عندما تقترب الانتخابات نجد كل شيء يتغير والجميع يصرخ بأعلى صوته بشعارات لا معنى لها في واقع الحياة قط!، إذ على الدوام هناك من يريد أن يكسب المعركة ويحصل على المزيد، وهناك من يصفق ليشجع هذا أو ذاك على الفوز، ولكن في أيامنا هذه أصيب المواطن بمرض خطير حيث أنه أصبح لا يبالي بما حدث وما سيحدث، وكأن الجميع قرر أن يغادر الملعب ليفوز من يسعى لأن ينال شرف الفوز، فقضية الانتخابات أصبحت لعبة خطرة وفي نفس الوقت كريهة يشمئز منها المواطن.
لذلك بات عدم تحقق الوعود التي أطلقها الساسة سابقا سببا في انتشار اللامبالاة بين المواطنين، وما يزيد الطين بلة تذرّع الساسة المسؤولين بعدم وجود الإمكانات، رغم أنهم أطلقوا الوعود الكاذبة، ودفعوا للانتخابات بالشخصيات المزيفة، حيث جعلت من هدف التغيير صعب التصديق من قبل المواطن، حيث تدفع الجميع الى حافة اليأس، والابتعاد أكثر فأكثر عن الساحة، ولكن هل سألنا أنفسنا من أين يأتي هؤلاء؟.
هل هؤلاء شخصيات آتية من الفضاء؟ أم أنهم عراقيون حالهم من حالنا؟.
أو ليس هؤلاء "أناس" من أمثالنا؟.
أو ليسوا من أقربائنا أو بعضهم من معارفنا وما الى ذلك اقرب او ابعد قليلا؟.
الإجابة ستكون نعم بالتأكيد، فهؤلاء أناس من نفس البلد حيث يحملون نفس الجنسية، وفي بعض الأوقات يرددون نفس الشعارات ويحملون نفس المبادئ، ولكن كيف يتغير الأمر وتصبح الفوضى والتطاول على المال العام على رأس قائمة المخالفات والتجاوزات وكيف يتغير هؤلاء؟.
ثم ماذا يوجد هناك حتى يتغير المرء بهذا الكم الهائل من التغيير ويصبح شخصا آخر يختلف عن شخصيته السابقة وسلوكه ومبادئه؟.
عندما تتعثر العلاقات هناك قوائم طويلة من الشكاوي، وفي حالة كهذه لا يستطيع الإنسان ان يعرف الحق أين ومع من؟.
يقول (جون جراي) في مقدمة كتابه الذي يحمل عنوان (ما بعد المريخ والزهرة):
عندما تعثر على السعادة من دون مطالبة شريكك بالتغيير، ستصبح حراً لتعطي المزيد وتحصل على المزيد).
عادة ما يمتلك الأزواج الذين تتعثر علاقاتهم قائمة طويلة من الشكاوي المشروعة، وعندما تكون الحال على هذا المنوال، لا يمكن العثور على حل بينهما، إلا عندما يتوقف كلا الطرفين عن لوم الطرف الآخر، وعليهما أن يتحملا مسؤولية إسهامهما في تفاقم المشكلات.
إن اللوم وأحيانا نسميه (العتاب) هو مصدر قوتنا الوحيد عندما تعتمد سعادتنا على شركائنا، وعادة ما يعلق الأزواج في لعبة اللوم التي تبدو كأنها مباراة كرة المضرب أو التنس، إذ تغضب المرأة من شيء ما، فيدافع الرجل عن نفسه ويستاء منها، ومن ثم يظل اللوم متبادلا بينهما، ويبقى السبيل الوحيد للخروج من هذه اللعبة، هو التوقف عن لوم أو معاتبة شريكك عبر تعلم طرق جديدة لاستعادة الحب وتوازن العلاقة بين الطرفين.
وهكذا حال حياتنا حيث أصبح الجميع يلوم الظروف والكون والمكان، ولكن يا ترى هل فكر أي أحد في إصلاح أي جزء حتى وإن كان بسيطا من نفسه كي يصلح المجتمع؟.
لو أننا نراجع أنفسنا، فربما نجد جميعنا لصوص حيث كل شخص يفكر في ان يحصل على المزيد دونما تعب، ويصبح أكثر تكاسلا في تقديم ما عليه من واجبات، ولو أننا ننظر الى المجتمع سوف نشاهد هذا الأمر بوضوح، ففي ابسط الدوائر هناك من يجلس ليتكلم دون أن يهتم بمراجعيه، وهناك من يشغل نفسه عن القيام بعمله وسوف يجد ألف سبب وعذر كي يحاجج بها المراجعين أو حتى المسؤولين عنه.
فمثلا ينظف عامل النظافة قطعة ما من الارض ويترك القطعة التي تقع جنبها مع العلم ليده الوقت والوسيلة لتنظيف كلا القطعتين من الأرض، وقد يعتني المعلم بالغني اكثر مما يهتم بطلابه الآخرين، فكل شخص يسعى ليثبت قدمه في مكان عمله ويسرق بطريقة أو أخرى أي شيء متاح له، فعدم العدل وتبذير الوقت في الدوائر الرسمية نوع من السرقة، و (عندما تكون دوافع الشخص وقيمه خاطئة، فلا يمكن أن يصدر منه أي شيء صحيح.. إذ لا فرق في أن يكون ساعي بريد، او مندوب شركة أو صاحب محل او مجرد حلاق).
إذاً في هذه الحالة ربما ندرك بأن الفيروس يسكن في داخل كل فرد، وإن كنا نريد الإصلاح فعلا علينا ان نتوقف عن اللوم ونتعرف جيدا على تقصيرنا في واجباتنا، ونبدل الخلايا القديمة الفاسدة في شخصيتنا وتفكيرنا بخلايا جديدة، حيث يقول الله عزوجل ووعده حق:
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) الرعد:11.
ربما نتصور أن الجماهير معتمدة في نجاحها على الحكومة الجيدة، ولكننا دائما نغفل كم أن الحكومة الجيدة بحاجة إلى شعب جيد!
والشعب بوعيه وثقافته يستطيع ان يغير مسيرة البلد بأكمله، كما فعل الثوار على مر التاريخ، حيث استطاعوا ان يقفوا في وجه الظالمين ويغيروا مستقبل بلادهم، كما نلاحظ ذلك في قضية التنباك وثورة العشرين، وهنالك أيضا ثورة ليبيا وغاندي، ولعل اقرب مثال على ذلك، وقوف الحشد في وجه داعش، إذاً الشعب بحاجة الى الإخلاص والصدق كي يصلح نفسه بيده ويزرع الجمال والأمل في كل مكان.
اضف تعليق