لا ينسحب الامريكيون من منطقة الا بعد ان تكون صحراء لا تصلح للاستثمار المالي والسياسي ولا يعودون اليها الا حينما يحصلون على هذين الهدفين، لذلك فانه من المهم عدم الوقوف على التصريحات التي قيلت في المؤتمرات الصحفية والبيانات الختامية للقمم التي عقدت في الرياض اثناء زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب.
هناك شبه اتفاق على ان من اهم المكاسب التي حققتها السعودية من زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب هي الحصول على تعهدات بالوقوف معها ضد غريما الاقليمي ايران وظهر ذلك جليا في كلمات الرئيس الامريكي والملك السعودي باجترار المقولات القديمة بان ايران تمثل اولوية لدى البلدين والتأكيد على ضرورة التصدي لها.
نتيجة الزيارة التي وصفت بـ"التاريخية" كانت في اتجاهين: يشير الاول الى المكاسب الاقتصادية للولايات المتحدة التي حملت المليارات من الرياض مقابل حصول الاخيرة على عقود ببناء مصانع وغيرها بما يدعم رؤية السعودية 2030، فيما يشير الاتجاه الثاني الى عودة امريكية للشرق الاوسط وخاصة عودة الدفء للعلاقات السعودية الامريكية في صفقة المقايضة "التاريخية" من بينها مشاركة السعودية بمحاربة الارهاب مقابل الدعم الامريكي للسعودية ضد ايران.
لكن ما اشير اليه اثناء المؤتمرات والبيانات الختامية يختلف عن ما حصل بعد الزيارة "التاريخية" مباشرة في ظل رئيس لا يعرف من السياسة الا الحصول على المال والوظائف، خاصة وانه تحدث للأمريكيين ان من اهم نتائج زيارته للسعودية هي الحصول على الوظائف مكررا ذلك ثلاث مرات؛ فالأزمة الخليجية قلبت موازين التوقعات وهي بالتأكيد خلافا للاتفاقات الاقتصادية والعسكرية، فلا التأزم يخدم الاستثمار الاقتصادي الذي تم الحديث عنه بإسهاب ممل حيث يهرب المستثمرون من بيئة لا يمكن التنبؤ بما يحدث فيها فما بالك حينما تصل الامور الى حد استعداد الجيوش الخليجية بحالة التأهب القصوى واغلاق المطارات، حيث تحولت بوصلة العداء والتوجه العسكري من الايراني "المجوسي" الى القطري "الارهابي".
احدى اكثر الروايات في تفسير ما حدث كانت تقول بان الدوحة قد رفضت الانصياع للابتزاز المالي من قبل امريكا كما فعلت دول الخليج الاخرى مقابل الحصول على دعم واشنطن وضمان امنها في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة وحالة اللايقين التي تلاحق الجميع، ويبدو ان هذه الرواية هي الاقرب للواقع وذلك بعد ان انجلت المخاوف القطرية من الهجوم الخليجي ضدها، حيث قامت الدوحة مجبرة على دفع ما ترتب عليها من اموال على شكل صفقات اسلحة بقيمة 21 مليار دولا شملت التوقيع على صفقة مع الولايات المتحدة الامريكية لشراء 36 طائرة من طراز "اف 15" من اصل تشمل 72 طائرة، وتم التوقيع في مقر وزارة الدفاع الامريكية. إذ تقول الشركة المنتجة لها (بوينغ) "انها صفقة مهمة جدا للحفاظ على خط انتاج هذا النوع من الطائرات، وخلق 60 الف فرصة عمل في 42 ولاية أمريكية". وهذا بالتحديد ما اراده الرئيس الامريكي عراب الصفقات التجارية. وهي تشبه التصريحات التي قالها الرئيس الامريكي حينما عاد من الرياض محملا بعقود الاسلحة قائلا جئتكم بالوظائف.
وفي اليوم التالي (الخميس) لتوقيع الاتفاق الجديد ابحرت سفينتان من القوات البحرية الأميركية وقطع بحرية من القوات الأميرية القطرية في مياه دولة قطر واجرت يوم الجمعة مناورات مشتركة، وتدريبات عدة تتعلق بالعمليات البحرية، إضافة إلى تمارين بالاشتراك مع الطائرات. وبحسب قناة الجزيرة "تُشارك في التدريبات أكثر من تسع وحدات من الجانبين، وما لا يقل عن ثلاث فرق بحرية خاصة في عرض المياه الخليجية التابعة لدولة قطر".
بهذه المناورات تكون قطر قد اعلنت رفع راية النصر امام السعودية التي فهمت الرسائل الامريكية بشكل متسرع اوقعها في خيبة امل كبيرة مثلما وقع لها في اليمن، ويبدو ان الترتيبات قد تجري بعد ايام لحل الازمة ويتم اجبار الرياض وحلفائها على التراجع عن قراراتهم ضد قطر. ليتم التاكيد مرة اخرى ان الامارات الخليجية في تسير في تحالف خاطيء طالما انها لا تعرف من السياسة الا دفع المال للراعي الامريكي.
من جهة اخرى تبقى مشكلة السعودية انها تطمح الى قيادة العالم الاسلامي والعربي لكنها لا تعرف ان هذه المهمة لا تأتي خلال مدة قصيرة ولا يمكن للمال ان يسرع عجلة الصعود للقمة اذا لم تكن هنالك قيادة حكيمة تعرف كيفية ادارة قواعد اللعبة السياسية الدولية.
اضف تعليق