لا تحتوي كل الامم والشعوب على نفس القدر من الثروات والهبات الطبيعية، بعضها فقير الى حد اليأس، وبعضها غني الى حد التخمة، لكن هذا ليس مقياس على استقرار الدول وقوتها، فهناك من يوظف النعم الموجودة في بلاده ويسخرها لبناء مستقبل مزدهر حتى لو كانت قليلة، وهناك من يبعثر ثرواته المادية والمعنوية ويصبح اللعوبة بيد الدول الاخرى.

العراق، قال عنه علماء اسرائيل بأنه: البلاد التي انحاز لها الرب. لأن الله قد وضع فيها نعم كثيرة، مادية ومعنوية، فهو ارض الزراعة والانهار والنفط، والانسان المعطاء. وهو صاحب الارض التي احتوت الانبياء والمرسلين والاولياء واهل بيت النبي الاطهار، والصحابة، والعلماء والمفكرين والادباء.

ومن بين اهم النعم التي حبا الله بها ارض العراق، ان جعلها المكان الذي فجرت فيها ثورة الاصلاح الاسلامية الاولى، عندما هم حفيد النبي محمد (ص)، الامام الحسين (ع)، لإصلاح النظام السياسي الفاسد في عصره، فضحى بحياته، كي يبقى علامة مضيئة في التاريخ.

ان مشهد انجذاب ملايين الناس للطواف حول هذا الرجل، هو مشهد محزن ومفرح في نفس الوقت، محزن لأن هذه البلاد تعاني من مشاكل كبيرة، ومفرح لأن ارض العراق قد تحولت الى مزار، يأتيه الناس من كل فج عميق.

الحكومة العراقية من الممكن ان توسع بركات وجود الامام الحسين على ارضها، عبر آليات مدروسة لا تمس قدسيته كشخصية اسلامية، لكنها تجعل من البلاد التي سالت فيها دماءه نموذجا في التقدم والاستقرار والازدهار، ومن هذه الاليات:

اولا – الهوية الوطنية:

لم نسمع ان هناك بلاد على وجه الارض تقدس تربتها، وتقبلها، وتزداد حسنات من يصلي عليها، الا ارض العراق. اذن، الامام الحسين عليه السلام قد اضفى قدسية على ارض بلادنا.

ومن جهة ثانية لا يوجد في العراق من يبغض هذا الشخص او لا يفتخر بالانتماء اليه، بل ان جميع الاديان والمذاهب والقوميات والملل والنحل، تهفوا قلوبها اليه.

إذا كان الامر كذلك لماذا لا يتم التعامل مع قضية الحسين على انها قضية وطنية. ان التعامل مع القضية الحسينية على انها قضية وطنية عراقية، سيزيد من قدسية ارض العراق، وسيفوت الفرصة على اولئك القائلين بأن الحسين عليه السلام هو يمثل هوية فرعية تهتم بها الدولة دون غيرها.

ثانيا – السياحة الدينية:

ومن بركات الامام الحسين (ع) التي تجهلها النظم السياسية العراقية المتعاقبة، هو السياحة الدينية، فحتى القران الكريم قد ذكر بأن في الحج منافع تجارية، ومن هذا الباب من الممكن ان تشكل وزارة كاملة للسياحة الدينية، مهمتها البحث عن فرص الاستفادة الاقتصادية، بحيث تكون مواسم الزيارة مواسم للخير والنماء، عبر ايجاد آليات وقوانين تدر العملة الصعبة على البلاد، مثل قطاع الفنادق وقطاع الخدمات والنقل، ووسائل الاعلام. وهذه كلها مصادر للدخل القومي فيما لو تم استغلالها من قبل الدولة.

ثالثا – القضاء على الفساد:

من الخطأ حسب وجهة نظر اغلب علماء الدين، النظر الى قضية الحسين على انها صراع بين يزيد والحسين (ع) فحسب. بل هي صراع بين الفساد والاصلاح. اذا تم تنشئة الاجيال العراقية القادمة، على ان مكافحة الفساد اي كان نوعه وعصره هو جزء من الدين وهو اقتداء بالحسين وثورته، فسنخلق ثقافة اصلاحية عامة، تنبذ الفساد وتحرمه وتحترم الاصلاح وتقدسه.

وهذه العملية تحتاج الى اعادة كتابة التاريخ الحسيني، وضخه الى المتلقين عبر وسائل التنشئة المعروفة، من مدارس ووسائل اتصال ومنابر رجال الدين، وغيرها.

اذن، في القضية الحسينية بركات وخير ومنافع للبلاد وخير كثير، لابد من استغلاله لجعل العراق بلدا نموذجيا، يقول الناس عنه يوما لقد من الله عليه بأن زرع في ارضه قطرات دم الحسين، فانبثقت منها ونبتت عليها ومنها: الزراعة والصناعة والاستقرار والامان والقوة والتضحية.

* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق