لم يظهر إيمانويل ماكرون بأعوامه الـ 39 في خطاب فوزه برئاسة فرنسا بصورة الرجل الظافر، بل نظر إلى الفوز من زاوية مختلفة أقرب إلى المسؤولية الثقيلة، كما أن الحماس الشديد الذي كان طاغياً على أنصاره هدأ هو الآخر أمام حجم التحديات الكبيرة التي ستواجه أصغر رئيس فرنسي منتخب.
أمام ماكرون، حديث العهد بالسياسة، منجزات كبيرة ينبغي أن يسعى لتحقيقها على أرض الواقع بعد أن كان يمني بها أنصاره خلال الشهور الماضية، فكثيراً ما حدثهم عن حلول لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
هل آمن الفرنسيون بماكرون؟
وأكبر تحديات ماكرون هي مدى ذوبانه وإيمانه في فاعلية مشروعه "الاستثنائي" الذي طرحه في حملته الانتخابية بأن يكون وسطياً "يتجاوز الشقاق السياسي التقليدي بين اليمين واليسار والذي جعل المصالح الشخصية تقف عثرة في طريق الإصلاحات الاقتصادية الأساسية"، كما نفهم من روح خطاباته.
أما السؤال الأهم، فهو هل آمن الفرنسيون أنفسهم بمشروع ماكرون المختلف في عنوانه عن غيره من الخصوم لذلك منحوه ثقتهم؟
يظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة هاريس إنتر أكتيف، وشارك فيه نحو 7 آلاف ناخب، أن 59% من الذين انتخبوا ماكرون كان ضرورياً لمنع وصول لوبان اليمينية للرئاسة.
كما يكشف الاستطلاع أن أنصار لوبان كانوا أكثر اقتناعا بسياساتها وصفاتها بكثير إذ قال 56 % من ناخبيها إنها تعبر عن مخاوفهم بينما بلغت هذه النسبة بين ناخبي ماكرون 21 % فقط، وهذا يعني أن ماكرون أهون الحلول شراً.
يقول ألان بيرو (50 عاما) الذي حضر مع حشد أنصار ماكرون إنه صوت له أساسا لمنع لوبان من الوصول للرئاسة.
ويضيف: "أريد أن أعيش في ديمقراطية". وقال أيضاً إنه سيصوت لحزب ماكرون في الانتخابات البرلمانية "حتى يتسنى له الحكم".
الانتخابات التشريعية القادمة
وهذا هو ما يقلل من قوة انتصار ماكرون "كمشروع" جديد على الواقع الفرنسي، وهو ما سيفرض عليه الكثير من العمل الجاد لكسب ثقة الفرنسيين، فنسبة الممتنعين عن التصويت وهي أكثر من 25% نسبة قياسية وهي تأتي ضمن مؤشرات عدم الارتياح حيال الرئيس الجديد.
وعلى الرغم من أن كثيرين ينظرون إلى فوز ماكرون من زاوية الإنجاز غير المسبوق في تاريخ فرنسا، إلا أنه ربما سيواجه صعوبة كبيرة في الانتخابات التشريعية القادمة، وهو ما تنبأت به استطلاعات الرأي وآراء المتابعين والخبراء.
وعندما تأتي الانتخابات التشريعية بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة فهي تشهد في العادة تراجعا كبيرا في نسبة التصويت فيما بين الناخبين الذين خابت آمالهم وزيادة في الإقبال على التصويت بين الناخبين الذين فاز من منحوه أصواتهم بالرئاسة.
وأشارت تقارير إلى أن استطلاعات الرأي تنبأت بفوز أحزاب الوسط والمحافظين بما بين 200 و210 مقعدا في البر الرئيسي والجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بما بين 15 و25 مقعدا والاشتراكيين بما بين 28 و43 مقعدا.
أما حركة ماكرون "إلى الأمام" قد تفوز بما يتراوح بين 249 و286 مقعدا في الجمعية الوطنية بالبر الرئيسي لفرنسا، وهو فارق بسيط قد تغيره الانتخابات.
لكن أحد مديري استطلاعات الرأي، وهو برونو جانبارت، قال إنه "في أسوأ السيناريوهات ستظل حركة إلى الأمام أكبر تكتل سياسي وهو ما سيكفي لمحاولة تحقيق الأغلبية. وسيكون السؤال حينذاك كيف ومع من".
وحتى إذا جاءت النتيجة عند الرقم الأقل لهذا النطاق فستكون نتيجة طيبة له. فهو لا يحتاج سوى 289 مقعدا للوصول إلى أغلبية مطلقة كما أن الاستطلاع استبعد 42 مقعدا في كورسيكا والأراضي الفرنسية فيما وراء البحار، وفقاً لتقارير نشرتها وسائل الإعلام الفرنسية.
فرنسا اختارت مستقبلاً أوروبياً
الاتحاد الأوربي الذي كان يراقب بقلق نتائج الانتخابات الفرنسية، فرأى بعد فوز ماكرون أن الفرنسيين اختاروا "مستقبلاً أوروبياً"، سيما وأنهم كانوا قاب قوسين أو أدنى من خروج حتمي من منطقة اليورو فيما لو فازت لوبان.
من جهته، كتب رئيس البرلمان الاوروبي انطونيو تاجاني في تغريدة على تويتر "نعتمد على فرنسا في قلب اوروبا لكي نغير معا الاتحاد ونقرب بين مواطنيه".
وينوي ماكرون أن يكون لفرنسا موقف "صارم" في المفاوضات مع بريطانيا بشأن خروجها من الاتحاد الأوربي، وهو ما يكشف عن وجود نية لأن يكون هذا الانفصال صعباً، لكن من دون قطع أواصر العلاقات تماماً مع بريطانياً، وفق رؤية ماكرون.
استعداد روسي للعمل المشترك
حملت برقية التهنئة التي أرسلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ماكرون ما يشبه برسائل الود بعد تقاطع روسي فرنسي بشأن ملفات شائكة في العالم.
وفي البرقية التي نشرها الكرملين الروسي أشار بوتين إلى الصعوبات الأمنية الكبيرة التي تواجه فرنسا في فترة يشهد فيها العالم تنامي الإرهاب وتصعيد النزاعات المحلية، على حد تعبيره.
وأبدى الرئيس الروسي "استعداده للعمل بشكل مشترك وبناء بشأن القضايا الثنائية والاقليمية والدولية".
وتشهد العلاقات بين روسيا وفرنسا كذلك توترا بعدما لعبت باريس دورا رئيسيا في دعم الاجراءات العقابية التي اتخذها الغرب ضد موسكو على خلفية النزاع في اوكرانيا.
وتتخذ روسيا وفرنسا كذلك مواقف متعارضة حيال النزاع الدامي في سوريا. ففي حين تشن الأولى غارات في سوريا دعما لنظام الأسد، تصر الثانية على ضرورة رحيله.
مصير القلق الأمريكي
إقتصاديا، واشنطن رأت أن نتيجة الانتخابات الفرنسية تخفف بواعث القلق من امتداد اضطرابات الاقتصاد والأسواق في أوروبا إلى الولايات المتحدة.
وقالت رئيسة بنك كليفلاند الاحتياطي الاتحادي للصحفيين في شيكاجو يوم الاثنين لوريتا ميستر "يبدد هذا بعض القلق من أن نرى التطورات في أوروبا تمتد آثارها إلى الولايات المتحدة" مشيرة إلى أن رد فعل حادا من السوق للانتخابات كان سيضر بالاقتصاد الأمريكي في الأمد القصير.
وأضافت قائلة "هناك أيضا جانب يتعلق بالمدى الطويل يتمثل فيما يعنيه هذا بالنسبة لتكامل أوروبا - هل سيبقون معا - وأعتقد أن ذلك أمر أكثر إيجابية كون أوروبا نوعا ما لا تتفكك."
واستقرت الأسهم الأمريكية تقريبا يوم الاثنين وظلت قرب مستويات قياسية مرتفعة.
اضف تعليق