q

تحتاج الحكومات والأحزاب وحتى الشخصيات الى إشهار بعض الأفكار بشتى الطرق، خصوصا ما يروّج لها ايدلوجيا، حتى تصل الى مآربها، فلجأت الى إعلان اللافتات والشعارات أو التصريحات والمقالات المنطوقة أو المكتوبة التي تحمل أفكارها، وقد تستعمل الشعار، فثمة نوعان من الشعارات، منها على شكل ايقونة أو رمز، ومنها تقدم الفكرة مصاغة بكلمات، فالشعار (Slogan) هو كلمة أو مجموعة من الكلمات، أو عبارة، أو فقرة، تستعمل عادة لأغراض سياسية، أو دينية، أو اقتصادية، للدلالة على فكرة أو هدف أو غاية، وتختلف الشعارات في نمطها، فقد تكون مكتوبة أو مرئية أو محكية، لكنها تتشابه فيما بينها بكونها مباشرة وذات دلالة قوية وتوصل المعنى المطلوب بسرعة ولا تحتاج للكثير من الشرح والتوضيح، وتحمل فكرا مركّزا، وهناك إشكالية لها علاقة بفكرة الشعار وتطبيقها.

قال الإمام عليه السلام: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم.

هذه دعوة صريحة مباشرة لا تحتاج الى واسطة أو تفسير حتى يفهمها المتلقي، فالإمام يطالب بإثبات الفكرة بالعمل، دع أفكارك تقدم لي نفسها ليس بالكلام، وإنما بالعمل، فاللسان هنا لا يجوز أن يثرثر ويلوك الكلمات حتى يقنع المتلقي بالفكرة أو الشعار، التطبيق والتجسيد هو المعبّر الوحيد المقبول ولا مقبولية لسواه.

الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي له رؤيته حول توصيل الفكرة، ووظيفة الكلمات، ومهمة الشعارات، الإمام الشيرازي يرفض التدليس، ويعلن بقمة الوضوح أن العمل أفضل المقاييس لإثبات النوايا وفحوى الكلام، فيعلن سماحته بقول بليغ مختصر معبّر أشد التعبير وأوضحه عن ماهية الحياة ومقياسها، فيقول:

(العمل هو مقياس الحياة لا مجرد القول) المصدر: كتاب إذا قام الإسلام في العراق.

إذاً الكلام وحده لا يؤخَذ به، إذا لم يرافقه تطبيق، ولو حدث تناقض ما بين الفكري والتطبيقي في فحوى الكلمات أو الشعار المرفوع، فهذا يستدعي نفيرا فوريا لرفع أسباب التناقض، فما يُنشَر من فكر ومؤلّفات وشعرات يجب أن تُطبَّق، مراعاة للعهود التي قُطِعَتْ في السابق، فلا يجوز أن تعد وتحنث، لأنك مراقَب عمّا تعد أو تتعهد، وثمة ما يجب الانتباه له، وهو الفحوى الفكري للشعار، ودرجة تطرفه، فالكلام قد يصبح محرقة، ويمكن أن يصبح سيفا مسلطا على رقاب الأبرياء.

فيشجّع الإمام الشيرازي على تقديم الفكر المعتدل، مع استبعاد العنف الذي يؤرّث الكراهية والاستفزاز، فيدفع الى التناقض، ومن ثم الاحتقان، والشد والتوتر، فيطالب الإمام بتطويق العنف لأن:

(الشعار العنيف والمجرد من العمل يخلق الاستفزاز مما يجلب كراهية العقلاء، وغالبا ما يستغله السفهاء لإيذاء الآخرين، ولذا يلزم تركه إلا في أقصى موارد الضرورة) المصدر السابق.

والفكر يجب أن يعبّر عن المرحلة بدقة، ويتسم بالعمق وصدق التأثير، لأن الفكر الفارغ سيكون سببا في إشكالية التناقض بين الفكرة وتطبيقها، فما نفكر به يجب فهمه ودراسة شروط التطبيق، هل هي ملائمة، هل ينسجم معها الوسط، أ يرحبُ بها أم يبرحها ويحاربها، كل هذه التوقعات المحسوبة لابد من وضعها موضع الدراسة قبل الشروع بالتنفيذ، فلا يجوز التقرّب من الفكر الفارغ لأنه بحسب الإمام الشيرازي يضر المستخدِم.

إن (التمسك بالفكر الفارغ وإن كان يتصور فائدته على مستوى السطح ولكنه يضر في العمق لأنه يصرف الأنظار والأفكار عن حقيقة العمل وعمقه إلى مجرد الكلام) المصدر السابق نفسه.

ومن أخطر النتائج، عندما تصبح الأفكار مجرد كلمات لا تأثير لها ولا نفع، ومن أسوأ الشعارات الفكرية تلك التي تُقال وتُكتَب وتُعلَن ولكن لا يُعمَل بها حينما يحين موعد التطبيق، وهذا ينتج من إشكالية التناقض بين الفكرة المطروحة وبين آليات التنفيذ.

من أكثر الأسباب خطورة في التناقض الفكري العملي، أن منتِج الفكرة لا يضع ترتيبات وتوقعات أولية للنتائج، فتغدو قضية طرح الشعار أشبه بالمغامرة، وبعضهم قد يلجأ الى هذا الأسلوب وهو عارف بأن القضية فيها خداع، وهذا يحدث في واقعنا العربي، نحن في الحقيقة في أحايين كثيرة لا نحترم الفكر، ولا تعني لنا الوعود شيئا، ونقصد هنا من يشتغل في صنع القرار، وليس نحن كوننا غير معنيين بهذا النوع من الصناعة، لكننا مراقبون جيدون أو يفترَض أن نكون هكذا، فهذه هي مهمتنا، علينا أن نتحد ونلوي عنق من يريد أن يخدعنا بأفكار لا يمكن تطبيقها، فهي خطوات من الخداع مع سبق الإصرار.

العقبة الأساس هنا لا توجد دراسة معمّقة متخصصة للفحوى الفكري المطروح في الشعار أو الهدف، وحينما تُلقى الكلمات جزافا، أو تُكتب في لافتات كيفما اتفق، هذا لا يجوز، لا مناص من التمحيص والتدقيق، بعيدا عن السطحية، المهم أعماق الأفكار وليس سطوحها، والعقول الكبيرة هي تلك التي تتعامل مع الأعماق، حتى تضمن النتائج.

بون كبير بين السطوح والأعماق حين يتعلق الأمر بالفكر، كالفارق بين العقلاء والسطحيين بحسب ما يرتئي الامام الشيرازي في كلماته:

(إن بعض السطحيين ينظرون إلى الشعار ويتمسكون به ويتركون العمل به ولكن العقلاء لا ينظرون إلا إلى العمل المدروس حسب الفكر المنطقي).

وما فائدة أن تتمسك بالفكرة المجردة، وغداة يحين موعد التطبيق تعطيها ظهرك وتحنث بما وعدت وأعلنت، وجل ما يعانيه الوسط السياسي اليوم، أنه يدبّج الأفكار في شعارات تحمل تناقضاتها معها، فتغدو أفكارا مجردة وكلمات مترهلة، لا تصح أن تأخذ مهمة الترويج الفكري على عاتقها، فهي غير قادرة على إجادة وإتقان مهام من هذا الطراز.

اضف تعليق