تصاعدت الحرب الإعلامية بشكل كبير بين ايران والسعودية في الفترة الاخيرة، بخصوص بعض الملفات والقضايا والاتهامات المتعلقة، بالنزاع في اليمن الذي تسبب بازمة إنسانية خطيرة. يضاف الى ذلك التطورات الأخيرة الخاصة بملف لبنان واتهام حزب الله وغيرها من الملفات الأخرى، التي أثارت قلق ومخاوف الكثير الجهات في ظل دعم امريكي متزايد لسلطات السعودية، وهو ما قد يسهم في خلق صراع جديد في منطقة الشرق الأوسط التي تعيش حالة من عدم الاستقرار. حيث اتهم ولي العهد السعودي ايران بشن "عدوان مباشر" على بلاده بعد اعتراض السعودية صاروخاً اطلق من قبل جماعة الحوثي في اتجاه مطار الرياض. وبدورها، وجهت السفيرة الاميركية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي اصابع الاتهام الى ايران. لكن الرد جاء على لسان الرئيس الايراني حسن روحاني الذي دعا الرياض الى الحذر من "قوة ومكانة" بلاده، مشددا على انه "ليس من وسيلة سوى الاخوة والصداقة ومساعدة أحدنا الاخر".
وبعد مرور أكثر من عامين على حرب التي خلفت بالفعل عشرة آلاف قتيل وكما نقلت بعض المصادر، تواجه السعودية صعوبة في تمكين الجيش الوطني اليمني من هزيمة حركة الحوثي المتحالفة مع إيران التي سيطرت على مساحات كبيرة من اليمن. وهذا الخلل ذكرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن حملته للتصدي لإيران خصم المملكة اللدود في الشرق الأوسط، بما في ذلك تهديد جماعة حزب الله اللبنانية ، ربما يكون أمرا صعبا على أرض الواقع.
واشنطن والرياض
وفي هذا الشأن اختارت الولايات المتحدة الجهة التي تدعمها في الازمة الجديدة التي تعصف بالشرق الاوسط، لكن وقوفها الى جانب السعودية في مواجهة ايران لا يخلو من مجازفات. وتعليقا على حملة غير مسبوقة طاولت أمراء ومسؤولين حاليين وسابقين ورجال أعمال في اطار مكافحة الفساد في المملكة، كتب الرئيس دونالد ترامب على تويتر "لدي ثقة كاملة بالملك سلمان وولي عهد السعودية، انهما يعلمان تماما ماذا يفعلان". واكد ترامب ان "بعضا ممن يعاملانهم بقسوة" ابتلعوا ثروات البلاد منذ اعوام.
وردا على سؤال عن انزلاقات محتملة في حملة الاعتقالات التي اطلقها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان العازم على احكام قبضته على الامور، اكتفت الخارجية الاميركية ب"تشجيع" الرياض على "ملاحقة" المشتبه بهم "في شكل عادل وشفاف". والسعودية السنية حليف قديم للولايات المتحدة. زارها ترامب في ايار/مايو في اول جولة خارجية يقوم بها كرئيس ومنها دعا الى "عزل" ايران الشيعية لاحتواء نفوذها المتنامي في الشرق الاوسط.
وهو أيد في مرحلة اولى الحصار الذي فرضه السعوديون على قطر في حزيران/يونيو رغم ان الدبلوماسية الاميركية حاولت القيام بوساطة لاحتواء الازمة بين الدوحة وجيرانها الخليجيين. والتحالف مع مملكة محافظة تتبع المذهب الوهابي المتزمت كان يبرر دوما ب"الاستقرار" الذي تجسده. لكن باربرا سلايفن من مجلس الاطلسي للابحاث نبهت الى ان القرارات الاخيرة التي اتخذها ولي العهد الشاب (32 عاما) تهدد على العكس ب"تأجيج عدم الاستقرار السياسي". واضافت انه رغم ان برنامجه "رؤية 2030" لتحديث الاقتصاد وتنويعه واضفاء طابع ليبرالي على المجتمع هو "موضع ترحيب"، فان شبح "انتقام فروع استهدفت من العائلة المالكة" يخيم على الرياض.
بدوره، اعتبر الباحث بروس ريدل في مقال نشرته مؤسسة بروكينغز ان الملك المسن ونجله الطموح "كرسا قطيعة مع السياسة التقليدية القائمة على التوافق" و"قد تكون النتيجة مملكة اقل استقرار وسياسات اكثر اندفاعا وأقل توقعا". وخلال مؤتمر اختصر لوري بلوتكن من معهد واشنطن الوضع في المملكة بالقول ان "زلزال لم ينته على الارجح". والمشهد الملتبس في السعودية يرافقه توتر في المنطقة. وهنا ايضا تقف واشنطن الى جانب الرياض.
فالخارجية الاميركية نددت ب"هيمنة" حزب الله الشيعي، حليف ايران، على لبنان تعليقا على الاستقالة المفاجئة لرئيس وزرائه سعد الحريري والتي اعتبر بعض المراقبين ان الرياض أملتها عليه. وحذرت باربرا سلايفن من ان هذه الخطوة تؤشر الى "خطر فعلي لوقوع حرب جديدة في لبنان". ورأت سلايفن ان "تركيز محمد بن سلمان على ايران وحربه المدمرة في اليمن و’انتقامه’ من قطر وهذا التطهير الاستثنائي" في اشارة الى حملة الاعتقالات الاخيرة، هي "خيارات تشوبها مجازفة كبرى يمكن ان ترتد عليه"، مشددة على ان "دعم ترامب غير المشروط يثير قلقا كبيرا". بحسب فرانس برس.
اضافة الى القلق المشترك حيال ايران، تختصر الباحثة اسباب هذا الدعم بان ترامب "أعجب كثيرا" بالاستقبال الذي حظي به في الرياض فضلا عن اصغائه الى نصائح صهره ومستشاره جاريد كوشنر الذي نسج علاقة وثيقة مع ولي العهد السعودي و"يأمل بعقود رابحة للشركات الاميركية". كذلك، يهادن الرئيس الاميركي السعوديين ليختاروا وول ستريت حين يقررون طرح أسهم مجموعة ارامكو العملاقة في البورصة. ولاحظ بروس ريدل ان "ادارة ترامب ربطت الولايات المتحدة بولي العهد الشاب والمتهور ويبدو انها غير مدركة للاخطار التي تزداد يوما بعد يوم".
روحاني يحذر
الى جانب ذلك دعت ايران السعودية الى الحذر من "قوة ومكانة ايران" بعد تفاقم حدة التوتر بين البلدين الخصمين حول عدد من الملفات الخلافية ولا سيما الحرب في اليمن. وقال الرئيس الايراني حسن روحاني في كلمة امام مجلس الوزراء نقلها التلفزيون، متوجها الى القادة السعوديين "تعلمون قوة ومكانة الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة جیدا، كانت هناك قوى أكبر منكم عجزت عن قهر ارادة الشعب الایراني" بحسب ترجمة عربية اوردتها وكالة الانباء الايرانية (ارنا).
وأضاف روحاني ان "أميركا وكل اذنابها عبأوا كل امكاناتهم وقدراتهم لكنهم هزموا امام صلابة وقوة الشعب الايراني" في اشارة الى الحرب الطاحنة التي شنها العراق في 1980 على الجمهورية الاسلامية بدعم من دول غربية وعربية وانتهت بعد ثماني سنوات بلا تعديل للوضع السائد قبلها. وقطعت طهران والرياض العلاقات الدبلوماسية في كانون الثاني/يناير 2016 بعد تخريب السفارة السعودية في طهران اثناء تظاهرة غاضبة احتجاجا على اعدام الرياض رجل دين شيعي سعودي.
ويدعم كل من البلدين معسكرات متواجهة في النزاعات الرئيسية في الشرق الاوسط وخصوصا سوريا واليمن والعراق، وكذلك في لبنان والبحرين. وتابع الرئيس الايراني "اننا ندعو ايضا إلى ان ينعم اليمن والعراق وسوريا وحتى السعودية بالازدهار والتقدم. على الجميع ان يعلم، ليس من وسيلة إلا الاخوة والصداقة ومساعدة احدنا الاخر". كما أضاف "من الخطأ ان تفكروا ان ايران ليست صديقة لكم وان اميركا والكيان الصهيوني اصدقاؤكم. فهذا التفكير خطأ استراتيجي وفي الحسابات"، في إشارة الى تصريحات رئيس الوزراء الاسرائيلي مؤخرا ان "التهديد" الايراني يؤدي إلى تقارب عير مسبوق بين الدولة العبرية وجيرانها العرب.
وطالب روحاني في كلمة امام وزرائه السعودية التي تقود منذ 2015 تحالفا يقدم دعما عسكريا للقوات الحكومية اليمنية، الى وقف قصفها لمناطق المتمردين الحوثيين والحصار الذي تفرضه على هذا البلد. واضاف "لو سلمنا ان السعودية تعادي الشعب الايراني، فلماذا تكن العداء للشعب اليمني وتشن هجماتها على شعب مجاور لها. كيف يستطيع الشعب اليمني ان يصد هذا الحجم من القصف؟" من جهة اخرى ربط الرئيس الايراني بين تكثف التحرك السعودي خارج الحدود بالوضع الداخلي في المملكة. بحسب فرانس برس.
وقال "على السعودية أن تسعى الى معالجة مشاكلها الداخلية بعيدا عن اقحام شعوب المنطقة بمشاكلها"، في اشارة الى حملة الاعتقالات غير المسبوقة التي شهدتها الرياض وطالت امراء ووزراء ومسؤولين سابقين ورجال اعمال متهمين بالفساد. واتهم روحاني ايضا ضمنا القادة السعوديين بارغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة، متسائلا "لماذا تتدخلون في الشأن الداخلي لحكومة لبنان؟ لم نشهد في التاريخ ان بلدا يتدخل بهذا الشكل في شؤون بلد آخر ويجبر مسؤوله على الاستقالة. هذا غير مسبوق في تاريخ المنطقة".
تهديدات جديدة
في السياق ذاته هدد الحوثيون في اليمن بضرب مطارات وموانئ المملكة السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ردا على قرار التحالف العسكري بقيادة الرياض إغلاق المنافذ البحرية والجوية والبرية للبلد الغارق في نزاع مسلح. وقرر التحالف إغلاق منافذ اليمن بشكل مؤقت حيث منع كذلك دخول المساعدات تحت إشراف أممي رغم مناشدات الأمم المتحدة. وأكد التحالف أن تحركه يهدف إلى "سد الثغرات الموجودة في إجراءات التفتيش الحالية والتي تسببت في استمرار تهريب تلك الصواريخ" إلى المتمردين.
ولكن منع دخول المواد الإغاثية يهدد نحو سبعة ملايين شخص يعيشون على حافة المجاعة، ما دفع بالأمم المتحدة إلى المناشدة برفع الحظر في أسرع وقت ممكن. وقال المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لارك للصحافيين في جنيف "إذا لم يتم إبقاء شرايين الحياة هذه، مفتوحة فإن الأمر سيكون كارثياً على الناس الذين يواجهون ما أطلقنا عليه بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
وأعلن المكتب أن التحالف طلب من الأمم المتحدة إبعاد السفن عن مرفأ الحديدة الذي وصفه بأنه "العمود الفقري للعمليات الإنسانية في اليمن". وأشار إلى محادثات جارية مع التحالف لإعادة إدخال المساعدات في أسرع وقت. وصرح لارك أن أسعار الوقود ارتفعت ستين بالمئة فيما تضاعفت أسعار غاز الطبخ مرتين مباشرة بعد الإغلاق. وجاء قرار إغلاق المنافذ بعد أن أظهر الحوثيون أنهم لا يزالون يمتلكون صواريخ قادرة على ضرب أهداف في عمق المملكة رغم مرور أكثر من عامين على انطلاق الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضدهم.
فقد أعلنت السعودية أن قواتها اعترضت فوق مطار الرياض صاروخا بالستيا أطلقه الحوثيون، ما أدى إلى سقوط شظايا منه في حرم المطار. والصاروخ هو الأول الذي يبلغ مداه العاصمة السعودية حيث تتسلط الأضواء على تداعيات تدخل الرياض عسكريا في جارتها الفقيرة. وأعلن "المجلس السياسي الأعلى" التابع لجماعة الحوثي في بيان نشرته وكالة أنباء "سبأ" المتحدثة باسمهم أن "إرادتنا لن تنكسر (...) وكل المطارات والموانئ والمنافذ والمناطق ذات الأهمية بالنسبة لهم ستكون هدفا مباشرا للسلاح اليمني المناسب". وأكدوا "لن نقف مكتوفي الأيدي وسندرس خيارات أكبر وأشد حسما للحيلولة دون المزيد من حصار الشعب اليمني وتجويعه أو إذلاله".
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن ولي العهد الأمير محمد قوله "إن ضلوع النظام الإيراني في تزويد الميليشيات الحوثية التابعة له بالصواريخ يعد عدواناً عسكرياً ومباشرا من قبل النظام الإيراني". وأضاف الأمير الذي يتولى أيضا منصب وزير الدفاع أن هذا الأمر "قد يرقى إلى اعتباره عملاً من أعمال الحرب ضد المملكة".
من جهته، رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالقول إن "مزاعم المسؤولين السعوديين مخالفة للواقع وخطيرة" بحسب ما نقل على لسانه الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي لوكالة الأنباء الفرنسية. إلا أن السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة قالت في بيان إن "نظام طهران يؤكد مرة جديدة ازدراءه الكامل لالتزاماته الدولية". وأضافت "من كانت لديه معلومات عليه أن ينقلها لتحميل إيران مسؤولية دعمها للعنف والإرهاب في المنطقة والعالم (...) الولايات المتحدة ملتزمة القيام بكل شيء للتصدي لأعمال إيران المزعزعة للاستقرار ولن تغض النظر عن انتهاكات طهران الخطيرة للقانون الدولي". بحسب فرانس برس.
وقد يؤدي تهديد الحوثيين بشن هجمات صاروخية أكثر على غرار ذلك الذي استهدف مطار الرياض إلى تصعيد في النزاعات بالوكالة بين الرياض وطهران، اللتان تدعمان أطراف متخاصمة في حروب وصراعات على السلطة من اليمن حتى سوريا. وأكدت قيادة التحالف الذي تقوده الرياض "احتفاظ المملكة بحقها في الرد على إيران في الوقت والشكل المناسبين". واتهم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مقابلة مع شبكة (سي.إن.إن) التلفزيونية جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة بإطلاق صاروخ على الرياض من أراض يسيطر عليها الحوثيون.
وقال ”فيما يتعلق بالصاروخ... الذي أطلق على الأراضي السعودية، فقد كان صاروخا إيرانيا أطلقه حزب الله من أراض يسيطر عليها الحوثيون في اليمن“. وقال إن الصاروخ يشبه آخر أطلق في شهر يوليو تموز على ينبع في السعودية وكان مصنوعا في إيران وجرى تفكيكه وتهريبه إلى اليمن ثم أعادت عناصر من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله تجميعه ”وبعدها أطلق على السعودية“.
اضف تعليق