهلهم لذلك...
من بين الامور اللافتة في عراق ما بعد 2003 هي تحدّث بعض الساسة والمسؤولين باسم الطوائف والقوميات، وكإنهم قيّمون عليها. والاغرب من هذا، ان هؤلاء الساسة بدأوا طروحاتهم هذه قبل اجراء اية انتخابات بعد الاحتلال، أي انهم لم يكونوا يمتلكون، ولو نسبيا، الصفة التي تؤهلهم لذلك، اضافة الى ان هذا السلوك، يعد خارج المنطق السليم للديمقراطية، التي ينبغي ان يعبر من خلالها الشعب عن نفسه بواسطة قوى سياسية، كالاحزاب والمنظمات، بعيدا عن التخندقات الجهوية التي تتعارض مع الديمقراطية وتضعف الروح الوطنية. وبعد ان حصلت الاعمال الارهابية التي ارتدت لبوسا طائفيا في العامين 2006 و2007، صارت هذه فرصة للحديث اكثر باسم الطوائف والدفاع عنها من قبل البعض ممن استغلوا تلك الاعمال الاجرامية لتكريس تمثيلهم الناس وتقديم انفسهم مدافعين عنهم وعن مصالحهم.
الشيء الاكثر غرابة من كل هذا، والذي صرنا نسمعه باستمرار، هو انه بعد اي تصريح او طرح يحمل نبرة طائفية او تهديد، يتبرع به احد الساسة او المسؤولين بمناسبة او من دونها، ضد طائفة او قومية اخرى، يأتي الرد من قبل البعض، ممن هم على شاكلته، بان هذا التهديد او الطرح جاء لأغراض انتخابية، أي لكسب ود الشارع من الطائفة التي يمثلها المتحدث ليحصل على المزيد من الاصوات في الانتخابات او ليعزز موقعه بين ابناء طائفته. فهل حقا ان الشعب العراقي يحقد على بعضه لهذا الحد، وان شعبية المسؤول او السياسي ترتفع وتنخفض على وقع هذه الثقافة المريضة وغير الوطنية، ام ان هذه الثقافة المريضة نفسها يراد تسويقها على انها تعكس اخلاق هذا الشعب؟
للاسف، ان بعض وسائل الاعلام من حيث يقصد القائمون عليها او لا يقصدون، صاروا يروجون لهذه الثقافة ويعملون على تكريسها، مثلما تم العمل، من قبل، على وصف الشعب العراقي بالمكونات المتصارعة، تمهيدا لتقسيم الشعب نفسيا على امل ان يقسم فعليا في اطار مشروع فدرلة العراق على اسس طائفية وعرقية، وان الجهد الاعلامي السابق جاء في هذا السياق. لكن الشعب العراقي رفض التقسيم وافشل المخطط الذي سفحت لأجله الاموال ولعبت دول الاقليم وغيرها دورا كبيرا لانجاحه، لكنه سقط، كونه لا يعكس توجهات الناس ورغبتهم، وان الذين روجوا لهذا المشروع انعزلوا جماهيريا، وصاروا لاحقا يصححون مسارهم لينسجموا مع رغبة الشعب في بقائه موحدا.
اليوم ونحن نعيش اجواء حملة الانتخابات التشريعية، فان البعض يحاول انعاش هذه الثقافة، من خلال الترويج لمقولة ان الانتخابات تستبطن صراعا على السلطة، بين الطوائف والقوميات للامساك بالدولة، وكأنها غنيمة، وليس لادارتها من قبل قوى سياسية، ينبغي ان تعمل على برنامج سياسي وتنموي يخدم البلاد كلها من دون تمييز طائفي او عرقي، او أي شيء اخر، وهو ما تفتقده برامج اغلب القوائم اليوم.
من دون ادنى شك ان ثقافة استعداء الشعب ضد بعضه البعض من خلال طروحات لا تخدمه، باتت معروفة ومعروف معها المستفيدون منها، أي الساسة المفلسون ممن لم يقدموا شيئا يجعلهم كبارا في اعين الناس ومحط تقديرهم. وهؤلاء لم يجدوا غير هذه الاساليب لتسويق انفسهم مرة اخرى، وهو ما يجب الانتباه اليه اعلاميا قبل أي شيء آخر، وعدم الترويج للطروحات الطائفية على انها تاتي لأغراض انتخابية، لان ذلك هو ما يطمح اليه هؤلاء الساسة المفلسون.
في العام 2007 وبعد ان تم التصويت على قانون اقامة الاقاليم في البرلمان، اعتقد البعض ممن روجوا وتبنوا هذا الامر، انهم باتوا على ابواب تحقيق حلمهم بالكانتونات الطائفية والعرقية التي خططوا لها، وبعد ان جوبه هذا المشروع بالرفض وفشل، عندما ترك الخيار للشعب في تنفيذه، من خلال الاستفتاء على اقامة اول اقليم في البصرة، ايقن الاخرون من اصحاب هذا المشروع ان الهوة بينهم وبين الشعب واسعة، وان عليهم مراجعة طروحاتهم. وكان هذا درسا يجب ان يعمل عليه الاعلام بدلا من الترويج لثقافة رجعية مريضة، اصبحت من تركات المرحلة المرتبكة الماضية.
اضف تعليق