تهديد ترامب من بدايته يحتاج الى تفسير، فقد جاء بعد أسبوع فقط من إعلانه قرب الانسحاب من سوريا لان الحرب على داعش قد انتهت بحسب قوله، وحينما اعترضت ادارته التي لم يعلمها بما صرح حتى وزارتي الدفاع والخارجية المعني الرئيس بهذا الامر عاد وغرد بقوله ان من يريد بقاء قواته هناك فليدفع تكاليف البقاء في سوريا في إشارة واضحة الى السعودية...
من يسمع تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه سوريا، يحاول الهرب الى اقرب ملجأ يحميه من الهجمات الصاروخية التي قد تنهال ليس على سوريا فحسب انما على المنطقة باسرها، فترامب لم يهدد الحكومة السورية وحدها او ايران كما هو الخطاب الأمريكي المعتاد، بل ادخل الى جانب هؤلاء روسيا. الدولة النووية العظمى وصاحبة افضل منظومة دفاع جوي بالعالم والمسيطر الفعلي على الأرض السورية بقاعدتي طرطوس وحميميم.
تهديد ترامب من بدايته يحتاج الى تفسير، فقد جاء بعد أسبوع فقط من إعلانه قرب الانسحاب من سوريا لان الحرب على داعش قد انتهت بحسب قوله، وحينما اعترضت ادارته التي لم يعلمها بما صرح حتى وزارتي الدفاع والخارجية المعني الرئيس بهذا الامر عاد وغرد بقوله ان من يريد بقاء قواته هناك فليدفع تكاليف البقاء في سوريا في إشارة واضحة الى السعودية التي قال لولي عهدها انهم يملكون الكثير من المال ولا يتضررون اذا ما اغدقوا جزء منه لصالح واشنطن.
وبين تأكيد ترامب واعتراض الخارجية والدفاع، خرجت جدلية الهجوم الكيميائي في منطقة دوما، وفورا وبدون أي مقدما ولا تحقيق دولي او محلي بسيط، انقلب ترامب من الانسحاب الى الانخراط الكلي في الوحل السوري، مهددا بصواريخ "رائعة وجديدة وذكية"، ليس لسوريا بل الى روسيا كما قال في تغريدته، الأربعاء.
سبق هذه التغريدة الأولى من نوعها، جدل في مجلس الامن تصارعت فيه كل من موسكو وواشنطن على اسقاط قرار الأخرى، ليلة الأربعاء، ومن بين هذه الفوضى، حاولت واشنطن تحشيد اكبر قدر من الدعم الدولي لصالح هجومها المرتقب ضد مواقع الجيش السوري والمصالح الروسية في البلاد، وانتهى يوم الثلاثاء ونهار الأربعاء بحلف ثلاثي مكون من أمريكا وبريطانيا وفرنسا، اعلنوا استعدادهم لشن الهجوم.
لكن موعد هذا الهجوم يبدو انه قد تأخر الى اجل غير مسمى، او على الأقل هكذا يبدو من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جميس ماتيس الذي يتميز بكونه اكثر حنكة من رئيسه، اذ قال "بأن الولايات المتحدة لا تزال حتى الآن تدرس المعطيات الاستخباراتية - الأمريكية والواردة من حلفاء واشنطن - بهذا الخصوص، دون أن يخوض في تفاصيل!".
ويلاحظ ان القرارت العسكرية الامريكية لا يتخذها ترامب انما اليد العليا لوزير الدفاع حصرا، وكانه منفصل عن تغريدات الرئيس، فالانسحاب من سوريا الذي اعلنه ترامب رد عليه الوزير بالنفي، وقد صدق ماتيس بكلامه، حيث اكد ان هناك الكثير من العمل للقيام به، ليؤكد ان ترامب منفصل عن الواقع تماما ويعيش ردود الفعل على ما يحدث في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مستفيدا من منصبه لتوجيه الاحداث "رمزيا".
واذا ما اخذنا في الاعتبار حنكة وزير الدفاع وفريقه فان الضربة الامريكية البريطانية الفرنسية قد تحدث من اجل عدم إهانة قرارات الرئيس أولا ولتوجيه رسائل سياسية محددة، لكنها لا يمكن ان تمس أي من المصالح الروسية الا اذا كانت بالخطأ، فالعسكر يحسبون الف حساب لهكذا فعل قد تكون نتائجه خطيرة للغاية على السلام الإقليمي والدولي.
اما في بريطانيا التي لا تزال تبحث عن إيجاد موطيء قدم لها، بعد خروجها من الاتحاد الأوربي فضلا عن الانتقام من روسيا فهي الأخرى غير مستعدة لتوجيه هذه الضربة في القريب العاجل، لان أي عمل عسكري يحتاج الى موافقة البرلمان وهذا ما لا يمكن ان يحدث بهذه السهولة، فآثار حرب العراق لا تزال تلقي بضلالها على الساسة البريطانيين، الا اذا كانت ضربة محدودة ورمزية جدا كما اشرنا الى ذلك في المقال.
وبالعودة الى الثنائية المتضادة بين الانسحاب القريب جدا الذي اعلن عنه ترامب او البقاء مقابل وجود طرف اخر يدفع تكاليف جنوده، ثم نفيه عمليا من خلال الحديث عن العمل العسكري، يثار التساؤل عن المحرك الأساسي لهذا التحول، هل هو الهجوم الكيميائي كما يقول فعلا؟ ام ان هناك من ساعد في صناعة سيناريو الكيميائي للتغطية على صفقة الدفع المالي من اجل إطالة امد البقاء في سوريا؟
منطقيا، فان سوريا وحلفائها لا يحتاجون الى استخدام الأسلحة الكيميائية لأنهم في اقصى درجات السيطرة ويحققون انتصارات سهلة جدا، فلماذا يلجؤون الى هذا الفعل المستنكر دوليا، ويجلب لهم كل هذه المتاعب، وأيضا فان هناك من هو مستعد لدفع أمريكا بكل الطرق للبقاء في سوريا حتى وان كلف مليارات الدولارات، فالانسحاب يعني نصرا استراتيجيا لروسيا وإيران، وهزيمة منكرة لخصومهم. ونعلم جيدا ان هناك تحالف واقعي بين إسرائيل والسعودية، ربما هم من رتبوا صفقة استئجار الجنود الامريكان للبقاء في سوريا، مع خلق هذه الزوبعة المطلوبة للتغطية على الصفقة.
الرئيس الأمريكي تحركه وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن ان يهاجم سوريا او أي دولة في غضون ساعات، فالعمل العسكري لديه اشبه بلعة "بلي ستيشن"، وتفكيره لا يتعدى منافعه الشخصية وتجميل صورته امام الراي العام، وهذا ما يجعل فرضية قيامه بعمل عسكري "رمزي وليس حقيقيا" ضد سوريا واردا في أي لحظة، وفي نفس الوقت يمكن ان يتراجع عن هذا القرار بنفس السرعة اذا ما استطاعت وسائل الاعلام بالاتفاق مع وزارة الدفاع من توفير قصص معاكسة تجعله يغير مسيره بالاتجاه المعاكس.
اضف تعليق