لا ربيع عربي سوف يزحف على دول الخليج ولا ثورات ملونة قد تضرب البلاد التي اصابتها اسعار النفط المنخفضة بحالة من القلق وترقب المستقبل، فالسعودية التي خرجت سالمة من ربيع الفوضى اعتادت قيادتها العليا على تحقيق بعض التميز "الشكلي" بالمال تارة وبالحرب تارة اخرى، ومنها ثورتها الجديدة التي لبست ثوبا رسميا بتعيين محمد بن سلمان (الاكثر تسنما للمناصب)، وليا للعهد خلفا للمقال محمد بن نايف.
الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز أصدر أمراً ملكياً بتعيين نجله، الأمير محمد بن سلمان، ولياً للعهد، بدلاً من الأمير محمد بن نايف، الذي أعفاه من منصبه. ودعا إلى مبايعة نجله ولياً للعهد، وذلك بقصر الصفا في مكة المكرمة، بعد صلاة التراويح الأربعاء. جاء الأمر ضمن حزمة أوامر ملكية تضمنت تعيين وزير للداخلية خلفاً للأمير محمد بن نايف الذي كان يشغل المنصب نفسه أيضاً، إضافة إلى تعيين عدد من الأمراء مستشارين في الديوان الملكي وسفراء بالخارج. فيما لم تتضمن الأوامر الملكية تعيين أحد في منصب ولي ولي العهد.
وتاتي هذه القرارات في وقت تشهد فيه البلاد وضعا داخليا صعبا نتيجة انخفاض اسعار النفط، فضلا عن الازمات التي تتصاعد وتيرتها في الاقليم وعلى مختلف الجبهات من اليمن الى سوريا وايران وليس انتهاء بقطر وحصارها الذي دخل اسبوعه الثالث دون اي بوادر للحل. ولذلك فان هناك من طار فرحا بصعود بن سلمان فيما سينعكس سلبا على اخرين وهي كالاتي:
دونالد ترامب
على المستوى الدولي فان الرئيس الامريكي من اكثر زعماء العالم فرحا بهذه التغيرات، اذ تتوافق مع تطلعاته في الحصول على المزيد من الاموال من صديقه الزعيم الشاب، وسارع ترامب الى تهنئة الامير الجديد، إذ قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحدث مع ولي العهد السعودي الجديد، الأمير محمد بن سلمان، الأربعاء 21 يونيو/ حزيران، وهنأه على توليه منصبه وبحث معه القضايا الأمنية والاقتصادية. وأضاف البيت الأبيض في بيان، بعد الاتصال الهاتفي: "بحث الزعيمان أولوية قطع كل أشكال الدعم للإرهابيين والمتطرفين، بالإضافة إلى كيفية حل النزاع الراهن مع قطر. كما بحثا جهود تحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين". ولهذه العلاقة جذورها إذ سارع محمد بن سلمان الى زيارة واشنطن كاول مسؤول عربي بعد تولي ترامب مقاليد الحكم في الولايات المتحدة.
محمد بن زايد
اما على المستوى العربي فالأمير محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي سيكون الأكثر سعادة بتولي بن سلمان لمنصبه الجديد كونه يفتح الباب واسعا لتحقيق تطلعاته في الوصول الى سدة الحكم في بلاده بشكل رسمي، كونه يؤرخ لبداية التمرد الشبابي على القيادات التقليدية، فضلا عن تخلصه من خصمه محمد بن نايف، إذ يرى موقع ساسة بوست ان ثنائية ابن زايد وابن سلمان تأتي على حساب محمد بن نايف، ومعروفٌ ما بين ابن نايف وابن زايد من ضغينة، على إثر تسريباتٍ نقلها موقع ويكيليكس عام 2003، يقول فيها الأمير ابن زايد أن نايف (والد الأمير محمد، ووزير الداخلية الأسبق) يتلعثم، وأضاف أن ذلك يثبت أن "داروين كان محقًّا"، في إشارةٍ لوصفه بالقرد، وكان ابن زايد يخشى أن تدور الدائرة ويأتي محمد بن نايف لقيادة المملكة، فيكون شقاقًا بين المملكة وأبوظبي، واليوم كسب ابن زايد الرهان، وغيَّر وجه السعودية ووجه الخليج والمنطقة العربية.
الوضع المحلي
قد لا يستفيد المواطن السعودي من هذه التغييرات وربما لا تهمه اصلا، فالوضع باق كما كان، على الاقل هذا ما تقوله الكثير من اراء الشارع السعودي والعربي في وسائل الاعلام الاجتماعي، الا ان الامير محمد بن سلمان يملك "رؤية 2030" التي تهدف الى تنويع الاقتصاد عبر التقليل من الاعتماد على النفط، وجذب استثمارات في قطاعات اخرى بينها الترفيه في دولة اكثر من نصف سكانها دون سن الـ25. وفي اطار الخطة، تنوي السعودية ادراج "ارامكو"، عملاقة النفط التي تؤمن اجمالي انتاج المملكة، في سوق المال في 2018. وتعتزم المملكة طرح اقل من خمسة بالمئة من اسهم الشركة للاكتتاب العام للمساعدة في انشاء اكبر صندوق استثماري في البلاد بقيمة تبلغ نحو الفي مليار دولار، فالاهم في المستقبل كيفية نقل المجتمع السعودية وتحديثه بحسب المعايير التي تطالب بها الدول الغربية وهو ما يعكف بن سلمان على تطبيقه.
إيران وحلفائها
وعلى صعيد الدول التي سوف تنعكس التغييرات الجدية عليها سلبيا فان ايران تعد خصما لدودا لمحمد بن سلمان وهو لا يخفي عدائه لها، بل انه يستخدم في اغلب الاحيان طرقا غير دبلوماسية في سياق الحديث عن العلاقات الايرانية السعودية، إذ تحدث بشكل علني عن امكانية نقل المعركة الى داخل ايران وهو ما يراه بعض الخبراء بانه نوع من "الطيش" السياسي لزعيم شاب لا يعرف سر التعامل مع الازمات الاقليمية الحساسة. ومن المتوقع ان يصب جام غضبه على اليمن حيث يقود بنفسه تحالف بلاده لا كثر من عامين، وقد تشهد المرحلة المقبلة تصعيدا عسكريا في اليمن.
وفي قطر فيرجح بعض الخبراء بقاء الازمة على حالها كون الامير الجديد سوف ينشغل بالترتيبات الداخلية وتهيئة الاجواء المناسبة لنقل السلطة، الا ان الوقائع الميدانية تشير الى عكس ذلك فمحمد بن سلمان عرف بقراراته السريعة ومنها شروعه في الحرب على اليمن منذ توليه منصب وزير الدفاع وبالتالي يتوقع ان يقوم بالمزيد من الخطوات المتشددة تجاه قطر من اجل اثبات صلابة مواقفه تحت شعاره الدائم "الحزم".
دول الخليج لم تعد مكانا للترفيه والبذخ المالي، كما كانت في السابق والازمات السياسية الاقليمية وضعف الاقتصاد تنبؤ بخليج جديد تحت قيادة شابة طموحة ترفع شعار التحديث والاخذ بمتطلبات المجتمع المدني، ولكن الامور لا تسير دائما وفق طموحات الشباب فالوضع الاجتماعي والمشكلات التاريخية قد تطفوا على السطح هذه المرة وتقلب الامور رأسا على عقب.
اضف تعليق