قد لا يكون محبذا ان تضع وسائل الاعلام كل تركيزها على منطقة واحدة، او شخص واحد، تتناوله صباحا ومساء، فهذا الفعل يتعارض مع منطق التنويع الاعلامي بغية زيادة مستوى التشويق وتجنب حالة الملل لدى الجمهور، لكن الحال مختلف هذه الايام مع المملكة العربية السعودية وولي عهدها وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان.
لم تمض اربع وعشرون ساعة من عمر استقالة حليف السعودية "سعد الحريري" ومن فوق اراضيها، في قرار وصفه متابعون بـ"الاعصار السياسي"؛ حتى ضرب الرياض زلزال اخر تضمن حملة من الاعتقالات شملت 11 شخصية لها ثقلها السياسي والاقتصادي، ابرزها امبراطور المال "الوليد بن طلال".
وانهالت التعليقات والتحليلات حول هذا التسارع في عجلة الاحداث السعودية وقرارتها الكبرى في الوقت الذي يطالب كثيرون بالتريث طلبا للاستقرار السياسي والاقتصادي، ومواجهة الازمات الداخلية والخارجية التي تتراكم يوما بعد اخر، فيما يرحل البعض الاخر منها الى اجل غير مسمى من بينها "التورط" في الحرب اليمنية منذ اكثر من عامين، مع خسائر اقتصادية وبشرية وسياسية هائلة.
لا يُفَسر سلوك بن سلمان هذه الايام الا في اطار تعزيز سلطته واحكام قبضته على مقاليد الحكم في الرياض، تمهيدا لتنصيب نفسه "ملكاً علمانياً أعلى"، فقد اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الاعتقالات التي طالت العشرات من كبار الوزراء والأمراء والأثرياء في المملكة العربية السعودية، مساء السبت، بالخطوة الأخيرة لتعزيز سلطة ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان آل سعود.
الصحيفة الأمريكية تتهم الامير محمد بن سلمان بشكل مبطن بانه ينفذ الاعتقالات بدون سلطة قانونية، فالسعودية كما تقول "نيويورك تايمز"، بانها "مملكة تنفيذية؛ بلا دستور، أو مؤسسات حكومية مستقلة، أو برلمان، أو محاكم، كما أنه من الصعب تقييم الاتهامات بالفساد، فالحدود الفاصلة بين الأموال العامة وثروة الأسرة الحاكمة غامضة، في أحسن الأحوال، ويُعتقد أن الفساد في السعودية واسع الانتشار".
وبغض النظر عن دستورية القرارات او قانونيتها الا ان ما يهم الشارع السعودي وحتى العربي، هو الاسباب الكامنة وراء هذه الموجة المتصاعدة من "التهميش" الواضح، لمعارضي بن سلمان، وما اذا كان اتباع العنف كطريق لحل الاشكالات السياسية امرا مجديا في هذه الظروف العصيبة.
الانباء الواردة من السعودية والتي تحدثت بشكل غير مسبوق عن ولادة تيار معارض وبشدة لاجراءات محمد بن سلمان، فبالاضافة الى الاعتراض على طريقة وصوله الى السلطة، هناك من يضغط الان للافراج عن ولي العهد السابق محمد بن نايف "المسجون.
ومن اشد المعارضين للاجراءات الامنية والاعتقالات هو الامير "بن طلال" والذي هدد خلال اجتماع للأسرة الحاكمة، مؤخرا، بسحب كل أمواله إلى أوروبا في حال رفض الإفراج عن ولي العهد السابق الأمير "محمد بن نايف" الذي تمت الإطاحة به من على رأس وزارة الداخلية ووضعه قيد الإقامة الجبرية، إذ يصنف "الوليد بن طلال" بأنه أحد الأصوات "الناشزة" في العائلة المالكة بسبب ميله إلى الحديث بجرأة غير معتادة حول مجموعة متنوعة من القضايا الحساسة في السعودية.
وثمة إجماع بين المراقبين أن إقدام السلطات السعودية على اعتقال رجل أعمال بحجم "بن طلال" جاء بدافع التمهيد لأمر خطير داخل المملكة من قبيل تنصيب "بن سلمان" ملكا، خاصة أن قائمة الاعتقالات ضمت رئيس الحرس الوطني المقال الأمير "متعب بن عبدالله" ليتم وضع الفرع الثالث والأخير من القوات المسلحة السعودية تحت سيطرة ولي العهد.
وتقول وسائل اعلام خليجية ان هذه الحملة لن تكون الأخيرة في ظل إغلاق المطارات أمام الطائرات الخاصة، ما أثار تكهنات بأن ولي العهد يسعى إلى منع آخرين من الفرار قبل تنفيذ اعتقالات أخرى، وتسائل موقع الخليج الجديد عن مدى قدرة "محمد بن سلمان" على مواجهة موجات الاحتقان داخل العائلة المالكة جراء خطواته غير المسبوقة.
من هذه المعطيات يبدو ان السعودية مقبلة على احداث دراماتيكية وازمات جديدة لا يمكن لاحد التنبؤ بها بشكل دقيق، الا ان الامر الاكيد ان شكل النظام السعودي والبيئة السياسية في المملكة لن تستمر على هذه الحال، والتغيير قادم لا محالة، والتاثيرات ربما تشمل المنطقة باسرها لا سيما وان الرياض قد ربطت الكثير من سياسيات دول المنطقة حولها من خلال الترهيب والترغب بالمال تارة والحرب تارة اخرى.
اضف تعليق