كانت شمس الظهيرة حارقة، خطوتُ الى محل يبيع الدجاج، سبقني إليه عدد من الأشخاص، فاضطررت أن أنتظر حتى يحين دوري، جلست على أريكة عتيقة تقع في باب المحل، ورحت أنظر الى حركة الرجل وهو يبدأ بجلب الدجاج من القفص ثم يضعه في الميزان، بعدها تبدأ عملية الذبح بسكين حاد، في الجهة الأخرى من المحل تلفاز قديم لكن صورته واضحة، شاشته تنقل أحداث سورية والعراق وأحداث إرهابية في لندن وعموم أوروبا، لا أعرف لماذا تذكرت بعض أفلام الذبح التي قام بها التنظيم المتطرف داعش حين ينحر ضحاياه وقد تم عرضهم في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، الدجاجة كانت ترفس تحت أقدام بائع الدجاج والدم يغطي حافة السكين والألم يملأ قلبي، وشاشة التلفاز تضج بنيران معارك طاحنة.
تساءلت مع نفسي، (متى تنتهي حروب البشر) وهذا سؤال يراودني منذ اكثر من ثلاثين عاما، لكنني حتى اللحظة لم أعثر له على إجابة شافية، في هذه الأثناء وقبل أن يصلني الدور وأستلم دجاجتي، حيث كانت الشمس تصب نارها على رأسي بقوة، حدث انفجار مفاجئ صاخب غير الأوضاع النفسية لنا، صحيح أنه لم يكن قويا لكنه كان مباغتا.
وفي لحظة الانفجار شعرتُ بشظية تضرب حافة أذني اليمني، لسعتني نارها بسرعة خاطفة، تطلعتُ يمينا وشمالا أريد أن أعرف كيف حدث هذا الانفجار، وتساءلت لحظات، هل هي قنبلة صوتية محلية الصنع أم ماذا؟، ثم دققتُ النظر حولي فلاحظت شظايا (قداحة) سجائر متناثرة هنا وهناك، وتخيلت لو كانت عبوة الغاز هذه كبيرة ماذا ستكون النتائج؟.
لماذا تحدث الحرب أصلا؟
نظر لي صاحب المحل واعتذر مني، وقال ارجو المعذرة لقد نسيت (قداحتي تحت حرارة الشمس فانفجرت عليك) وأضاف متهكما: حمدا لله على سلامتك، اليوم عليك أن تذبح خروفا، تخيّل لو أنك تعرضت لتفجير سيارة مفخخة أو حزام ناسف، أو قذيفة متوسطة أو كبيرة فماذا سيحدث لك؟، لحظتها فعلا حمدتُ الله، فالسيارة المفخخة هي فعلا لا تختلف عن (قداحة السجائر) سوى أنها أصغر منها حجما.
تلمستُ أذني وشعرت بحرقة نار لا تزال تشتعل في المكان نفسه، استلمت الدجاجة وسلمتُ ثمنها للبائع، ولاحظت شاشة التلفاز التي لا تزال أحداث القتال مستعرّة فيها، أضف الى ذلك الكلمات السريعة التي تخطف أسفل الشاشة في شريط الأخبار، فكلها تقريبا أخبار عاجلة، وقلما تعثر فيها على خبر يوحي بالهدوء والسلام، إن عالمنا يحترق فعلا أمام أعيننا، ويحرقنا، ليس اليوم طبعا وإنما منذ عشرات السنين بل منذ مئات السنوات التي مرت على أوطاننا وهي تنزف دما وأرواحا بريئة.
ويبقى السؤال بلا جواب شاف، متى تنتهي حروب البشرية، ثم لماذا تحدث أصلاً؟ ومن يقف وراءها، ولماذا هناك دول وأمم بلا حروب وأخرى ترافقها الفتن والاضطرابات والحروب بلا توقف، في كثير من الأحيان أتساءل من يقف وراء هذا الحروب، من يصنعها، ولماذا بقيت حكرا على دولنا فقط، تذكرتُ الفرضية التي تقول إن الحضارات تموت إذا غاب عنها الند، لذلك فإن الحضارة الغربية لكي لا تموت دائما تصنع أندادها بيدها.
مثلا كيسنجر هذه العقلية الخبيثة لطالما أشعل حروبا في مناطقنا كي تنشغل الدول البائسة بالحروب ومنها دولتنا العراقية والعربية والإسلامية، فيما تبقى دول الغرب ومنها أمريكا منهمكة بتحصيل الثروات الطبيعية والزراعية والمواد الأولية، ونحن مشغولين بالاقتتال فيما بيننا، فالغرب الذي يصنع لنا الحروب يقول في سره دعهم يتقاتلون وليذهبوا الى الجحيم، المهم أن نبقى نحن نتصدر حياة العالم في المال والقوة والعلم والرفاهية وليحترق العالم.
ثمة سؤال يتبع الأول، فبعد أن تساءلنا متى تنتهي حروب البشرية، هناك سؤال ربما أهم من الأول، يقول هذا السؤال الجديد، من يصنع هذه الحروب، هل هي حكومات، منظمات أم دوائر مخابراتية، وقوى دولية، وشركات اقتصادية عالمية؟، في الثمانينيات نتذكر كيف اشتعلت الحرب بين دولتين مسلمتين جارتين قويتين هما ايران والعراق، كانت هاتان الدولتان أقوى الدول العربية والإسلامية في الثروات الطبيعية والبشرية، وفي القوة العسكرية والصناعية، وتحسن اقتصادهما على نحو كبير ومتسارع، لكن فجأة اشتعلت الحرب الضروس بينهما، واستمر نزيف الحرب وإزهاق الأرواح وتدمير الاقتصاد ثمان سنوات متواصلة، من يقف وراء هذه الحرب ومن المستفيد من حدوثها غير امريكا والغرب؟؟.
أسئلة تتناسل في الرؤوس
ما يحدث الآن في الشرق الأوسط من اضطرابات من يقف وراءها، لماذا تتمزق دولة قائمة بذاتها مثل سوريا، أليس النظام الدولي يقول أن الدول ذات سيادة ولا يجوز التدخل في شؤونها، لماذا تم تقطيع سوريا الى أوصال، أليس من الأجدى أن يتبنى الشعب السوري إطاحة بشار الأسد؟، من المستفيد من تدمير سوريا والعراق واليمن وليبيا، هذه الحروب ألا تحتاج الى شركات تنتج السلاح كي تبيعه عليها، فإذا استقرت هذه الدول وساد السلام، وانتعشت اقتصاديات هذه الدول واحتفظت بثرواتها الهائلة من سيشتري السلاح من الشركات الغربية؟ ومن يكون الند للحضارة الغربية، ألا تتعرض هذه الحضارة للموت إذا بقيت وحدها في الساحة، بماذا تنشغل أمريكا إذا استقرت الأرض وهدأت وكفت البشرية عن الحروب؟.
عندما دخلتُ البيت حاملا الدجاجة، فوجئت بشاشة التلفاز بغرفة الجلوس تقدم نفس مشاهد القتال في سوريا واليمن والعراق وأحداث الإرهاب في لندن وغيرها، اشتعل السؤال نفسه في رأسي، متى تنتهي حروب البشرية، ومن يقف وراءها ويصنعها ويغذيها؟؟، إن الغرب من وجهة نظري هو المتهم الأول بنشر الحروب في مناطق مختلفة من كوكب الأرض، وأما ما تقوم به المنظمات الإنسانية من مساعدات طبية أو غذائية وما شابه، فهي في الحقيقة لا تعدو كونها أكثر من ذر الرماد في العيون، فالذين يتقاتلون فيما بينهم اليوم، نعني المسلمين الذين يتحاربون فيما بينهم بأسلحة وأعتدة غربية الصنع والقليل منها شرقية، يعرفون أنهم حطب مجاني لحروب يصنعها أعداءهم، لكنهم لا يمتلكون قادة أذكياء مخلصين مستقلين، يفهمون اللعبة، ويضعون حدا لاستنزاف الثروات والضحك على الذقون.
نحن إذاً نعرف من يشعل حالات الاحتراب في الأماكن الرخوة من العالم، ونعرف من يقف وراء صناعة داعش، ونعرف صراع الحضارات وأهمية إيجاد الند، وندري أن المفخخات والإرهاب صناعة غربية بنسبة كبيرة، أما قادتنا فهم يعرفون ذلك طبعا أكثر من شعوبهم وأممهم، لكن بعضهم يتحاشى الأمر، وبعضهم يسير الى جانب الحائط خوفا، وآخرون متعاونون مع قيادات الغرب وينفذون ما يريده.
مع هذا كله مثل هذه الأوضاع العالمية القلقة ليست هي الحل المثالي، أو الصحيح، فاليوم الذي تنكشف فيه الأوراق سيأتي حتما، وسوف تسقط الأقنعة عن الوجوه المتخفية البارعة بصناعة الاضطراب العالمي.. لذا من الأفضل أن يفتش الأقوياء والغربيون خصوصا عن سبل أخرى تحقق لهم أهدافهم وتطفئ نار الحروب البشرية أو تحد منها على الأقل.
اضف تعليق