تباين عميق في الأهداف الاستراتيجية بين الروس والإيرانيين في سوريا، وهو ما ظهر في أكثر من حادثة خلال الأزمة السورية المستعرة، وهو ما يعني أن إضعاف الوجود الإيراني اليوم يصب بالأساس في صالح تفرد النفوذ الروسي السياسي والعسكري في سوريا بعد أن حقق هذا الوجود...

بغض النظر عن الجهة المنفذة لهجوم دوما الكيميائي؛ والذي تسبب بمقتل ما يزيد عن 60 شخص من المدنيين جلهم من الأطفال والنساء؛ فإنه من الواضح أن استثمار هذا الهجوم من قبل الولايات المتحدة وحلفائها سيجعل من الأوضاع في سوريا ما قبل الهجوم مختلفة عن ما بعده، وذلك على صعيد توزيع النفوذ العسكري للقوى الإقليمية في سوريا، وهنا تبرز الأهداف الاستراتيجية للضربة المرتقبة؛ والتي أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالأمس إشارة العد التنازلي لها، والذي ينتهي خلال 48 ساعة حسب تدوينات ترامب على تويتر، وهو ما بدا فعليا على الأرض بتحرك مدمرتين أمريكيتين نحو السواحل السورية وإعطاء الإشارة لحالة الاستنفار للقوات الأمريكية وحلفائها في المنطقة، والذي يتزامن مع تنسيق دبلوماسي أمريكي أوروبي وإقليمي نحو توجيه ضربة قوية للنظام السوري وحلفائه.

ويأتي ذلك بعد فشل مجلس الأمن في التوصل لإجماع دولي نحو شرعنة ضربة من هذا النوع بسبب الفيتو الروسي؛ والذي أفشل مشروع قرار أمريكي بهذا الصدد؛ فيما رفض الغرب تمرير مشروع روسي مضاد بفتح الباب أمام تشكيل لجنة تحقيق محايدة في الهجوم، وهو ما رحب به النظام السوري لأول مرة، والذي كان سابقا يعارض وبشدة أي تحقيق دولي مستقل في أحداث مشابهة، ولعل من أبرزها حادثة قصف دير شيخون قبل عام بأسلحة مشابهة، وردت في حينها عليها الولايات المتحدة بهجوم عسكري جوي محدود في حينه؛ إلا أن الوضع اليوم يبدو مختلفا نظرا لاختلاف موازين القوة العسكرية في سوريا خلال السنة الماضية، والذي جاء في صالح النظام السوري وحلفائه الإيرانيين واللبنانيين ممثلين في حزب الله؛ والذين أصبح لهم اليد الهامة في ميكانزمات الأوضاع العسكرية على الأرض.

وأحد أهم الأهداف الاستراتيجة للضربة الأمريكية الغربية المتوقعة بين لحظة وأخرى هي إضعاف النظام السوري عسكرياً وتدمير سلاح الطيران لديه؛ إضافة لتحييد وسائل الدفاع الجوي لديه، ولكن الأهم هو تقويض الوجود العسكري لإيران إن لم يكن إنهائه عبر توجيه ضربة قاسية لمواقع التواجد العسكرية لإيران وحزب الله مع عدم الاقتراب من المواقع الروسية تجنبا لأي مواجهة مع الروس، والتي تدرك الإدارة الأمريكية أنها لن تكون محمودة العواقب.

والنتيجة الاستراتيجية للضربة المتوقعة هو رسم الخط الأخير في خارطة النفوذ الاستراتيجي في سوريا على صعيد القوى الإقليمية، فبعد أن اقتسمت الولايات المتحدة وروسيا حصتها في سوريا؛ وذلك بتحديد مناطق النفوذ الأمريكي في شرق وشمال شرق سوريا حيث الأكراد والنفط، ومناطق النفوذ الروسي في ساحل شرق المتوسط حيث الغاز؛ فإنه آن الأوان لتقسيم ما تبقى من حصة القوى الإقليمية في سوريا والمتمثلة في إسرائيل وتركيا وإيران .

ومن الواضح أن تقليم أظافر النفوذ الإيراني المتزايد في سوريا بات قاب قوسين أو أدنى ببدء العد التنازلي للضربة الأمريكية المتوقعة، ورغم حالة الاستنفار والتأهب الروسي العسكري وحالة التناقض السياسي والدبلوماسي الروسي الغربي؛ إلا أن الضربة الأمريكية المتوقعة تصب ضمنيا في صالح الروس في سوريا؛ فرغم حالة التحالف بين روسيا وإيران والنظام السوري إلا أن ثمة تباين عميق في الأهداف الاستراتيجية بين الروس والإيرانيين في سوريا، وهو ما ظهر في أكثر من حادثة خلال الأزمة السورية المستعرة، وهو ما يعني أن إضعاف الوجود الإيراني اليوم يصب بالأساس في صالح تفرد النفوذ الروسي السياسي والعسكري في سوريا بعد أن حقق هذا الوجود الإيراني أغراضه المرحلية في دعم عودة النفوذ الروسي للمنطقة وتثبيت قواعدها الاستراتيجية في سوريا والشرق الأوسط مجددا، وبات يشكل مصدر قلق فعلي للروس.

إن الأيام القادمة ستشهد بداية فعلية لفصول تقليم أظافر النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط بدعم إقليمي وأمريكي، وآخر فصول الأزمة السورية والتي من المتوقع أن تشهد نهايتها قريبا عبر مؤتمر دولي على شاكلة جنيف (2)؛ بعد أن تكون خارطة توزيع النفوذ قد اكتملت معالمها، ولكن بأثمان باهظة دفعها الشعب السوري المغلوب على أمره من دمائه .

والتساؤل هنا وأمام طبول الحرب التي تُقرع على مسامع الأمم المتحدة والعالم، وهذا المشهد العسكري الذي تتقدمه الولايات المتحدة وحلفائها والذي سيتسبب بمقتل الآلاف من السوريين الأبرياء، فما جدوى وجود الأمم المتحدة التي ترفع شعار الحفاظ على السلم والأمن في العالم وتفشل دوما في تحقيقه إضافة لفشلها في إدارة وإنهاء أي أزمة تكون الولايات المتحدة الأمريكية طرف رئيسي فيها؛ ولعل من أهم الشواهد ما يحدث من قتل للمتظاهرين الفلسطينيين السلميين في غزة بمسيرات العودة على أيدي قناصة إسرائيليين يتباهون بفيديوهات مسربة بقتلهم للأبرياء بشكل متعمد، وذلك أمام مسمع ومرأى الأمم المتحدة التي فشلت لمرتين من عقد مجلس الأمن لمناقشة ما يجري بغزة من انتهاك لحقوق الإنسان بسبب الفيتو الامريكي.

إن السياسة الدولية لا تقيم للضعفاء وزنا، وكل ما يرفع من شعارات إنسانية وحقوقية ما هي إلا حجج لتنفيذ مصالحها السياسية والاقتصادية وتعزيز مناطق نفوذها ولو على جثث الأبرياء.

* أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية
Political2009@outlook.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق