تشهد العلاقات الخليجية مع دولة اسرائيل تقدما مضطردا وبخاصة مع المملكة العربية السعودية، حيث يتبادل ممثلون رفيعو المناصب من الدولتين الحوار الصريح والمستمر منذ فترة ليست بالقصيرة على ضوء الاحداث السياسية ذات العلاقة المباشرة بالمصالح المشتركة للدولتين. وبرغم السرية التي اكتنفت العديد من اللقاءات الا ان السنتين الأخيرتين قد شهدتا تكثيفا علنيا للجهود المشتركة لإذابة الجليد المتراكم على علاقات البلدين دون مبررات جدية. وقد عجلت المواقف المشتركة من نظامي الملالي في ايران وحافظ الأسد في سوريا في كسر الستار الحديدي العازل بينهما مرة والى الأبد. وفي أدناه أقدم للقراء الأعزاء ترجمة وافية لمقال مهم حول الموضوع كرسه المراسل الصحفي الأمريكي المرموق Robert Parry الذي كان له السبق في كشف فضيحة ايران – كونترا ابان الحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات. وقد جاء فيه:
بحسب أحد التقارير الصحفية الاسرائيلية ان السعودية توافق على السماح للطائرات الاسرائيلية بالطيران فوق الأراضي السعودية لتوفر على اسرائيل الوقود أثناء شنها غارات على مواقع ايران النووية. ويعتبر هذا التطور أحد آخر المؤشرات عن تقارب الاعداء السابقين لإعادة تشكيل سياسات الشرق الأوسط الجديد. وكما ذكر أحد مسئولي الاتحاد الأوربي في بروكسل لممثل القناة الثانية الاسرائيلية الذي سيبث يوم الثلاثاء القادم 33 " ان العربية السعودية تتعاون كليا مع اسرائيل حول كافة القضايا ذات العلاقة بايران". وجاء في التقرير الصحفي الاسرائيلي ان الشرط السعودي الوحيد لذلك هو تحقيق تقدم في عملية السلام مع الفلسطينيين وهو شرط كما يقول ديكوري فقط لحفظ ماء وجه السعوديين أمام البلدان العربية دون أن يؤثر ذلك على قرار السماح للطيران الاسرائيلي بالمرور فوق الأراضي السعودية لقصف ايران.
الكشف عن التعاون الاسرائيلي – السعودي يأتي في وقت يستعد ممثلوا دول 5+1 الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين للاجتماع في آخر لقاء بينهما مع ايران لتوقيع الاتفاق النهائي حول وقف ابحاث ايران النووية. بنفس الوقت يسافر نتنياهو الى واشنطن تلبية لرئيس مجلس الكونغرس لإلقاء خطاب في الاجتماع يندد فيه بالاتفاق الذي ينوي الرئيس أوباما توقيعه رغم معارضة عدد من أعضاء الكونغرس وبخاصة من الحزب الديمقراطي. وجاء في التقرير ان نتنياهو مصمم على قصف مواقع الابحاث النووية الايرانية حتى في حالة توقيع الاتفاق مع إيران لأنه يعتبر الاتفاق خطرا على اسرائيل.
التعاون بين العربية السعودية واسرائيل مستمر خلال السنوات الماضية فمثلا عملوا معا لإسقاط حافظ الاسد في سوريا وهو حليف لإيران حتى لو كان الفائز من ذلك هم الاسلاميون المتطرفون مثل القاعدة وداعش. وهناك بين أعضاء العائلة المالكة السعودية من لم يخف تعاونه مع المنظمات الاسلامية المتطرفة بما فيهم أولئك الذين عملوا تحت قيادة اسامة بن لادن. وقد نشرت صحيفة النيويورك تايمز بداية هذا الشهر بأن القيادي في القاعدة المدان بأفعال ارهابية في الولايات المتحدة زكريا موسوي قد بين أن أعضاء في العائلة المالكة السعودية كانوا يمولون الشبكة الارهابية.
وبحسب رواية الموسوي فانه عندما كان في السجن تلقى أمرا من قيادة القاعدة في أفغانستان عام 1998- 1999 بأن يعد ارشيفا بالمعلومات على الانترنيت يتضمن كشفا بأسماء ممولي القاعدة الذين من بينهم الأمير تركي الفيصل الذي عمل رئيسا للاستخبارات السعودية وكذلك الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي في الولايات المتحدة والأمير الوليد بن طلال البليونير السعودي وآخرون بما فيهم شيوخ اسلاميون سعوديون. وكان اسامة بن لادن هو الذي طالب حينها بالاحتفاظ بسجل المتبرعين لصالح عملية الجهاد. وقال الموسوي ايضا أنه ناقش معه خطة قصف طائرة الرئيس الأمريكي جورج بوش بصواريخ استنكر وطاقم السفارة السعودية في واشنطن عندما كان سفيرها الأمير بندر المعروف بعلاقاته القريبة مع عائلة بوش واسمه المستعار " بندربوش ". وذكر موسوي انه مرر رسالة بين بن لادن والأمير سلمان قبل ان يصبح هذا ملكا للسعودية أخيرا.
وبينما نفى السعوديون تهم الموسوي لكن المعروف للكثيرين ان السعوديين والخليجيين يمولون المليشيات الاسلامية السنية التي تحارب في سوريا كالقاعدة والنصرة. وقد وجد الاسرائيليون أنفسهم في جانب واحد مع المليشيات الاسلامية السنية في سوريا لأنهم يشاركون السعوديين في الرأي بان ايران والهلال الشيعي يشكلون الخطر الأعظم لمصالحهم المشتركة. وقد ذكر السفير الاسرائيلي السابق في أمريكا ميخائيل أورين وهو حاليا مستشار لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ذكر لصحيفة جيروشليم بوست بأن اسرائيل تفضل المليشيات السنية ضد الأسد. لأن الخطر الأعظم بالنسبة لإسرائيل من الناحية الاستراتيجية يأتي من الهلال الشيعي الممتد من طهران الى دمشق وبيروت حيث يعتبر نظام الأسد الحجر الأساس في هذا الهلال.
وقال أورين، لقد فضلنا دائما الصديق السيئ الذي لا تدعمه ايران على الصديق السيئ الذي تدعمه ايران وينطبق الشيء نفسه على الصديق السيء الذي يتعاون مع القاعدة. وفي حزيران – يونيو الماضي صرح السفير أورين بأن إسرائيل يمكن أن تفضل الدولة الاسلامية داعش على نظام تؤيده ايران في سوريا. العداء للأسد اتخذ طابعا تكتيكيا فقد قامت اسرائيل بقصف اهدافا في سوريا لمصلحة جبهة النصرة. وفي 1812015 هاجمت اسرائيل مستشارين ايرانيين للحكومة السورية بينهم أعضاء من حزب الله حيث كانوا منخرطين في عمليات ضد جبهة النصرة التي لاسرائيل معها معاهدة عدم اعتداء ولهذا لم تقم اسرائيل بمهاجمتها بعد احتلالها مواقع على الحدود مع اسرائيل في مرتفعات الجولان. وبحسب كاتب هذا المقال (روبرت فيري) فان شخصا مقربا من الاستخبارات الامريكية قد ذكر له ان لإسرائيل اتفاقية عدم اعتداء مع جبهة النصرة وانهم يتلقون العلاج في المستشفيات الاسرائيلية.
وقد وجد الاسرائيليون أنفسهم في نفس الجانب مع السعوديين في مناطق أخرى في المنطقة حيث أيد الأثنان الاطاحة بحكومة الاخوان المسلمين في مصر لكن الأهم من ذلك كله هو وقوفهم ضد النظام الشيعي في ايران. وكان الكاتب روبرت فيري أول من كتب عن التعاون الاسرائيلي السعودي في شهر اب اغسطس عام 2013 في مقال بعنوان " السعوديون والاسرائيليون القوة العظمى". لقد لاحظ الكاتب تعاظم تحالفهما وتزايد نفوذهما العالمي. فاسرائيل بقوتها الاعلامية المؤثرة عالميا بينما تستخدم السعودية نفطها وأموالها واستثماراتها. وفي الوقت الذي قوبل فيه المقال بحذر لكن أخبار التحالف السري بين الدولتين مالبثت أن خرجت للعلن. ففي 1102013 تحدث نتنياهو في الأمم المتحدة معلنا انه قد يتخذ قرارا منفردا بمهاجمة ايران حيث قال: الخطر النووي الذي تشكله ايران قد دفع قوى أخرى بين جيراننا العرب للاعتقاد بان اسرائيل ليست عدوهم وهذا سيمنحنا الفرصة لتجاوز عداواتنا وبناء علاقات جديدة وأمل جديد.
وفي اليوم التالي للخطاب بثت القناة الثانية الاسرائيلية بان شخصية أمنية اسرائيلية رفيعة المستوى قد اجتمعت بمثيلتها من امارات الخليج في القدس وان من المحتمل أن يكون الأمير بندر السفير السعودي السابق ورئيس الاستخبارات السعودية وقد وصلت اخبار التحالف الى الجهات الاعلامية الامريكية. كما كتب مراسل مجلة التايم الأمريكية جوكلي في مقال نشره في المجلة في 1912015 حيث جاء فيه: ان محادثات غير متوقعة قد حدثت بين اثنين من الشخصيات الأمنية للدولتين في بروكسل هما الأمير تركي الفيصل عن السعودية وآموس يالدين عن اسرائيل وقد استمر الاجتماع لمدة ساعة بحضور ممثل عن صحيفة الواشنطن بوست هو مراسلها ديفيد اغناتيوس , وقد اتفق الممثلان على بعض الموضوعات في حين اختلفا حول البعض الآخر وبخاصة الموضوع الفلسطيني – الاسرائيلي. لكنهما اتفقا حول خطر التهديد النووي الايراني والحاجة الى تأييد الحكومة الجديدة في مصر وحول موقف عالمي موحد ضد سوريا.
الموضوع الأهم جاء على لسان الأمير تركي الفيصل الذي قال فيه: ان العرب قد عبروا المياه الضحلة الى الجانب الآخر ولن يرغبوا بمحاربة اسرائيل بعد ذلك. لقد وحد السعوديون والاسرائيليون جهودهم المشتركة للضغط على روسيا بوتين الداعم الرئيسي لسوريا اضافة لايران. فالسعودية تستخدم نفوذها عبر انتاجها النفطي من اجل الضغط على أسعاره للهبوط لإيذاء الاقتصاد الروسي بينما عمل المحافظون الجدد في أمريكا على الاطاحة بالرئيس الأوكراني الموالي لروسيا بانقلاب. العداء السعودي لروسيا ظهر للسطح عام 2013 بعد زيارة قام بها الأمير بندر للرئيس بوتين في موسكو. وقد بين بندر للرئيس بوتين بأن للسعودية تأثير قوي على المتطرفين في الشيشان الذين سبق وقاموا بعمليات ارهابية في روسيا وفي حالة سحب روسيا تأييدها للأسد سنعطي ضمانات بأن الشيشان لن يقوموا بأي أعمال ارهابية في سوجي على البحر الأسود خلال فترة الالعاب الأولمبية فيها.
وقد رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحذيرات الامير بندر بقوله: " نحن على علم بأنكم تدعمون الارهابيين الشيشان لعقود وان التعاون الذي عبرت عنه فقط اليوم يتعارض كليا مع هدف محاربة الارهاب العالمي ". التهديد ضد الالعاب الأولمبية من قبل مافيا الأمير بندر هو أمر مخزي والذي قصد به تخويف بوتين الذي استمر رغم ذلك في دعمه للأسد. لكن بوتين أصبح أكثر انشغالا بتأمين الأمن في سوجي وأقل اهتماما بما كان يجري في أوكرانيا حيث نجح المحافظون الجدد في تنفيذ انقلابهم ضد الرئيس الشرعي للبلاد فكتور يانوفيج يومين قبل بدء الاحتفالات في سوجي. اليوم يقترب أوباما من موعد عقد اتفاق لإنهاء برنامج ايران النووي بالضد من رغبة الاسرائيليين والسعوديين، لكن التسريبات القادمة من داخل اسرائيل تتوقع قيام نتنياهو وبتأييد من السعوديين بتنفيذ قراره بقصف ايران رغم ذلك.
اضف تعليق