طالما تجادل وسائل الاعلام الايرانية وحلفائها من جهة والاسرائيلية في الضفة الاخرى بتفوق احدهم على خصمه، واحتدم هذا الجدال منذ عام 2006 ودخلت فيه اطراف خارجية تفسر حالة القوة والضعف لدى الطرفين. مراكز دراسات ومؤسسات معنية مشؤون الامن الاقليمي والعالمي.
في الجانب الايراني يبدو الامر اكثر وضوحا فهم كسروا شوكة القوة العسكرية الاولى في الشرق الاوسط في مجازر دبابات الميركافا جنوب لبنان في حرب الثلاثة والثلاثين يوما، واغراق البارجة الاسرائيلية ساعر5. وهذه الاسلحة تمثل فخر الصناعات لدى تل ابيب.
في هذه المرحلة كانت الاضواء موجهة الى حزب الله الذي اعتبر منتصرا ليس في الادبيات الايرانية ومحورها. انما في الاوساط الاسرائيلية فتحت على اثرها لجان تحقق بالفشل العسكري ابرزها "لجنة فينوغراد"، التي وجدت في نهاية الحرب فتح لصفحة اولى من توازن الرعب يجب ان لا يسمح لحزب الله بالانتقال لعمق حرب التوازنات في المنطقة وما يعنيه ذلك من تاثير على المصالح الغربية وتهديدا وجوديا ليس لاسرائيل فحسب بل للانظمة العربية الحليفة لامريكا.
وحينما بدأت الاحداث الدراماتيكية في سوريا. بدت الامور تسير باتجاه كسر ضلع من مثلث التحالف الايراني السوري اللبناني متمثلا بحزب الله. وحتى اكثر المتشائمين في اسرائيل كان يتوقع سقوط الاسد في اسابيع معدودة. وانها ستتخلص والى الابد من عدو عنيد جدا لا يمكن الحوار معه ولا هزيمته بشكل نهائي رغم استخدام اجوائه كممر تدريب وضرب قواعدها متى ما اراد سلاح الجو الاسرائيلي.
في وسائل الاعلام ومراكز الابحاث_غربية وايرانية_ ركزت على مقاربة ان الحرب السورية هي بين الطرفين (اسرائيل ومحور ايران) رغم ان المواجهات على الارض تجري مع طرف ثالث، انها مواجهة بين محور ايران من جهة، ومحور الجماعات المعارضة المسلحة من جهة اخرى وهذه الاخيرة تمثل وكيلا حصريا للسعودية والولايات المتحدة الامريكية.
سوريا وايران طالما كانتا تروجان لمقوله مفادها ان كل ما يجري هو في صالح اسرائيل ويقوم به وكلاء فعليون لتنفيذ مخطط اكبر، لكن هذه الاتهامات غالبا ما تفسر في اطار نظرية المؤامرة لان الطرف الاسرائيلي وما يقوم به من ضربات جوية تعد جزءا من استراتيجيته الدائمة. فهو اغتال القائد في حزب الله عماد مغنية عام 2008 والكثير من قادته في عمليات اغتيال مخابراتية، وشن غارات جوية على مواقع عسكرية سورية قبل ان تبدأ الازمة بسنوات.
وبين ربيع وخريف بزغ الفجر الايراني في حلب ودير الزور والمناطق الاخرى التي كانت واقعة تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وكسر الحاجز الاول، فسوريا قد لا تسقط ومشروع الحرب قد يفكك ويرتد على اصحابه، وفي هذه المرحلة زادت من حدة التقاذف الكلامي بين ايران واسرائيل وزاد الحديث عن مواجهة حتمية لم يحدد موعدها بعد.
ولان اول الحرب سجال فان ما جرى يمثل البدايات في معركة اعادة تنظيم المنطقة، وفرض معادلات جديدة.
اسرائيل التي طالما كانت تضع شروطها بنفسها لم تعد كذلك بحسب معطيات الميدان، فهذا وزير الاستخبارات يسرائيل كاتز يعلق على اسقاط طائرة اف١٦ امريكية الصنع واسرائيلية الاستخدام ويقول أن "تل أبيب بشنها ضربات ضد مواقع إيرانية رئيسية في سوريا وجهت رسالة واضحة إلى إيران بأنها لن تتسامح مع أى وجود عسكري إيراني بالقرب من حدودها"، مشيرًا إلى أن ثمة "خطوطًا حمراء" أربعة لن تسمح إسرائيل بتجاوزها في سوريا تتمثل في تحويل أسلحة متطورة من إيران إلى سوريا ولبنان، واختراق السيادة الإسرائيلية، ومحاولات إنشاء قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، وبناء مصنع محلي لتصنيع الصواريخ في لبنان. فيما أكد حاغاى تسوريل مدير الاستخبارات أنه "على إسرائيل أن تتعامل مع إيران باعتبار أنها انتقلت إلى حدودها وأنها باتت تشكل خطرًا وجوديًا عليها".
هذا المنطق الاسرائيلي لم يكن موجودا قبل عام ٢٠٠٦، ورغم الهزيمة استمر منطق التفوق (مكابرة) حتى في السنوات الاولى للازمة السورية، الا ان الاصرار الايراني الذي يعبر عن نظرة استراتيجية اكثر عمقا وفهما لمتطلبات المرحلة اجبرت الجميع ليس للاعتراف بها كقوة فاعلة في المنطقة، بل ومحاولة استرضائها خوفا من حدوث الاسوأ.
اليوم لا تريد اسرائيل اكثر من الحفاظ على الوضع القائم، اما بالنسبة لايران فانها تطمح لتطويق عدوها وخنقه حتى الموت. هذا الهدف اعلن عنه المرشد الاعلى في ايران اية الله السيد علي خامنئي ووعد بانهاء وجودها في غضون ربع قرن.
الجدل الايراني بحتمية المواجهة وحتمية النصر ايضا يشوبه بعض التشكيك في القدرات الذاتية ليس من اعدائها فحسب بل من الداخل ايضا. فالذي لا يستطيع رد غارة اسرائيلية تستهدف مواقع عسكرية حساسة او شخنات اسلحة الى حزب الله او حتى تحرير مدينة صغيرة مثل منطقة جسر الشغور كيف يمكنه مواجهة دولة تمتلك افضل اسلحة العالم وفوق هذا كله تقف معها امريكا الدولة الاولى عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
شعر الايرانيون بجدية هذه التساؤلات ولكن اطنان المقالات التعبوية والبحوث التي تتحدث عن حتمية النصر لا تعني شيئا لمن لا يقرأ اصلا او يبحث عن دليل واقعي، وجدت طهران في كتابة وعودها باحرف نارية مُعْرَبَة برفع الشأن الايراني ونصب الشأن الاسرائيلي. فاسقاط مقاتلة من الجيل الرابع باسلحة سوفيتية تعود لحقبة السبعينيان يغير قواعد المنطقة الى حيث تستقر الامور لصالح من يجيد فن الصبر الاستراتيجي.
اضف تعليق