أنهى وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، الخميس، جولة خليجية في مسعى يراه البعض جاء لإنهاء الأزمة القطرية، لكن حقيقة زيارة رئيس الدبلوماسية الامريكية لم تكن لهذا الغرض، لانه يعرف جيدا حجم الغضب الخليجي ازاء دولة قطر وما جاء من اجله هو ضبط ايقاع الازمة قبل خروجها من يد الولايات المتحدة.
تيلرسون غادر الدوحة بعد لقائه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، للمرة الثانية خلال يومين. اذ ان "اللقاء المشترك الثاني ضم كلا من الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية القطري، والشيخ محمد العبد الله المبارك الصباح وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزير الإعلام بالوكالة في دولة الكويت، وريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي".
وقبل اجتماعه مع أمير قطر، عقد تيلرسون جلسة مباحثات موسعة في جدة، ضمّت نظرائه السعودي والإماراتي والبحريني والمصري، لبحث آخر تطورات الأزمة بحضور الوسيط الكويتي ممثلا بالشيخ محمد العبد الله الصباح. ولم تصدر تصريحات عن أي جانب حول نتائج هذه الجلسة. وهو ما يراه متابعون بانه اشارة الى عدم حصول اي تقدم بالمفاوضات لحل الازمة. بدلالة رفض محور المقاطعة مبادرة تيلرسون الاخيرة.
وكانت النقطة البارزة الوحيدة في جولة رئيس الدبلوماسية الامريكية في الخليج، هي التوقيع على مذكرة تفاهم مع نظيره القطري على مكافحة الارهاب وتمويله، والتي تضم ايضا "مشاركة من كل المؤسسات المعنية في كلا الحكومتين للتأكد من التعاون في مجالات رئيسية مثل الأمن والاستخبارات والتمويل"، بحسب ما صرح به الشيخ سيف آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي في قطر، معتبرا الوثيقة التي وقعت الثلاثاء، بانها الأولى من نوعها بين دولة بمجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأمريكية. توقيعه مذكرة تفاهم مع نظيره القطري حول مكافحة تمويل الإرهاب.
وعلى عكس صمته في جدة أثنى تيلرسون على موقف الدوحة خلال الأزمة حين وصفه بالمنطقي والواقعي، وقال إن قطر هي أول من تجاوب مع متطلبات قمة الرياض بشأن محاربة تمويل الإرهاب، كما وصفت الخارجية الأميركية توقيع الدوحة مذكرة التفاهم بأنه موقف يحتذى به. وهذا الموقف جعل الشيخ سيف آل ثاني، مدير مكتب الاتصال الحكومي في قطر يعيش نشوة الفاتحين والمحررين من تهمة الارهاب حيث دعا لان تكون هذه الوثيقة مثالا لدول أخرى بمجلس التعاون الخليجي.
قد يرى البعض ان زيارة تيلرسون لم تحقق نتائج تذكر، لكن الولايات المتحدة لا يهمها اصلاح ما افسده اهل الخليج بينهم، انما تريد ضبط ايقاع الازمة والتأكد من عدم خروجه من العباءة الامريكية لتجنب تكرار السيناريو السوري الذي هيمنت عليه روسيا وايران.
الولايات المتحدة ليست منظمة خيرية تتبرع بحل الازمات ولا هي راعية للديمقراطية والسلام كما تدعي، وما يهمها في كل ما يجري بالعالم هو مصالحها القائمة على شعار امريكا اولاً الذي يرفعه الرئيس دونالد ترامب والتي تستند الى ثلاث نقاط اساسية:
الاولى: في الجانب السياسي، اذ ترى واشنطن ان حجم الحرية الممنوحة لدول الخليج بدعمها للجماعات المسلحة في المنطقة والتي كانت تتوافق مع الرغبة الامريكية قد ادت الى ان يتجاوز شيوخ الخليج الحدود المسموح بها، فالجماعات الارهابية التي كانت تحارب بالوكالة عن الخليج وامريكا، انفلتت ولا يمكن التنبؤ بسلوكياتها بل اصبحت تهدد المصالح الامريكية وهذا ما دعا الى توبيخ تلك القيادات الخليجية حتى من قبل الرئيس الامريكي دونالد ترامب نفسه اثناء زيارته لدول الخليج.
الثانية: في الجانب الاقتصادي، حيث ترى الولايات المتحدة الامريكية في دول الخليج منجماً مالياً هائلاً يسيطر عليه اشخاص لا يستحقونه، ومن ثم يجب السيطرة على تلك الاموال عن طريق الابتزاز تارة والترغيب تارة اخرى، وعقود التسليح التي ابرمت اثناء قمة الرياض بين السعودية وامريكا، يضاف لها عقود الطائرات بين قطر وامريكا تأتي في سياق الحصول على المزيد من الاموال من دول الخليج.
الثالثة: في الجانب العسكري لا ترغب الولايات المتحدة الامريكية في هذه المرحلة الدخول في اي مواجهة عسكرية، وترفض الحلول العسكرية بين دول الخليج في الوقت الذي تخوض صراع النفوذ ضد روسيا وايران في سوريا والعراق ومنطقة الشرق الاوسط بصورة عامة. والخشية الاكبر من فوبيا ما بعد الحرب لان السيناريو الافغاني والعراقي والليبي منطبع في الذاكرة الامريكية.
لا حلول سحرية في زيارة وزير الخارجية الامريكي والازمة الخليجية تسير الى الامام وتكبر مثل كرة الثلج وتتجذر اكثر والامريكيون يعرفون ذلك جيدا، والمهمة التي جاء بها تيلرسون كانت متأخرة، لكنها ضرورية لإبقاء عصى التحكم بيد الولايات المتحدة الامريكية لا سيما مع وجود ثلاثة اطراف تتحين الفرص لأخذ زمام المبادرة (روسيا، ايران، تركيا).
تراهن دول المقاطعة الاربع على الزمن لتركيع قطر، والانصياع لإملاءاتها، فيما تراهن الاخيرة على تدويل الازمة من اجل ترهيب خصومها واجبارهم عن التراجع عن مطالبهم غير القابلة للتنفيذ، وهي لعبة خطيرة قد تؤدي الى انزلاق المنطقة الى ما لا يحمد عقباه.
اضف تعليق