يوم السبت التاسع عشر من اغسطس (20-اغسطس-2017) في ولاية بوسطن الامريكية يأتي الرد الميداني على هنتنغتون وصراع حضاراته ؛ فقد نشط اليمين المتطرف في كل الغرب وخصوصا في امريكا، وهم ما يسمونهم بالنازيين الجدد، وأمريكا اليوم في حال استنفار امني مشدد لما يمكن ان يقع من مواجهات وصراع دموي بين النازيين الجدد ومعارضي العنصرية، نعم فقد جاء الرد من نفس الجهات وتحت نفس اليافطات، ومن الغرب ؛ حيث تنبأ كتاب صدر ببرلين في سنة 1996 كتاب بعنوان:(فخ العولمة: الاعتداء على الديموقراطية والرفاهية) ان الصراع سيطال الغرب قبل غيره.
لقي هذا الكتاب نجاحا كبيرا، وأعيد طبعه تسع مرات في عام واحد. وقد أفلح مؤلفا الكتاب (هانز ـ بيتر مارتين وهارالد شومان) في تقديم النتائج الاقتصادية التي أفضت إليها العولمة في صورة واضحة، ونوع من التعليل والتحليل يرفع الكثير من اللبس والغموض عن مسار الحضارة الغربية في أفق القرن المقبل.
يعرض المؤلفان نتيجة ما وصل إليه اجتماع أقطاب العولمة في عالم الكومبيوتر والمال وأساتذة الاقتصاد في جامعات ستانفورد وهارفارد وأكسفورد، وكذا القائمون على التجارة الحرة في سنغافورة والصين.. وذلك سنة 1995 بفندق فيرمونت بسان فرانسيسكو.
يقول المؤلفان: (يختزل البراجماتيون في فيرمونت المستقبل في العددين 20% وهم العاملون، إلى 80% وهم العاطلون وإلى مصطلح Tittytainment. الذي يعني (تسلية الرضاعة).
فحسب ما يقولون فان 20% من السكان العاملين ستكفي في القرن القادم للحفاظ على نشاط الاقتصاد العالمي.. ولكن ماذا عن الآخرين؟ ماذا عن 80% من العاطلين وإن كانوا يرغبون بالعمل؟.
الجواب:
إن المسألة ستكون في المستقبل "إما أن تأكل أو تؤكل To have lunch or to be lunch".
أما مصطلح (Tittytainment) فقد كان برجينسكي هو الذي طرحه للمناقشة، وهذا الأخير اشتغل لمدة أربع سنوات مستشارا للأمن القومي على عهد الرئيس جيمي كارتر. "
وحسب ما يقوله برجنسكي فان (Tittytainment) مصطلح منحوت من الكلمتين Entertainment (تسلية) وTits (حلمة)، وهي الكلمة التي يستخدمها الأمريكيون للثدي دلعا. وطبعا لا يفكر برجينسكي هنا بالجنس، بل هو يستخدمه للإشارة إلى الحليب الذي يفيض من ثدي الأم المرضع. فيخلط بين التسلية المخدرة والتغذية الكافية، يمكن تهدئة خواطر سكان المعمورة المحبطين). وفقا للمعادلة:
ثورة + تسلية = لاثورة
مثلا: (في ألمانيا كان هناك في العام 1996 أكثر من ستة ملايين يرغبون في العمل، إلا أنهم لا يجدون فرصة دائمة للعمل. وهذا العدد، هو أعلى رقم يسجل منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية. أما صافي متوسط مداخيل الألمان الغربيين، فهو في انخفاض مستمر منذ خمس سنوات.. وفي النمسا أيضا تعلن الدوائر المختصة باستمرار تناقص عدد العاملين، ففي كل عام تلغى في الصناعة عشرة آلاف فرصة عمل.. ويختزل الاقتصاديون والسياسيون أسباب هذا التدهور إلى كلمة واحدة لا غير هي العولمة).
لكن؛ ما هي نتائج هذه العولمة على الدول وعلى تماسك النسيج الاجتماعي؟
(إن أممية رأس المال الجديدة تقتلع دولا بمجملها، وما تقوم عليه هذه الدول من أنظمة اجتماعية، من الجذور. فمن ناحية هي تهدد ـ مرة هنا ومرة هناك ـ بهروب رأس المال لكي تجبر الحكومات على تقديم تنازلات ضريبية عظيمة، ومنح تبلغ المليارات وإقامة مشروعات بنية تحتية لا تكلفها شيئا).
ان التيار الفكري العنصري الضارب بجذوره في عمق النفوس في الغرب، ابتداء من ابيقور الى نيتشه الى هيجل والمبني على تفوق العرق الابيض والذي يسميه تونبي (Nordiman) والذي يحتضنه اليمين المتطرف في كل اوربا وامريكا والذي يتعاطف معه الرئيس الامريكي اليوم دونالد ترامب والذ ظهر جليا بأعمال العنف التي أثارها اليمين المتطرف الأمريكي في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا في الرابع عشر من اغسطس 2-17 والذي وجد تعاطفا من ترامب هو الذي يهدد امريكا والغرب وسيدمر الغرب كما دمر المانيا والفاشية.
فبعد الإصلاحات التي تمت في قرن سادته أفكار الاشتراكية الديمقراطية، تلوح في الأفق حركة مضادة ذات أبعاد تاريخية: إنها تتمثل في رسم صورة المستقبل بالعودة إلى الماضي السحيق).
(العودة إلى الماضي السحيق " ! إنها فعلا النتيجة التي تقود إليها العولمة حاليا، وسيكون الغرب هو الضحية الاولى في بئر احتفره للآخرين.
ذلك اذ لم ير هونتنغتون في استيقاظ هذه النزعات القديمة سوى نتيجة طبيعية لنهاية الحرب الباردة، وسقوط المعسكر الشيوعي، وتوقف الأيديولوجيات عن تجنيد الناس وراء الأهداف السياسية. يقول: (مع نهاية الثمانينات سقط المعسكر الشيوعي، ولم يعد النظام الدولي المرتبط بالحرب الباردة سوى ذكرى. ففي عالم ما بعد الحرب الباردة، لم تعد الاختلافات الكبرى بين الشعوب أيديولوجية أو سياسية أو اقتصادية، بل أصبحت ثقافية. إن الشعوب والأمم تجهد نفسها للجواب عن السؤال الأساسي بالنسبة لجميع البشر وهو: من نحن؟
وهذا السؤال في الغرب جوابه انهم ابناء الجنس الابيض او الاشقر المتفوق الذي يجب ان يسود العالم.
وليس كما يظن هنتنغتون ان هم: (يجيبون عنه بالطريقة التقليدية العتيقة، بالعودة إلى ما هو أهم بالنسبة لهم. إنهم يحددون أنفسهم بلغة السلالة والدين واللسان والتاريخ والقيم والعادات وكذا المؤسسات. إنهم يحددون هويتهم من خلال الجماعات الثقافية: القبائل، الأعراق، الجماعات الدينية، الأمم؛ وعلى مستوى أعم: الحضارات. فهم يستغلون السياسة ليس من أجل مصالحهم، بل من أجل هويتهم. فنحن نعرف من نحن، إذا عرفنا ما لسناه. وفي الغالب، إذا عرفنا ضد من نحن).
عندما يسرد هونتنغتون هذه الوقائع، فهولا يتساءل عن الأسباب التي كانت وراء هذه " العودة ". إنه يتحدث عن كل ذلك بنوع من التقرير المحايد، وكأن الأمر يتعلق بالموضوعية العلمية أو بتأمل المجريات بدون تدخل إرادي.
إن أقصى ما يمكن استخلاصه من هذا السرد هو أن نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشيوعي هما المسؤولان إلى حد ما عن كل ما حدث، فالحد الفاصل بين عالم الحرب الباردة وعالم ما بعد هذه الحرب هو الذي يؤرخ لبروز تلك العودة!
وهذا يقرر برومانسية سياسية براجماتية: (أمام انهيار النظام الدولي بعد الحرب الباردة يبدو أن العالم يسير نحو الفوضى، باستثناء الغرب الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة. فهذه الأخيرة (تظل الفاعل الرئيسي على مستوى الساحة الدولية. فكما كان الشأن في الماضي، ما يزال توجه الولايات المتحدة هو البحث عن القوة والثروة).
هذه القوة الجبارة من الناحية الاقتصادية والعسكرية التي تنخرها العنصرية والحقد على الاعراق النازحة، تبدو هي الماسكة بزمام الأمور في عالم اليوم. فهل يشهد ظاهر هذه القوة على باطنها؟ هل المسار الذي انخرط فيه الاقتصاد الأمريكي ينبئ فعلا عن استمرار قيادة الولايات المتحدة للعالم؟ ولم يدر بخلد هنتنغتون ما يحصل الان في الولايات المتحدة من مد عنصري بالغ يهدد زعيمة العالم في عقر دارها.
اضف تعليق