أكثر المخاوف التي رافقت وصول دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض كانت ناتجة عن برنامجه الذي بدى غريباً جداً عن السياسة الأمريكية الخارجية، في أوج لحظات التنافس الانتخابي، كان يوجّه ترامب عبر تصريحاته المثيرة للجدل ومنها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وغيرها، هزات عنيفة لقطع الجحيم المتناثرة في الشرق الأوسط.
لكن ما أن تسلّم الرئيس الأمريكي المنتخب مفاتيح البيت الأبيض وبدأ فعلا بتحقيق وعوده التي سوّق لها عبر حملته الانتخابية، حتى بدأ يصطدم شيئاً فشيئاً بجدار السياسة الأمريكية الخارجية المتفق عليها منذ عقود.
وفي تحرك يشبه إلى حد ما بالتراجع، بدأ ترامب يروّج إلى ضرورة وجود "سلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد أن كان يرى بأنه "لا يمكن أن نترك إسرائيل تعامل باحتقار وازدراء.."، هذا إلى جانب ملفات كثيرة كان يبدي تجاهها ترامب انطباعاً مغايراً تماماً لتصرفاته الحالية.
ترامب وجولاته في الشرق الأوسط
يُنظر إلى الجولات المرتقبة للرئيس الأمريكي بدلالات رمزية كأي جولات خارجية أولى يجريها الرؤساء الأمريكان بعد ترأسهم البيت الأبيض، لكن أن تكون الشرق الأوسط أولى هذه المحطات فهذا يعني الكثير لكل مناطق الصراع المشتعلة هناك.
ومهم أيضاً بالنسبة لكل من إسرائيل وفلسطين بعد سعي السلام الأخير الذي جاء مخالفاً تماماً لسياسية الرئيس السابق باراك أوباما الذي أهمل هذا الملف على حساب إبرام الاتفاق النووي مع إيران إلى جانب ملفات أخرى أبرزها بناء علاقات وتحالفات تقليدية.
الاتفاق النووي.. هل سيبقى الأسوء؟
رأت تقارير بريطانية أن "زعامة الولايات المتحدة بشأن السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط" لم تعد بمستوى الطموح، وتحاول توجيه واشنطن إلى العمل مع أوربا لضمان الحفاظ على "الاتفاق النووي" مع إيران والاهتمام بسياسات أخرى.
هذا الاتفاق الأسوء في تاريخ أمريكا، كما أطلق عليه ترامب خلال حملته الانتخابية، ترى بريطانيا أنه ليس من المصلحة أن تفسده الإدارة الأمريكية أو حتى تستمر بتشديد العقوبات على طهران، لأن ذلك سوف يدفع الأخيرة باتجاه إقامة علاقات تجارية متينة مع روسيا والصين وهو ما لا ترغب به الدول الصديقة لأمريكا المرتبطة بمصالح مشتركة.
ترامب إلى السعودية..
لكن بعد هذا النقد القاسي من الصديقة لندن، أمل ترامب في جولته المرتقبة يحدو به إلى بناء جديد لـ "تحالف يضم أصدقاء وشركاء يتشاطرون هدف مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والفرص والاستقرار بالشرق الأوسط الذي تمزقه الحروب"، وهو ما جاء في تصريحات مسؤولين أمريكيين حول زيارة مرتقبة إلى السعودية.
فكرة الزيارة اعد لها فريق ترامب مع مسؤولين سعوديين في إطار بداية جديدة للتصدي للتطرف والإرهاب في الشرق الأوسط، إلا أن تحركات السعوديين غالباً ما تعكس رغبات أخرى تفضحها تصريحات كبار مسؤوليهم والتي تتمحور حول مواجهة خطر إيران المنافسة لها.
السعودية أولاً!!
وبحسب مسؤول أمريكي -لم تكشف رويترز عن هويته- فإن "ما يريد فعله -ترامب- هو حل المشكلة ذاتها التي يريد كثير من زعماء العالم الإسلامي حلها"، لكن الإدارة الأمريكية تسعى عبر هذه الزيارة أيضاً إلى ترميم صورة "الرئيس الأمريكي" التي شوهتها حملته الانتخابية بسبب خطابه العدائي تجاه المسلمين قبل فوزه برئاسة البيت الأبيض.
يقول المسؤول: "فكرنا أن (الذهاب إلى السعودية أولا) مهم للغاية لأن من الواضح أن الناس حاولوا تصوير الرئيس بطريقة معينة".
أما ترامب شخصياً، فينظر إلى السعودية على أنها ينبغي أن تدفع المزيد من المال إزاء الدفاع عنها، فهو صرح مرات عدة بأن "واشنطن تخسر قدراً هائلاً من الأمول" في إشارة منه إلى دفاع بلاده عن السعودية ومصالحها في المنطقة.
أمريكا واتفاق السلام بين فلسطين وإسرائيل
وفقاً لتقارير بريطانية أيضاً، فأن واشنطن بدأت تتخذ مواقف "مزعزعة للاستقرار" بشأن الصراع العربي الإسرائيلي في إشارة إلى اعترافها بدولة فلسطينية، فيما ترى أنها مجبرة على النأي بنفسها عن هذه المواقف كخطوة لضمان بقاء صداقتها الحميمة مع إسرائيل.
بشأن هذا الاتفاق، ترامب لم يأت حتى الآن بأي "تفاصيل ملموسة" غير التصريحات التي طالب من خلالها إسرائيل بأن تحد من بناء المستوطنات اليهودية على أراض يريد الفلسطينيون إقامة دولتهم عليها.
وكل ما فعله حتى الآن، هو تعيين صهره ومستشاره جاريد كوشنر للإشراف على جهود التوصل إلى اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، ولقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض الأربعاء الماضي وسيجتمع معه مرة أخرى خلال الجولة المرتقبة التي سيلتقي فيها أيضا بابا الفاتيكان فرنسيس في 24 مايو/ أيار الجاري.
هل يعيد ترامب الثقة المعدومة بين الفلسطينيين والاسرائيليين؟
ورفض مسؤولون تحديد أين سيلتقي ترامب مع عباس كما قال إن المواعيد المحددة وتفاصيل أخرى بشأن الجولة ستعلن في وقت لاحق.
ويواجه ترامب تشككا في الداخل والخارج إزاء فرصه لإحراز تقدم مع عباس خاصة وأن الإدارة الأمريكية لم توضح بعد استراتيجية متماسكة لاستئناف محادثات السلام المتعثرة منذ فترة طويلة.
ويثير النهج الذي يصعب التنبؤ به للرئيس الأمريكي حفيظة أصدقاء وأعداء الولايات المتحدة في أنحاء العالم على حد سواء.
ويشكك محللون في إمكانية نجاح ترامب فيما فشل فيه مخضرمون في التعامل مع الشرق الأوسط لعقود من الزمان خاصة وأن الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في أدنى مستوياتها.
اضف تعليق