هذه الدولة منذ تأسيسها وهي تعتمد على حلفائها الاقوياء في تنفيذ سياساتها الخارجية، وما تقوم به اليوم في سوريا واليمن، ما هو الا تجربة وقتية لن يكتب لها النجاح
اختلف العلماء والمفكرون في وضع تعريف جامع مانع للسياسة الخارجية، فنظروا اليها بحسب مناهلهم الفكرية وواقعهم الذي يعيشون فيه، ولكن على العموم، ان ابسط التعاريف واكثرها شمولا ومقبولية، هو التعريف الذي يقول: ان السياسة الخارجية هي كل النشاطات التي تعبر حدود دولة من الدول، سواء بعلمها، ام بغير علمها.
وتختلف الدول في طريقة رسم سياساتها الخارجية وفي تنفيذها، فبالنسبة للدول المتقدمة، يكون الرشد والعقلانية والمصلحة العليا للبلاد هو الاساس والمعين الذي تستمد منه السياسة الخارجية. اما في الدول غير المتقدمة، فإن فلسفة الحاكم ورؤيته لمستقبل بلاده، هو الاساس في ذلك، مع وجود بعض الاستثناءات في كلا الدولتين: المتقدمة وغير المتقدمة.
اما عن تنفيذ السياسة الخارجية، فهناك عدة طرق ايضا، بعض الدول تنفذ سياساتها بنفسها، وهي الدول التي تمتلك الادوات الكافية للتطبيق. وبعض الدول تلجأ لاختيار حلفاء يقومون بتنفيذ الخطط والبرامج الخارجية نيابة عنها، مقابل فوائد يحصلون عليها.
المملكة العربية السعودية، التي لا تختلف عن البلدان غير المتقدمة، تعتمد في رسم سياساتها الخارجية على فلسفة الحاكم، وتصوراته واحلامه ورؤاه للعالم ولمصلحة بلاده ونظامه السياسي. لكنها تختلف من حيث طريقة التنفيذ عن اقرانها من الدول غير المتقدمة، وإذا ما أردنا ان نحدد مسارات السياسة الخارجية السعودية منذ تأسيسها الى يومنا الحاضر وصولا الى المستقبل، فمن الممكن ان نقسمها الى الاتي:
اولا -السياسة الخارجية السعودية قبل عام 2003:
على طول المدة التي سبقت عام 2003، كانت المملكة تسخر اموالها الهائلة لشراء الحلفاء الاقوياء، وتمويلهم للعب الادوار الخارجية نيابة عنها. ففي فترة الغليان العروبي–القومي، الذي غطى اغلب الدول العربية في الفترة المحصورة من عام 1952 – 1975، كانت السعودية تعتمد بشكل تام على بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية في حماية نظامها الملكي، بعد ان هدد رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم، وقبله الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بنقل شرارة الثورة الجمهورية اليها، على اعتبار ان الانظمة الملكية وعلى رأسها النظام السعودي، تعد صخرة زرعها الغرب للوقوف بوجه الوحدة العربية.
وعندما انتهت الفترة القومية، بموت جمال عبد الناصر، وانشغال العراق ببناء دولته التنموية في سبعينيات القرن الماضي، تنفست السعودية الصعداء، واعتبرت ذلك نصرا مؤزرا لسياستها الخارجية.
الا ان هذا الانتصار السعودي لم يدم طويلا، فالخلاص من القوميون العرب، قد اوقعها في تحدي خارجي جديد، تمثل بالثورة الاسلامية في إيران، اذ أدركت السعودية ان هذه الثورة قابلة للاستنساخ في اماكن اخرى، وأنها تشكل قطب اسلامي مرادف لها في المنطقة، سيكون خصما قويا في المستقبل اذا لم يتم التحرك بسرعة لإجهاضه قبل ان يستقر.
ان وجود خلافات تاريخية وحدودية بين العراق وإيران في مرحلة ما قبل عام 1980، كانت كافية بالنسبة لدول الخليج عامة والسعودية خاصة، لتشجيع العراق للدخول في حرب مع إيران، وفعلا حدث الذي حدث، واستمرت الحرب للفترة 1980 – 1988. لكن الذي لم يكن بالحسبان ان العراق، الذي كان يستفيد من الدعم الخليجي في الحرب، عاد الى الخانة العروبية القومية بعد انتهائها، واعتبر ان دول الخليج تقف حائلا بينه وبين محاربة اسرائيل، وان نفطها ينبغي ان لا يضخ لزيادة الغرب واسرائيل قوة، بل ينبغي ان يضخ في صالح القضية الفلسطينية وبناء العراق بعد الحرب.
ومما زاد من خطورة العراق على السعودية، دخول الجيش العراقي الى الكويت عام 1990، والعسكرة على مقربة من حدودها، بل والدخول الى بعض مدنها كما حدث في الخفجي، وهنا وجدت السعودية نفسها مضطرة ان تلجأ الى الغرب مرة اخرى، لكن الى الولايات المتحدة فقط دون بريطانيا، بعد ان صارت قطبا دوليا أثر زوال الاتحاد السوفيتي. فرمت الولايات المتحدة بكل ثقلها في موضوعة الكويت، واجبرت الجيش العراقي ان يعود مهزوما الى بغداد عام 1991، ثم استكملت عملها في عام 2003 عندما احتلت العراق بأكمله وازالت النظام السياسي الذي كان يهدد الامن القومي الخليجي، خاصة السعودي منه.
ثانيا – السياسة الخارجية السعودية بعد عام 2003:
بعد عام 2003، تغيرت السياسة الخارجية السعودية، وباتت الامور تسير بسرعة باتجاهات معاكسة لمصالحها، فخلاصها من نظام صدام حسين وانتماءاته القومية، قد ولد لها عدوا جديدا تمثل بنظام سياسي في العراق، له توجهات اسلامية مخالفة لتوجهاتها، وفوق كل ذلك له علاقة قوية مع إيران التي أصبح امتلاكها للسلاح النووي قاب قوسين او أدنى، فضلا عن نفوذها القوي في المنطقة.
ومع تراجع الدور الامريكي بعد فشله في ادارة ملف العراق، ووصول ساسة الى البيت الابيض اقل اندفاعا لتلبية المتطلبات السعودية، وجدت المملكة نفسها مضطرة للبحث عن حلفاء جدد، لكن ليس من الدول، بل من (الافراد/الجماعات) الذين يحملون افكارا تنسجم مع فلسفتها السياسية، وهكذا نشطت المخابرات السعودية لبناء هيكل للجماعات الاسلامية، وزجها بقوة في المشهد العراقي، لعله يوقف تجربته الجديدة، او يجبر العراقيين على الاستماع لمطالبها.
لكن حتى هذه السياسة لم تعد تنفع، بعد ان تطورت الاحداث في المنطقة العربية عقب عام 2011، من خلال ما يسمى بحركات التغيير او الربيع العربي، فوجدت المملكة نفسها امام اختبار صعب، اما ان تتفرج على الغرب وهو ينفذ مشاريعه في المنطقة، وتنتظر بزوغ انظمة جديدة قد لا تنسجم مع نهجها، واما ان تخرج بنفسها لكي تتحكم بمسارات الاحداث، وتمنع نضوج اي ثمرة يكون طعمها مرا، كما حدث في العراق.
وعلى هذا الاساس، اشتركت السعودية عسكريا في الازمة السورية واليمنية عبر المشاركة العسكرية المباشرة، وإذا أردنا ان نقيم الدور السعودي من حيث نجاحه في تحقيق مصالحها من عدمه، فسنجد بانها قد زجت نفسها بالأزمة السورية، دون ان تمتلك آلية للحل، وكان جل همها ان يكون النظام القادم منسجما مع فلسفتها، وما عليها الآن إلا ان تفشل كل حل لا يخدم مصالحها.
والى هذا التاريخ، لازال الدور السعودي ناجحا في ايقاف أي حل غير الذي تريده، لكنها فشلت في فرض رؤيتها ايضا.
ولا تختلف اسباب مشاركة المملكة بحرب اليمن عن سوريا، فهي ايضا ترفض اي نظام جديد قد يأتي دون ان ينسجم مع فلسفتها، وفي الوقت عينه باتت عاجزة عن ان تفرض رؤيتها على الاوضاع هناك.
ثالثا – مستقبل السياسة الخارجية السعودية:
ان هذه المواقف الذي وقعت فيه المملكة، والمتمثل في عدم مقدرتها على فرض الحل في سوريا واليمن، وخوفها من ان تراجعها او عودتها الى داخل حدودها سيرجح كفة خصومها في هذه الازمات خاصة إيران، قد جعلها تراوح في مكانها. لذلك فقد وجدت نفسها مضطرة ان تعود للحرب بالنيابة، اي ان تدفع كل ما تستطيع للحليف القوي مقابل ان يعلب الادوار بدلا عنها، وعلى هذا الاساس لجأت الى الرئيس الامريكي الجديد ترامب، ليمارس الدور التقليدي للولايات المتحدة في المحافظة على مصالح المملكة ويضمن لها الاستقرار والقوة مقارنة بالدول المحيطة، وهذا ما يتوقع حدوثه خلال زيارته الحالية اليها، فقد جربت المملكة ان تنفذ سياساتها الخارجية بنفسها، لكنها وجدت الامر صعبا فعادت بسرعة الى سياسة تكليف حلفائها لفعل ذلك نيابة عنها، على الاخص الولايات المتحدة الامريكية.
اضف تعليق