إنتهى عام 2017، وأقبل علينا عام ميلادي جديد يحمل آماني العراقيين أن يكون عام إستقرار سياسي، وازدهار إقتصادي، وبناء الدولة العراقية بعد الخراب الذي حل بها طوال السنوات المنصرمة بفعل نهب زمر الفساد المتشعبة لأموال الشعب والدولة، وإستغلال مؤسساتها، وعبث جماعات الإرهاب بالبشر، وإضرارها بكيان الدولة، وتعايش شعبها السلمي.

وما بين الاثنين (الفساد والجماعات الإرهابية) هناك التدخل الإقليمي الفاعل السلبي الثالث في كل مفاصل الحياة السياسية العراقية. لكن اللافت أن 2017 قد كان مختلفا عن السنين السابقة، وبدأت بعض السلبيات على المستوى الأمني تتراجع يوم بعد آخر، ودلائل هذا الإختلاف تكمن في حدث هام للعراق والعالم من خلال إستطاعة العراقيين (الجيش والشرطة والقوات الساندة) من تحقيق إنتصار كبير على تنظيم داعش وطي سجل سيطرته الغاشمة سياسياً وعسكرياً على مناطق غرب وشمال العراق، وإنهاء تهديده المباشر على كل المدن والمحافظات العراقية دون أن يعني ذلك زوال خطر خلاياه وإتباعه بالكامل خصوصاً وأن أغلب التنظيمات الإرهابية تؤمن بما يسمونه بمرحلة (الكتمان) بعد الهزيمة العسكرية واللجوء أيضا بأنشطتهم إلى الأمور الداخلية.

وبقدر تعلق الأمر بالعام الجديد 2018 فإن العراق أمام تحديات كبيرة وترقب لمعالجة ملفات مالية وإقتصادية ينظر إليها العراقيين بعين الحيرة والتذمر، حيث يكاد يكون معالجة ملف الفساد الضارب بأطنابه كل مؤسسات الدولة تقريبا الملف رقم واحد، حيث أدى الفساد إلى هدر مليارات الدولارات من ميزانيات الدولة العراقية طوال السنين السابقة، وعطل عجلة النمو الإقتصادي والعمراني، كما أن ملف الفساد هو الأكثر تعقيداً وغموضاَ من بين كل الملفات الأخرى بل أن ملف الفساد تفوق حتى على ملف الإرهاب كما سبق، وأعلن حيدر العبادي رئيس الوزراء في العراق، عن عزمه بإجراءات حقيقة لمكافحة آفة الفساد.

ويعود السبب في تعقيدات ملف مكافحة الفساد إلى مجموعة مسائل رافقت العملية السياسية في العراق، منها ماهو تأسيسي كالمحاصصة الطائفية والحزبية في تقاسم السلطة، ومنها ماهو اجرائي فالعملية السياسية الجديدة في العراق تقوم على أسس من المفترض أن تكون ديمقراطية، ونظام سياسي يعتمد على دستور مكتوب، وهناك البيروقراطية الإدارية، والجانب القضائي، فهناك مسألتان تؤخران مكافحة الفساد هما:

1- العجز السياسي الناجم عن المحاصصة الطائفية والحزبية، وهذا يحتاج إلى أدارة قائمة على أساس التخصص والكفاءة حتى تقوم بمحاسبة المفسدين، والمقصرين، والمتواطئين.

2- البطء التنفيذي والقضائي، ويرجع إلى أسس مكافحة الفساد في العراق عن طريق آليات الإصلاح التدريجي الذي أعتمدته حكومة العبادي، وهنا يحتاج العراق إلى مراجعة نظامه الإداري والقضائي فضلاً عن الإستفادة من الخبرات الأممية في مجال التحقيق حتى نسرع من معالجة هكذا ملفات مؤثرة على تحسين الجانب الإقتصادي (الصناعي والزراعي) والنهوض بالجوانب الخدمية والعمرانية والإستثمارية في العراق.

وهناك عملية إنتخابية مرتقبة ترتبط أرتباطاً مخرجاتياً بملف مكافحة الفساد حيث يعول الناس في العراق على الإنتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات المزمع أجراؤها في منتصف عام 2018 وما تفرزه من نخب قيادية مهنية ولجان تشريعية جديدة صانعة للقرار السياسي، فهل تختلف إنتخابات عام 2018 البرلمانية والمحلية عن سابقاتها؟

ربما تختلف من حيث تغير الخطابات السياسية من التركيز على الدعاية الإنتخابية الطائفية والقومية إلى الدعاية الوطنية المنسجمة إعلامياً مع طموحات الشارع العراقي في مكافحة الفساد وإنهاء المحاصصة السياسية والحزبية والنهوض بالإقتصاد العراقي، كما تحاول الكتل السياسية من رفع مستوى مرشحيها من الحزبيين والأعضاء العضويين إلى التأكيد على التخصص، ومهنية وإستقلالية مرشحيها.

وبرغم من أن الإنتخابات البرلمانية والمحلية قد تشهد صعود كتل سياسية جديدة ذات طابع مدني ووجوه مستقلة وتكنوقراط، لكن بالمجمل تبقى الكتل السياسية التقليدية (بإنشطارات جديدة وتحالفات مغايرة) مسيطرة على البرلمان المقبل وبالتالي على تقاسم الرئاسات الثلاثة وزارات الدولة وفق آليات سابقة من المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية المألوفة عند أغلب العراقيين، لأن صعود هذه الكتل ونزولها يعتمد على النظام الإنتخابي، وطالما أن الكتل السياسية في مجلس النواب الحالي مصرة على الإبقاء على قانون سانت ليغو حتى لو كان هناك تعديل في آلية قسمة الأصوات الإنتخابية فإن قانون سانت ليغو أفضل نظام إنتخابي يضمن للكتل السياسية الإستحواذ مرة بعد أخرى على مجريات العملية التشريعية والتنفيذية في العراق في حين المصلحة الوطنية تفترض تشريع قانون إنتخابي جديد يكون مختلف كليا عن قانون سانت ليغو النافذ ينسجم النظام الإنتخابي الجديد وحجم المشاكل التي يمر بها البلد الناجمة عن فشل الكتل السياسية وسوء إستعمالها للسلطة.

وعلى صعيد المسألة المتفاقمة ما بين الحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كُردستان أثر خيار الأخيرة والتيار القومي المتشدد في إقليم كُردستان بإجراء الإستفتاء لقيام كيان كُردي مستقل عن الدولة العراقية وما لحقه من إجراءات عسكرية سريعة من قبل الحكومة الإتحادية في بغداد والدخول إلى مناطق عديدة في الموصل ومدينة كركوك بالكامل بعد أن سيطر عليهما الكُرد بحكم سياسة الأمر الواقع، وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر من أزمة الإستفتاء لا زالت مشكلة كُردستان العراق قائمة وبلا حل ومن المتوقع إستمرار الأزمة خاصة وأن هناك مسائل لم تحل لغاية الآن منها مسألة مطالبة حكومة العبادي بتسليم المطارات، والمنافذ الحدودية، والإقرار رسمياً بإلغاء الإستفتاء من قبل حكومة إقليم كُردستان.

وبغض النظر عن تركيبة الحكومة الإتحادية المقبلة، وشكل التحالفات التي قد تعقد ما بين التحالفات الشيعية، والتحالفات الكُردية إلى جانب التحالفات السنية المقبلة لكن أي طرف رسمي فاعل في بغداد لا يستطيع أن يعطي للكُرد مناطق خارج الحدود إقليم كُردستان لعام 1991 إلى جانب مسائل شائكة أخرى كتصدير النفط من قبل الإقليم والحصة السنوية من الموازنة العامة خاصة بعد سيطرة السلطات الإتحادية على مناطق عديدة واسعة في شمال العراق وما يواجهه الإقليم من أزمات إقتصادية وصراعات حزبية، وارتفاع حدة الإحتجاجات الشعبية في مدن السليمانية، وحلبجة، ومدن أخرى على سياسات حكومة إقليم كُردستان.

وبالتالي فإن الخلاف ما بين الحكومة الإتحادية المقبلة وحكومة إقليم كُردستان قد يتخذ أحد المنحيين: المنحى الأول تبقى المشكلة القائمة مابين حكومة بغداد المقبلة وحكومة الإقليم مما سيكون له أثر سلبي كبير على إستقرار النظام السياسي في العراق وتعطيل نموه الإقتصادي والإستثماري.

والمنحى الثاني: قد نشهد حوارا شاملا (لكنه قد يبقى حلا وقتياً بالنسبة للكُرد) ينهي حالة الخلاف، وهذا يتوقف على استجابة حكومة الإقليم لشروط بغداد كاملة، وما قد تقدمة حكومة بغداد من تنازلات إقتصادية وسياسية تضمن للكُرد حل أزمات داخلية عالقة منها أزمة الرواتب، والمشاركة بفعالية أكبر في صنع القرار السياسي داخلياً وخارجياً.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق