مع ظهور التنظيمات الإرهابية وأبرزها "القاعدة وداعش"، وحجم التأييد الظاهر والخفي لها في أوساط النخب والمجتمعات، بات من الممكن القول، أن هناك استسهالاً متنامياً للعنف عند بعض المسلمين، ولامبالاة بالحياة الإنسانية، بل إن هناك انفصاماً فظيعاً عن نواميس الفطرة حيث النظر إلى الآخرين لا بوصفهم بشراً وأناساً مكرمين، بل بمعيار (معنا) أو (ضدنا) حصراً، وإن مصدر هذا العنف المستشري هو تلك القناعة التي تغمر ذلك البعض بأنه يملك كل الحق الإلهي، وأن أي عمل يقوم به، وإن كان قتلاً أو تفجيراً، فإنه خير، فيما غيره دائماً على باطل، وكل ما يقوله كفر، وكل ما يفعله مدان.
رغم أن تلك التنظيمات التكفيرية تدعي أنها تعمل بموجب أحكام الإسلام، إلا أن اللاعنف مبدأ إنساني وإسلامي نابع من نظرة الإسلام إلى البشرية، ونابع من الرسالة المحمدية التي هي رسالة رحمة للبشر، حيث لا تحمل أي جانب من العنف والإرهاب، وإن سياسة اللين هي السلاح الذي استخدمه الأنبياء والمصلحون لمقابلة العتاة والطغاة، يقول الإمام الشيرازي (قده): (اللاعنف سمة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، والعقلاء الذين يقدمون الأهم على المهم في شتى حيثيات حياتهم، وعلى الإنسان أن يطبع نفسه على اللين واللاعنف، فإن آثار ذلك يوماً بعد آخر ستنعكس على سائر جوارحه وجوانحه).
والأكثر، فإن اللاعنف في الإسلام لا ينحصر في مكان دون آخر، فإن السلم واللاعنف من مقومات السياسة الإسلامية في كل الأماكن، ومع مختلف الأطراف، وإن إحدى أهم الأدلة على أن الإسلام يتبع أسلوب اللاعنف هي منهجية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وسيرته في تعامله حتى مع مناوئيه، حيث إنه (صلى الله عليه وآله) قدم للبشرية جمعاء خير شاهد على أن الإسلام يدعو إلى اللاعنف، وينبذ البطش والعنف.
يقول الإمام الشيرازي (قده): (بالإضافة إلى الآيات الشريفة المنادية بالعفو، والصفح الجميل، والجنوح إلى السلم والسلام، هناك آيات أخر تدعو إلى احترام عقائد الآخرين حتى ولو كانت فاسدة وغير صحيحة، وهذا إنما يدل على حرص الإسلام على السماحة واللاعنف في سلوك المسلمين حتى مقابل أصحاب العقائد الضالة التي لا قداسة لها في نظر الإسلام، وكما دعا الإسلام العزيز إلى اللين واللاعنف في شتى المجالات، فهو في الوقت نفسه أكد على تجنب دواعي العنف وأسبابه الرئيسية التي غالباً ما تؤدي إلى فساد العباد ودمار البلاد).
اضف تعليق