يوما بعد آخر يسير العالم بسرعة الضوء نحو اندماج الثقافات والرؤى والاعتقادات والسلوكيات والمشاكل وحتى الأمراض، ويوما بعد آخر تتحول القوانين المحلية إلى قوانين أممية، وتتحول الأحكام الداخلية إلى أحكام عالمية، وبين ليلة وضحاها سنجد أنفسنا طائعين مرغمين، مدفوعين مساقين للاعتراف بكل هذا الجديد، والتخلي عما لدينا من موروث ومن سنن.
نعم قد نقاوم ونكابر ونصمد حينا من الدهر، ولكننا سوف نرضخ في النهاية لإرادتهم رغما عن أنوفنا، فالأمر لم يعد يعنينا وحدنا، وهو غير قابل للتفاوض، ولا يسمح بالتهاون، وكل من يشذ عن المنهج المرسوم بعناية فائقة، سوف يجد نفسه مقيما في عالم آخر، لا يجد فيه ما يستر به عورته، لأن ثقافة العراة هي التي تحكم العالم اليوم.
وأنت بدل أن تتدافع من أجل حماية مذهبك قبالة المذاهب الأخرى لأنك وجدت الآخر يتدافع معك لنفس الغرض، ستجد نفسك مدفوعا للتنازل عن كل ذلك، والهرولة لاعتناق (المذهب الطبيعي) الذي يروجون له. فاختر بين أن تعيش ومذهبك مصان لأنك تحترم مذاهب الآخرين، وبين أن تجد نفسك؛ والآخر معك قد تخليتما عن أصول مذهبيكما واعتنقتما المذهب الطبيعي.
وأعتقد أنكم لابد وأن سمعتم بالمذهب الطبيعي، وتعرفونه، أما لمن لم يسمع به من قبل، فأنقل له بعض فقرات الموضوع الذي بثته قناة (فرانس نيوز) على موقعها تفتخر بكون فرنسا أصبحت من أكبر مواطن عشاق هذا المذهب.
المذهب الطبيعي اليوم شيء مهم جدا، ويمارس في عامة الدول الأوربية، ومن ابرز الدول التي تمارسه بفخر، تأتي فرنسا بالمرتبة الأولى تليها اسبانيا ثم كرواتيا بالمركز الثالث.
ففي فرنسا هناك اليوم أكثر من 3,5 مليون مواطن، وأكثر من مليون شخص أجنبي مقيمين فيها، يمارسون المذهب الطبيعي بصورة منتظمة. وفي أوربا هناك أكثر من 16 مليون شخص يمارسون المذهب الطبيعي بانتظام. لكن فرنسا تعد البلد الأكثر استقطاباً لدى السياح بسبب اعتدال أجواء شواطئها، فهي تجتذب سنوياً أكثر من 84 مليون سائحا أجنبيا، غالبيتهم العظمى من الألمان والهولنديين والبريطانيين والبلجيكيين وباقي الدول الأوربية، وبعض الدول الإسلامية أيضا، ولاسيما الخليجية منها وتركيا، يأتون إليها لقضاء عطلاتهم في ممارسة المذهب الطبيعي، لأن فيها أكثر من 155 شاطئا لممارسة هذا المذهب، تتوزع حسب المناطق والمدن الساحلية، وأهمها مدينة نيس الفرنسية التي تقع في الجنوب.
إن المذهب الطبيعي الذي استقطب هذا العدد المهول خلال بضع سنوات هو: (التعري) التام علنا من جميع الملابس أمام الآخرين على الشواطئ الرملية. وهم يعدون ذلك أحد مخرجات الثقافة الجديدة التي من المفروض أن تسود العالم كله وتتحول إلى ثقافة أممية كونية، ويعدون العدة لتحويل تلك المخرجات إلى حقائق مفروضة على الجميع، وينشئون سدودا جبارة تحميها من الرفض المحتمل.
والذي أراه أن كونك تعيش في عالم بمثل هذه الاستحكامات الشديدة، يحملك مهمات وواجبات جديدة أخرى فوق واجباتك، بما يعني أنك يجب أن لا تشغل نفسك بما غادروه منذ زمن طويل فالعلمانية واللادينية والإلحاد والمثلية أصبحت من الماضي ولم يعودوا يهتمون بها بقدر اهتمامهم بمشاريع العري الجديدة، لأنها تصهر كل تلك التسميات في بوتقتها.
إن كل ما تمثله لهم هذه التسميات اليوم مجرد علامة تميزك عندهم بين القابل لمشاريعهم والرافض لها، فأنت حينما تختار واحدا من هذه التسميات وتمارسه، تعطيهم من دون أن تدري إشارة واضحة تعلمهم فيها أنك ممكن أن تقبل جديدهم، أما واقعا فإن مجرد الاختيار لا يعنيهم بشيء. وهذا يعني أنك ستحمل مع وزر نفسك أوزار ما يصيب دينك ومذهبك وقوميتك وبلدك ومقدساتك، ويا له من وزر ثقيل!
اضف تعليق