شغل إستفتاء كُردستان العراق في 25 سبتمبر 2017 إهتمام دول مجلس التعاون الخليجي، بإعتباره يمثل إنفصال جزء من أرض العراق، وإحتمال إثر ذلك نشر الفوضى، وتحويل الأنظار عن طرد تنظيم داعش الإرهابي من العراق بعد تحرير الموصل في يونيو 2017، وبرز من بين المواقف الخليجية موقف المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، لكن المثير في الأمر أن تلك الدولتين ساهمتا في دعم الإستفتاء، لكنهما تراجعتا في الفترة الأخيرة عن موقفهما تناغما مع الموقف الأمريكي الذي يحاول إثبات تأثيره في الساحة العراقية، عبر السيطرة على تجاذبات المشهد السياسي العراقي.
بعض المراقبين شبهوا بين إمارة قطر، وكُردستان العراق من الناحية الجغراسية (جيوبوليتيك)، فقطر شبه جزيرة، ليس لها حدود برية إلا مع السعودية، ومياهها الإقليمية محدودة، ويمكن محاصرتها من قبل العدو بسهولة خلال ساعات قليلة، هذا الواقع الجغراسي ينطبق على شمال العراق، وهو ليس إكتشافا جديدا، بل سبق وأن تحدث عنه الرئيس العراقي الراحل (جلال الطالباني) شخصيا قبل سنوات قليلة، حين إنتقد ذات مرة من مشاريع حكومة أربيل الإستقلالية، ووصفها بـ(أحلام الشعراء) غير قابلة لتحقق ذلك، لأن كُردستان العراق مطوق برا من جميع الجهات بدول مناوئة لإستقلاله، وليس له منفذ بحري للتواصل مع العالم، فلا يبقى له سوى الطيران الذي يمكن تعطيله، ومنعه من التحليق في أجواء الدول المجاورة خلال دقائق في حالة عداءه مع دول الجوار.
أسباب التباين الخليجي من إستفتاء كُردستان العراق:-
ترى العديد من دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة في الإنفتاح على شمال العراق توسيعا للكتلة السنية المؤيدة للعرب في الشرق الأوسط، وتعزيزا لموقف العرب السنة في أجزاء أخرى من العراق، وإحباطا لإيران على عدد من الجهات، وخلقا لنفوذ إضافي أمام تركيا، وتشمل تخوفاتهم الرئيسية إحتمال إندلاع صراع، وتفكك محتمل، وغير منضبط للعراق، وأزمة في المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، أو أن تقع السيطرة على القضية الكُردية بطريقة أو بأخرى في أيدي إيران، وقد انعكس هذا التناقض في رد الفعل في دول الخليج في الفترة التي سبقت الإستفتاء، وكان هناك تأييد قوي في وسائل الإعلام التقليدية، والوسائل الإجتماعية السعودية والإماراتية للتصويت، لكن الحكومتين أعربتا رسميا عن قلقهما أزاء سلامة أراضي العراق، والحاجة إلى الاستقرار، ونصحت البحرين القادة الأكراد بعدم التسرع في إجراء التصويت على الإستقلال الذي قد يزعزع إستقرار العراق. وكانت الكويت أكثر صراحة في التأكيد على أن مصلحتها الأساسية تتمثل في إستقرار الوحدة الوطنية، وإستقلال العراق، ولم تتخذ عمان موقفا عاما، وقد اتخذت قطر أقوى موقف خليجي معارض للإستفتاء، وأعربت عن قلقها العميق عن إحتمالية تشكيل الإستفتاء تهديدا لوحدة العراق، وإستقرار المنطقة في علاقاتها مع كُردستان العراق).
الموقف السعودي من إستفتاء كُردستان العراق:-
حصل تغيير في الموقف السعودي من التأييد إلى التراجع عن إقامة كيان كُردي ينفصل بقطع جزءا من أرض العراق، وتوالت المواقف السعودية وكما يأتي:-
1- أكد مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السعودية في بيان نشر في موقع الوزارة على شبكة التواصل الإجتماعي (تويتر) أن (المملكة تتطلع إلى حكمة، وحنكة الرئيس مسعود برزاني لعدم إجراء الإستفتاء الخاص بإستقلال إقليم كُردستان)، وأضاف المصدر (إن إجراء الإستفتاء قد يؤدي إلى إندلاع أزمات جديدة قد ينتج عنها تداعيات سلبية، سياسية، وأمنية، وإنسانية)، كما دعا المصدر الأطراف المعنية إلى عدم التسرع في إتخاذ أي مواقف أحادية الجانب من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع الإقليمي، والعمل وفق ما تقتضي مصلحة الطرفين، ويحقق تطلعات الشعب العراقي بالعودة إلى الإتفاقيات الموقعة بين الطرفين، وأحكام الدستور العراق).
2- دعا (ثامر السبهان) وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، مسعود برزاني لقبول الوساطات الدولية بشأن الإستفتاء على إستقلال الإقليم، وقال السبهان في تغريدة له على صفحته على موقع تويتر (أتطلع لحكمة، وشجاعة الرئيس مسعود برزاني بقبول الوساطات الدولية لحل الأزمة الحالية ضمن مقترحات الأمم المتحدة، وتجنب العراق الأزمات هو بغنى عنها).
3- عرضت السعودية لعب دور الوساطة لتهيئة الأجواء لإجراء حوار بين بغداد وأربيل، وإحتواء أزمة فجرها إستفتاء كُردستان العراق، حيث أوفدت وزيرها لشؤون الخليج ثامر السبهان والتقى مسعود برزاني.
4- كشف مصدر مقرب من ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) عن عزم الأخير على حشد الموقف الخليجي، والعربي لمناصرة بغداد، ودعمها في رفض إستفتاء إستقلال كُردستان، وأكد المصدر أن ولي العهد السعودي يعتزم إجراء اتصالات لإعلان الموقف العربي الرافض لتقسيم العراق، وتقديم المزيد من الدعم، والتأييد للعاصمة بغداد في رفضها لإجراء الإستفتاء.
تباين الموقف الإماراتي من إستفتاء كُردستان العراق:-
دعمت الإمارات لإقامة إستفتاء كُردستان العراق سياسيا، وإعلاميا، لكنها في الوقت نفسه تعبر عن ضرورة تحكيم العقل، والهدوء في حل هذه الإشكالية بين أربيل وبغداد عبر عدة تحركات إماراتية وكما يأتي:-
1- أكد مسؤول عراقي في بغداد أن القنصل الإماراتي في أربيل (راشد محمد المنصوري) شوهد داخل مركز إقتراع في مدينة أربيل، معربا عن إستغرابه من تواجد دبلوماسي عربي في مثل هذا المكان، خصوصا وأن المنطقة الكُردية يجري فيها إستفتاء على الإنفصال رغم تحذيرات عربية، ودولية، ووفقا للمسؤول الذي رفض الكشف عن هويته فإن (المنصوري مع دبلوماسيين آخرين زاروا أحد مراكز الإقتراع، والتقوا بمدير المركز، والتقطوا صورا مع مواطنين مقترعين في المركز ذاته الواقع بمنطقة (عين كاوه) على طريق المطار القديم)، وأضاف (إن زيارة القنصل مستغربة للغاية، ولا نعرف أن كانت شخصية أم رسمية، لكن بكل حال فأن وزارة الخارجية العراقية ستطلب توضيحات من أبو ظبي حيال ذلك).
2- عبر عدد من المسؤولين الإماراتيين عن تأييدهم إنفصال كُردستان العراق من بينهم رئيسة مركز الإمارات للسياسات في جامعة الإمارات الحكومية الدكتورة ابتسام الكتبي التي وقعت مذكرة تفاهم مع أربيل مطلع عام 2017 للمساعدة في تنظيم عملية الإستفتاء، وأكدت الكتبي على أن "إذا أعلن إستقلال كُردستان بشكل كامل عن بغداد فإن أبو ظبي ستعترف بهذا الإستقلال)، ولقيت تصريحات الكتبي معارضة من عدة جهات عراقية سياسية، وحكومية في بغداد.
3- قال أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية: إن المنطقة جربت المواجهة"، لافتا إلى "دفع ثمن ذلك في العديد من الملفات"، وذلك في تعليق على التوتر بين بغداد وأربيل بعد الإستفتاء الذي أجرته الأخيرة، وأكد قرقاش "إن الحوار هو السبيل الأمثل للحفاظ على وحدة العراق"، وأضاف قرقاش "مع إقتراب موعد الإستفتاء في كُردستان العراق تؤكد الإمارات على وحدة العراق وطنا يسع الجميع، تجربتنا دليل على مرونة النظام الفيدرالي، وإمكانياته".
خلاصة القول أن المواقف الخليجية من إستفتاء كُردستان العراق أصابها نوع من التغيير بين مؤيد ومعارض له، وهذا له علاقة بالتوازنات الإقليمية، والدولية، وحضور الفاعل الأمريكي في ضبط التوازنات الإستراتيجية، إلا أن تقدير جدوى وعدم جدوى الإستفتاء من قبل دول الخليج يجب أن تسير مع مواقف الحكومة الإتحادية في بغداد التي تدعو إلى ضبط النفس، والإحتكام إلى الدستور العراقي الذي يعلو على أي سلطة في حل المشاكل الداخلية سواء كانت مشاكل أثنية، أو غيرها في ظل بقاء بعض المناطق في العراق تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي الذي قد يستغل هذه الأجواء الساخنة لإحداث خروقات أمنية خطيرة، قد تقفز بأثارها إلى داخل دول الخليج نفسها.
اضف تعليق