مثل جبل الجليد العائم وسط المحيط، لا يظهر من هذه القمة الا الرأس، وهناك اتفاقيات وخطط سرية عندما ترى النور سيكون شكل الشرق الاوسط مختلفا تماما.
ليس من الغريب ان تحاط زيارة الرئيس الامريكي للسعودية، بكل هذه الهالة الاعلامية الضخمة، على اعتبار ان كسب رضا الولايات المتحدة الامريكية بات هدفا ساميا تسعى اليه اغلب دول العالم على الاخص غير المتقدمة، سعيا لتجنب شعوبها الشر الذي قد تتعرض له، في حالة تعارض سياساتها مع الاهداف والمصالح الامريكية.
وبالنسبة للعلاقات الامريكية – السعودية، فقد بقيت على حالها ولم تتغير منذ تأسيس المملكة، ولم تمر بهزات كبيرة الا في بعض الاحيان التي كانت الولايات المتحدة فيها منشغلة بإدارة ملفات اخرى أكثر اهمية. فسياسيا لم تتخلى المملكة عن الولايات المتحدة في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، ولم تعصي الارادة الامريكية الداعمة لإسرائيل، حتى في ذروة الصراع العربي – الاسرائيلي، اذ كانت المملكة تدافع عن القضية الفلسطينية باستحياء من اجل اطفاء غضب شعبها فقط، وليس من اجل تحقيق مكاسب حقيقية للفلسطينيين، وكان ذلك الموقف نابعا من قراءة واقعية وربما حكيمة للمشهد، اثبتت الايام صحته فيما بعد.
اذا صدقنا الحديث اعلاه، اي ان العلاقات الامريكية – السعودية، قوية من الاساس، اذن ما هو الجديد في زيارة الرئيس الامريكي الى السعودية؟ هل ان حصول الولايات المتحدة على امتيازات اقتصادية جديدة هو الغاية؟ ام ان تمتين علاقة السعودية بالغرب هو الغاية الاساسية لصانع القرار السعودي؟ ام ان هناك اسباب وغايات اخرى لم تظهر للإعلام وتنتظر من يفك شفراتها؟
لو تركنا لكل قارئ اجابته الخاصة، واعطينا لأنفسنا الحق بالإجابة فيما تبقى من سطور، فسنجد ان الولايات المتحدة لا تحتاج الى اتفاقيات جديدة لترتيب علاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج العربي، كونها قد نظمتها ورتبتها منذ ما يقارب القرن من الزمان. كما ان المملكة هي الاخرى ليست بحاجة لتجديد العلاقات مع الولايات المتحدة، لأن العلاقات ما بينهما قوية بالأساس ومستمرة ولم تشهد توتر او انقطاعات كبيرة.
اذن، ما هي الاسباب الحقيقية من وراء القمة الامريكية – السعودية؟
في حال تركنا نظرية المؤامرة جانبا، وحاولنا ان نحرر أنفسنا من التفكير العاطفي، وضعنا فوق رؤوسنا عمامة التفكير العلمي – العقلاني – التحليلي – المتجرد، فمن الممكن ان تتمثل الاسباب الحقيقية لزيارة ترامب للسعودية بالاتي:
اولا – التحالف السني – الامريكي:
من المعروف ان المملكة تطرح نفسها، على انها الزعيم الاوحد للسنة في العالم، وبالتالي عندما يزورها الرئيس ترامب تكون قد حصلت على الدعم الامريكي للسنة في العالم، وليس الشيعة، الذين تنظر اليهم الولايات المتحدة على انهم حلفاء لروسيا الاتحادية او على الاقل لا يلتقون مع المصلحة الامريكية.
ثانيا – دعم القطبية السعودية للمنطقة:
لا يخفى على أحد ان المنطقة تمر بحالة من الصراع، على الزعامة بين دولتين مهمتين، هما: السعودية وايران، وكلا الدولتين تهتمان برأي الدول الكبرى في هذا الجانب، وبالتالي فعندما يأتي الامريكيين بهذا الحجم من التمثيل الدبلوماسي، فهو بمثابة الاعلان عن وقوفهم الى جانب المملكة في القطبية الاقليمية.
ثالثا – الموقف من إيران:
الرسائل الامريكية – السعودية لإيران، لا شك انها سلبية، كون الطرفين السعودي والامريكي لا يخفون عدائهم لها، ورفضهم للبعض من سياساتها في المنطقة، وهذه القمة جاءت لتؤكد ان كل ما تقوله وتفعله السعودية ضد ايران مدعوم ومبارك امريكيا.
رابعا – الكشف عن ضعف الولايات المتحدة الامريكية:
في الفترة التي كان فيها اوباما رئيسا للولايات المتحدة، اظهرت هذه الدولة شيء من العجز عن ادارة الملفات المحتدمة في الشرق الاوسط، مثل العراق وسوريا واليمن، وكان البعض يظن ان ذلك التباطؤ او العجز انما يرجع الى رغبة امريكا نفسها، وفلسفة اوباما ونهجه في الحكم، لكن زيارة ترامب للسعودية، وسعيه لتكوين تحالف اسلامي للتعامل مع الملفات العالقة، يعتبر بمثابة الاعتراف بان امريكا في ورطة، وانها عاجزة فعلا عن ايجاد حل للأزمات المشتعلة في سوريا واليمن، وحتى في ليبيا والعراق.
خامسا – العلاقات العربية – الاسرائيلية:
ان القضية الفلسطينية ومصلحة اسرائيل، لا يمكن ان تغيب عن اي محادثات او صفقات تعقدها الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وعلى هذا الاساس، فمن المكاسب الامريكية في هذه القمة، هو رفع الستار عن مرحلة جديدة من العلاقات العربية مع اسرائيل، فمنذ فترة ليست بالقصيرة والعرب يعيدون النظر في موقفهم من اسرائيل باتجاه التطبيع معها والقبول بوجودها، لكن هذه الرغبة تحتاج الى تشجيع ودعم امريكي، وهذا ما حاول الرئيس ترامب ان يفعله، مقابل تطمينهم من ان اسرائيل لن تكون سببا في تمزيق دولهم وتقسيمها.
سادسا – اعادة النظر في اطروحة الشرق الاوسط الكبير:
لا يبدو ان الولايات المتحدة متحمسة مثل الماضي، لتطبيق مشروع الشرق الاوسط الكبير، بل ان هناك اعادة تفكير بالموضوع وربما اعادة ترتيب له، او تأجيله او حتى الغاءه. فتشتيت المشتت وتقسيم المقسم الذي طبق في بعض دول المنطقة، مثل العراق وسوريا، قد أضر بالمصالح الامريكية وبات من الصعب السيطرة عليه، خاصة بعد ان فشلت نظرية الفوضى الخلاقة في ان تنتج رؤوس جديدة يمكن التعامل معها، لذلك فقد تكون الادارة الامريكية بزعامة ترامب قد شرعت بطرح مشروع جديد كبديل عن مشروع الشرق الاوسط الكبير، سيكون لدول الخليج دور فيه.
اذن، هناك اسباب اخرى غير التي ظهرت على وسائل الاعلام تقف وراء القمة الامريكية – السعودية، بالتأكيد انها ستصب في صالح الطرفين، لكنها ليس بالضرورة تصب في صالح بقية دول المنطقة، ومنها العراق.
اضف تعليق