وصل الرئيس الامريكي ترامب الى المملكة العربية السعودية في 20 ايار 2017، المحطة الاولى في اول جولة خارجية له منذ تسنمه منصب الرئاسة الامريكية في 20 كانون الثاني، في واقعة هي الاولى في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية، اذ لم يسبقه أي رئيس امريكي بمثل هذه الزيارة سوى الرئيس (جيمي كارتر) في زيارته للسعودية عام 1978، وجاءت بعد زيارته لإيران في عهد الشاه (محمد رضا بهلوي)، لذا اخذت هذه الزيارة بنوع من الاهمية لم تعهدها زيارات سابقة لرؤساء امريكا للمنطقة.
وتأتي اهمية الزيارة من عدة نواحي منها: انها اول زيارة لرئيس امريكي الى خارج بلاده بعد توليه المنصب الى منطقة الشرق الاوسط وخاصة الى السعودية، اذ ان التقليد السابق للزيارة تكون الى دول القارة الامريكية، والاهمية الثانية هي مرحلة الاستقبال التي كانت خارج المألوف، ابتداءً من استقبال الملك (سلمان بن عبد العزيز) للرئيس الامريكي في المطار، الى الاستقبال الضخم، من ناحية الحضور، والثالثة هو الحضور الكبير لقادة الدول العربية والاسلامية، فقد تم توجيه دعوات لاكثر من خمسين من الزعماء العرب والمسلمين للحضور الى السعودية وعقد لقاء قمة مع الرئيس الامريكي يوم 21 ايار، علما ان هذا الامر غير متبع في الزيارات الثنائية بين الدول، والاهمية الاخرى هي صفقات التسليح وعقود النفط وغيرها والتي قدرت بـ(350) مليار دولار.
هذه الزيارة تعتبر تاريخية بالنسبة للسعودية، وتأتي اهميتها من عدة نواحي بعضها داخلي خاص بها، والاخر اقليمي ودولي، منها:
1- تجديد ولاء السعودية للولايات المتحدة الامريكية، فقد شهدت العلاقات نوعا من التوتر بين الدولتين في عهد الرئيس الامريكي (باراك اوباما) على خلفية الاتفاق النووي مع ايران، ثم اثناء الحملة الانتخابية للرئيس (ترامب) الذي هدد السعودية بانه سوف تدفع ثمن احداث 11 ايلول، بسبب ان اغلب المنفذين يملون جنسيتها، كما انه اكد على اهمية تحمل السعودية نفقات الدفاع عنها، وهو ماحصل بالفعل في هذه الزيارة، اذ الصفقة بمئات المليارات ماهي الا رسوم اعباء دفاع امريكا عن المملكة ونظامها السياسي، وهذه الزيارة حسب بعض التحليلات تجديد بيعة السعودية لأمريكا اكثر مما هي تعديلا للمسار.
2- أرادت السعودية من خلال هذه الزيارة، رغم تكاليفها الباهظة؛ ان تثبت لدول المنطقة انها لا زالت تتمتع بالأهمية في نظر الساسة الامريكان، وانها حليف مهم للغرب وموثوق به في المنطقة لا يمكن التخلي عنها.
3- كان الهدف من دعوة العشرات من القادة العرب والمسلمين، وتحمل تكاليف اقامتهم، هو اظهار السعودية بمظهر القائد للعالم العربي والاسلامي، وانها تحظى بالأهمية بينهم، وسياساتها بالمنطقة تحظى بدعم الدول العربية والاسلامية.
4- مواجهة تهديد دول اقليمية لها، هدف السعودية الاخر من هذه الزيارة هو رسالة الى بعض دول المنطقة التي تنافس النفوذ السعودي في الخليج العربي، وفي العديد من الدول الشرق الاوسط وخاصة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ان السعودية تتحرك في المنطقة من منطلق القوة، والقوة هنا الدعم الامريكي اولا، و والتأييد والدعم العربي والاسلامي ثانيا، لذلك فهي استثنت دعوة هذه الدول التي تعدهم اعداء لها ولسياساتها في المنطقة.
5- بعد فشل التحالف العربي الذي اعلنت عنه قبل عامين، وخاصة في حربها على اليمن، بدأت السعودية تبحث عن بدائل جديدة وحلف اخر يكون اقوى واكبر عددا من الاول، وتحت قيادة دولة عظمى، لهذا جاء لقاء القمة مع الرئيس الامريكي بثلاث مراحل الاول مع السعودية والثاني مع دول الخليج والاخر شامل جمع قادة الدول العربية والاسلامية المتواجدين في الرياض، وهذا الحلف سيكون رادع لأي دولة او قوة عالمية من التقرب من السعودية او مناهضة سياساتها في المنطقة.
6- ان تناقل وسائل الاعلام السعودية عن دور ولي ولي العهد (محمد بن سلمان) في هذه الزيارة، يعد خروجا عن المألوف في المملكة، التي كانت تنسب كل عمل مهما كان صغيرا بالإرادة الملكية، وبهذا فان هدف الملك سلمان هو ضمان التأييد الدولي والعربي والاسلامي لخلافة ابنه بعده في حكم المملكة.
7- يريد السعوديون التحرك من جانب الإدارة الامريكية الجديدة لمنع أي خطوة قانونية ضد المملكة عبر (جاستا)، وهو قانون العدالة من رعاة الإرهاب، والذي اصدره الكونغرس الأمريكي، في تحد واضح لأوباما، والذي رفع الحصانة التي يكفلها القانون الأمريكي للدول غير المدرجة في تصنيف رعاة الإرهاب (إيران وسوريا والسودان)، بالسماح للمواطنين الأمريكيين بمقاضاة حكومات الدول التي يتورط مواطنيها بتنفيذ عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة.
هذه الزيارة كما هي مهمة للسعودية، فهي ايضا مهمة للولايات المتحدة، فقد هدف الرئيس الامريكي (ترامب) من زيارة للسعودية، ان يثبت عدة امور سوى للداخل الامريكي او للأطراف الاقليمية والدولية، ومنها:
1- منذ تسلم الرئيس الامريكي لإدارة البيت الابيض في 20 كانون الثاني الى الان والمشاكل تلاحقه في كل مكان في الداخل، ابتداءً من اتهامه بالحصول على دعم روسي لحملته الانتخابية، والتعثر في تنفيذ العديد من وعوده الانتخابية، ووقف بعض المحاكم والولايات الامريكية من تنفيذ اوامره بوقف هجرة المسلمين الى امريكا، وتأخير بناء السور مع المكسيك، الى استقالات وعزل عدد من موظفي البيت الابيض الاسباب مختلفة، لهذا فهو اراد من هذه الزيارة ان يثبت للداخل الامريكي انه قادر على ادارة الولايات المتحدة داخليا وخارجيا، وان له نفوذ واسع في دول العالم، وان هذه الزيارة سوف تزيد من شعبيته المتهاوية في بلده.
2- الهدف الثاني كان عقد صفقات تسليح كبيرة، أن الرئيس الأمريكي يحاول تدعيم العلاقات الاقتصادية مع اثنين من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية في العالم، هما السعودية وإسرائيل، فقد قدرت اول الصفقات مع السعودية بـ(350) مليار دولار، اضافة الى عقود اخرى وصفقات تجارية، كما ان السعودية تطمح لبناء صناعة عسكرية وهذا سيكون تحت ادارة امريكية مباشرة لإبعاد السعودية عن أي دولة اخرى قد تستغلها لهذا الامر.
3- ضغط شركات النفط الامريكية، فقد ذكرت بعض التحليلات الى دور لوبيات النفط في امريكا والضغط على الرئيس لزيارة السعودية من الاستئثار بعقود امتيازات النفط مع المملكة، وحصرها بالشركات الامريكية، لان السعودية تضم اضخم حقول النفط اول دولة في الانتاج في العالم، اذ ذكرت بعض التقارير عن عقد شركة ارامكو السعودية صفقات قيمتها 50 مليار دولار مع شركات امريكية من اجل تنويع موارد السعودية الاقتصادية.
4- الحصول على التأييد العربي والاسلامي لسياسات الولايات المتحدة في المنطقة، اذ ان حضور هذا العدد الكبير من الزعماء العرب والمسلمين في الرياض وعقد قمة امريكية معهم وعلى ارضهم، هو نصر كبير للولايات المتحدة، على اعتبار ان هؤلاء القادة هم دعاها اليهم، ولم يكن هناك ضغط او اجبار على تقديم الطاعة والدعم لها في المنطقة.
5- توجيه رسالة الى بعض دول المنطقة والمنظمات المرتبطة بها، مفادها عدم التعرض للمصالح الامريكية في المنطقة، هذه المصالح التي تحضا بالدعم العربي والاسلامي، وان أي عمل امريكي ضد الدول المعارضة سيكون تحت غطاء شرعية عربية واسلامية، لهذا نرى ان هناك تحرك عسكري امريكي واسع في العراق وسوريا، وقد يتوسع ليشمل دول اخرى في المنطقة.
6- عودة واشنطن للمنطقة، هو منح الطمأنينة لحلفائها هناك بحمايتهم من النفوذ الإيراني، كذلك لاستقطاب دعم مالي أكبر من دول مجلس التعاون الخليجي في محاربة الارهاب، وتعاون امني موسع بين هذه الدول واسرائيل من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى.
7- ايضا توجيه رسالة قوية الى الدول الكبرى مثل روسيا والصين، من ان تحرك امريكا في المنطقة جاء بطلب عربي واسلامي واضح، وان أي اعتراض عليها سوف يقود الى مواجهة شاملة في المنطقة.
8- ان اهم خلاف امريكي سعودي كان حول الاتفاق النووي مع ايران (اتفاق 5+1)، اذ كانت السعودية تريد انهاء هذا البرنامج لو بالقوة، وليس عقد اتفاق مع ايران يؤسس لنفوذ اوسع لها، لهذا جاءت هذه الزيارة كرسالة تطمين للسعودية، مفادها ان امريكا تقف الى جانبها، وانها سوف لن تسمح لإيران بتطوير أي سلاح نووي او تهديد للمنطقة.
9- هدف الزيارة هو دعم غير معلن لإسرائيل، اذ ان جمع اكثر من خمسين دولة عربية واسلامية في قمة مع امريكا في الرياض، وتشكيل تكتل لمواجهة المجموعات الارهابية، والدعوة للاستقرار في المنطقة، هي دعوة ايضا الى الضغط على هذه الدول لوقف دعمها لبعض فصائل المقاومة الفلسطينية التي تعدها امريكا مجموعات ارهابية، وخاصة حماس والجبهة الشعبية وغيرها، لهذا لم نسمع أي اعتراض اسرائيلي على هذه الزيارة او انتقادها، كما ان اموال صفقات السلاح وغيرها التي تعقد مع دول الخليج، تعد مصدر مهم للدعم المالي الامريكي السنوي لإسرائيل الذي يبلغ عشرات المليارات من الدولارات .
10- تأتي زيارة (ترامب) للمنطقة كانتقاد واضح لسياسات سلفه باراك أوباما، الذي وقّع اتفاقاً نووياً مع إيران تعارضه بعض دول المنطقة، ولتحسين صورة الرئيس (ترامب) امام العالم الاسلامي عن الخطاب المعادي للمسلمين الذي استخدمه في حملته الانتخابية بكثافة، وتبعه بقرار حظر للسفر على مواطني سبع دول إسلامية إلى أمريكا.
على الرغم من الاهمية التي تتمتع بها زيارة (ترامب) الى المنطقة، وانها جاءت في وقت محتاج كل طرف الى الاخر، أي السعودية وامريكا، وعلى الرغم من الحضور العربي والاسلامي اللافت للنظر، والصفقات العسكرية والتجارية الضخمة التي حصلت عليها امريكا من السعودية، الا ان هناك عدد من المحددات التي قد تكون عائقا امام تحقيق اهداف هذه الزيارة، ومانتج عنها من توصيات، وهذه المحددات هي:
1- ان امريكا لن تذهب الى أي مواجهة مباشرة مع ايران، لذا فهي تحاول ان تدفع حلفاءها في المنطقة لان يكونوا دوما في مواجهة ايران، وهو امر يعظم ارباحها ويؤمن اسرائيل، ويجنبها المواجهة مع ايران.
2- لا يوجد حلف فعلي ومتماسك بين دول المنطقة او الدول الاسلامية مع امريكا او السعودية ضد ايران وحلفاءها في المنطقة، لاختلاف سياسات هذه الدول تجاه ايران، اذ ان اغلب دول المنطقة او الدول الاسلامية تعارض أي عمل عسكري مباشر ضد ايران، كما ان بعضها يملك علاقات سياسية وتجارية قوية معها، لهذا فان الحديث عن أي حلف حقيقي يضم امريكا والسعودية والدول العربية والاسلامية ضد ايران هو غير واقعي.
3- ان زيارة (ترامب) للمنطقة هي بالتأكيد ليست في مصلحة ايران، ولكن ليس بالأمر المقلق لها، ان تهديد الرئيس الامريكي (ترامب) وانه سوف يقوم بالغاء الاتفاق النووي مع ايران حال تسلمه الرئاسة، هو دعاية انتخابية اكثر منه تهديد حقيقي، لهذا ذكرت بعض التقارير عن اعلان الرئيس قبل زيارته للسعودية بانه سوف يقوم بتخفيف العقوبات المفروضة على ايران طبقا للاتفاق النووي، والذي يعد اتفاقا دوليا ملزما لكل الاطراف، كما ان ايران على ما يبدو ملتزمة ببنود الاتفاق النووي، مهما كانت الشخصية الموجودة في البيت الأبيض، كما وإن كل رئيس أميركي ملزَم باحترام المعاهدات والالتزامات الدولية، لأن الاتفاق النووي ليس مجرد اتفاق ثنائي بين واشنطن وطهران وانما هو اتفاق دولي شامل، وأن لا مجال لإعادة التفاوض بشأنه من جديد.
4- التهديدات الامريكية ضد ايران وحلفاءها في المنطقة هي سياسة غير مجدية، وقد جربتها امريكا سابقا، فايران تعد منطقة الخليج والشرق الاوسط جزء من امنها القومي، خاصة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لهذا فان سياستها لن تتغير مهما علت لهجة التهديدات الامريكية.
5- يرى عدد من المراقبين ان وقوف امريكا بجانب طرف معين في الشرق الاوسط ضد طرف اخر سوف يزيد من التوتر والانقسام الطائفي والعنصري في المنطقة، ويقود الى نتائج تضر بمصالح امريكا المستقبلية اكثر من الحصول على منافع آنية.
6- أما على صعيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، فهو امر لا يمكن لـ(ترامب) أن ينجح فيه بعد فشل سلفه من الرؤساء الأمريكيين، فليس لديه فكرة عما يفعله، أو على الأقل لم يصدر عنه أي تلميح بأن لديه أي فهم لتعقيدات الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ، كما أنه لم يقدم أي مقترحات لحل لهذه القضية، عدا عن تشكيكه بحل الدولتين، بدون تقديم أي حلول سوى التفاوض المباشر الذي هو حل تقليدي وبائس.
7- ان عدم تركيز الرئيس الامريكي على مسألة حقوق الانسان في المنطقة نقطة الفشل الاولى في هذه الجولة، لان هناك الكثير من منظمات حقوق الانسان الدولية، ومنها منظمة الامم المتحدة لحقوق الانسان قد نددت بالانتهاكات السعودية لحقوق الانسان وخاصة في حربها في اليمن، لهذا فان تجاهل ترامب لمسالة حقوق الانسان هي انتكاسة كبرى لدعم الديمقراطية في المنطقة.
خلاصة القول، ان زيارة ترامب للسعودية هي بالحقيقة تجديد بيعة لأمريكا من قبل السعودية ودول عربية واسلامية في المنطقة، وان هذه الدول تعهدت بانها ستبقى على ولائها للسياسة الامريكية في المنطقة، وسوف تعمل وفق هذه السياسة، وان هذه الدول مستعدة لدفع المليارات من الدولارات على شكل صفقات اسلحة وغيرها كرسوم حماية لها، كما ان طريقة الاستقبال للرئيس الامريكي كانت عبارة عن كرنفال احتفالي واسع جدا، وكأنه هو الحاكم الفعلي وليس ضيف على السعودية، ولو كانت الزيارة تصحيحا للمسار لعقدت هذه القمة بين حكام الدولتين السعودية وامريكا، ومناقشة القضايا المختلف عليها، اذ ان اغلب المناقشات تركزت حول قضايا الارهاب، ومجابهة ايران وصفقات السلاح، وتقديم الولاء اكثر منه حل الخلافات بين الدولتين او مناقشة قضايا المنطقة بشكل دبلوماسي وشامل.
اضف تعليق