سوف تكتب صفحات التاريخ، أنه بعد نحو ٥ أعوام من الدمار والقتل والتهجير لملايين السوريين، قررت زعامات المنطقة أن تنهي ولو بقدر يسير، حرباً كان الخاسر فيها الأبرياء وحدهم، والرابح في كل تفاصيلها كبار القوم لا غيرهم.
ظلامة الأبرياء.. على مدار تلك الأعوام كانت هي الحقيقية الوحيدة الواضحة بدءاً من اشتعال الحرب بين الجيش السوري والتنظيمات الإرهابية ومن يدعمهما، مروراً بجلسات الحوار والصفقات الخفية، وصولاً الى فرض ما يعرف بـ "تخفيف التصعيد" أو إيجاد "مناطق آمنة"، كل ذلك لم يكن مسوغاً كافياً لمحو صور الطفولة المنتهكة وهي ترسم بأصابع مدماة على جسدها الأبيض الناعم ذلك الستار الحامي.. أو سمّها كما يحلو لأقطاب النزاع الـ "مناطق آمنة".
انتظار قرارات أمريكا والسعودية
حقيقة جديدة تبدو واضحة هي الأخرى هذه الأيام، يلخصها الأمين العام لحزب الله اللبناني، الداعم القوي للرئيس الأسد، حسن نصر الله بالتالي: "دعونا ننتظر ما سيقرره الأمريكيون والسعوديون.. عن ماذا سيتحدثون؟"، إشارة إلى زيارة ترامب المرتقبة للسعودية.
يقول نصر الله في حديث له: "ترامب سيأتي إلى السعودية.. لن يجري الحديث عن فلسطين والأسرى...عن ماذا سيتحدثون؟"، يجيب السيد نصر الله على الفور: "سوريا، اليمن، والعراق ... ولذلك يجب أن ننتظر ما الذي سيحصل هناك لأنه هناك الكثير من الناس يبنون آمالا على هذه القمم وأن المنطقة بعد هذه القمم هي غير المنطقة ما قبلها ... لا داعي للخوف".
مفاد هذه الحقيقة الوليدة التي جاء اكتشافها متأخراً جداً، أن العنف والقوة لن يجلبا غير مزيد من العنف والقوة أيضاً، وأن الحوار هو الوحيد الذي يكفل لجميع الأطراف حلولاً مناسبة ومرضية.
وفيما لو قفزت إلى الأذهان كلمات رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده رفيق الحريري بأن لبنان "لم ولن تساوم على الحق أو الثوابت...."، فإن رؤية حسن نصر الله: " كفى حرباً ولتأخذ السياسة دورها" ستخفف وطئ تراجع الأول عن الثوابت والمتغيرات التي يضعها الكبار لا أدوات اللعب الصغيرة!.
وبعد سنوات من الطحن المستمر في المنطقة، أصبح الجميع الآن مستعداً لإعادة النظر في ثوابته ومتغيراته لضمان الدخول في تسوية.
سلاح حزب الله ومشروع الدولة
مثلا.. من الثوابت التي تحدث عنها الحريري في مناسبات مختلفة وغير القابلة للمناقشة، هي أن "هناك خلافاً حاداً في لبنان حول سلاح حزب الله وتورطه في سوريا".
يقول الحريري: "ليس هناك توافق حول هذا الموضوع، لا في مجلس الوزراء، ولا في مجلس النواب، ولا على طاولة الحوار".
لكن الرئيس اللبناني ميشيل عون وردا على سؤال حول سلاح حزب الله قال قبل أيام لقناة "سي بي سي" المصرية: "طالما هناك ارض تحتلها اسرائيل (...) وطالما ان الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة اسرائيل، فنحن نشعر بضرورة وجود هذا السلاح، لانه مكمل لعمل الجيش ولا يتعارض معه".
واكد ان "سلاح حزب الله لا يتناقض مع مشروع الدولة (...) فهو جزء اساسي من الدفاع عن لبنان، وعدم استعمال السلاح في الداخل اللبناني هو حقيقة قائمة".
لكن السؤال الأهم.. هل هناك ما يعزز الثقة بين حزب الله وغيره فيما يرتبط بمشاريعه المستقبلية في المنطقة؟ سيما وأن للحزب جناحاً عسكرياً شرساً لم يخسر حتى الآن أي معركة خاضها منذ ظهوره.
البحث عن حلول سياسية
في إجابة هذا التساؤل، ستشفع كلمات حسن نصر الله الداعية إلى وقف إطلاق النار في سوريا، لحزب الله. الأمين العام قال سابقاً في حديث متلفز له: "حزب الله يؤيد ويساند مش بس وقف إطلاق النار في الأستانة بل أي وقف إطلاق نار في سوريا يتفق عليه".
يؤكد نصر الله في كل مرة تعود فيه محادثات التسوية ووقف إطلاق النار إلى الأضواء: "نحن نؤيده بقوة.. يحقن الدماء ويعطي المجال للحلول السياسية."
وتأتي رؤية نصر الله وحزبه كنتيجة طبيعية للتغير الكبير الذي حدث مؤخراً في مسار الأحداث في سوريا تحديداً، لاسيما بعد ما وصفه بـ "الانتصار الكبير في حلب"، إذ تمكنت القوات الحكومية السورية بدعم من سلاح الجو الروسي وفصائل مدعومة من إيران من طرد الجماعات المسلحة من شرق حلب في ديسمبر كانون الأول في أهم انتصار حققته القوات الحكومية السورية في الحرب.
انسحاب.. لا داع لتواجدنا
سحب حزب الله قواته من عدة نقاط عسكرية على حدود لبنان الشرقية مع سوريا، من بينها الزبداني ومضايا وسرغايا، بعد أن أصبحت المنطقة آمنة، وفقاً لإعلان حسن نصر الله.
يرى نصر الله أنه جاءت الآن "مسؤولية الدولة" حيث لا داعي لوجود الحزب هناك، فيما دعا المسلحين المتبقين في منطقة جرود عرسال الحدودية للانسحاب.
كما يعتقد نصر الله أن "الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، من المصنع إلى منطقة الزبداني ومضايا وسرغايا، (...) المنطقة كلها باتت خالية من المسلحين والجماعات المسلحة". ولأنها باتت "آمنة"، قال نصر الله "الآن على الحدود اللبنانية الشرقية، لم يعد هناك أي داع لتواجدنا".
وتوجه نصر الله الخميس الماضي إلى المسلحين في جرود عرسال بالقول: "على ضوء كل التطورات في سوريا، في دمشق وفي الغوطة الشرقية (ريف دمشق) والمنطقة الحدودية (...) أنتم تخوضون معركة في الجرود (...) ليس لها مستقبل".
هل سيضرب إسرائيل؟
وفي الوقت الذي يحاول فيه حزب الله إيصال رسائل إلى للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب بأنه قد تستهدف المصالح الأمريكية بضرب إسرائيل، يدور الحديث عن اجتماع مغلق وسري تم تنظيمه في واشنطن في الفترة الواقعة بين 4 و5 مايو/ أيار الجاري، تركز على كيفية مواجهة "حزب الله".
واستخدم ترامب ومسؤلو إدارته لهجة قوية ضد إيران الراعي السياسي لحزب الله فضلا عن دعم عدوها الرئيسي إسرائيل وتوجيه "تحذير رسمي" لطهران بأن تجربة إطلاق صاروخ باليستي أجرتها مؤخرا تمثل خرقا للاتفاق النووي.
لكن نصر الله وصف الرئيس الأمريكي بأنه "أحمق".
وقال إن جماعته التي لعبت دورا رئيسيا في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قد تضرب المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة.
اضف تعليق