منذ بدء الصراع السوري في عام 2011 وحتى الآن قد يكون اتفاق "مناطق تخفيف التصعيد" هو الأكثر جدية من بين اتفاقات ودعوات السلام التي كانت "صورية" طيلة تلك الفترة.
ليس لشيء سوى لأنها لم تحظ بالقدر الكافي من التوافقات والرضا الذي يلبي طموح الدول الرئيسية اللاعبة في المشهد السياسي السوري، أو ما يعرف بـ "الدول الضامنة" التي قررت أن تكون هذه المذكرة إجراءً مؤقتاً مدته ستة أشهر قابلة للتمديد بموافقتها.
أقطاب النزاع تتفق
الاتفاق الأخير الرامي إلى الحد من تصاعد العنف في سوريا والذي وصفه ستافان دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة بأنه "خطوة بالاتجاه الصحيح"، وقعه أهم أقطاب النزاع وهم روسيا وإيران وتركيا، كما أنه جاء متناغماً مع دعوة رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب إلى إنشاء مناطق آمنة في سوريا، إضافة إلى أنه حظي بترحيب كبير من قبل الحكومة السورية، كل ذلك ينبئ بنجاح الاتفاق هذه المرة وتميزه عن باقي الاتفاقات السابقة.
المناطق الآمنة
وتضم "مناطق تخفيف التصعيد" التي جاءت في مذكرة الاتفاق ثماني محافظات تتواجد فيها ما يعرف بفصائل المعارضة السورية من أصل 14 محافظة سورية وهي محافظة إدلب التي يسيطر عليها تحالف فصائل إسلامية ومن بينها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا)، وأجزاء من محافظات اللاذقية (غرب) وحماة (وسط) وحلب (شمال)، وأجزاء في ريف حمص (وسط) الشمالي، والذي تسيطر الفصائل المعارضة على مناطق فيه، والغوطة الشرقية، التي تعد معقل الفصائل المعارضة ومنها "جيش الإسلام" قرب دمشق وأجزاء من جنوب سوريا، أي في محافظتي درعا والقنيطرة.
لكن المذكرة لم تشمل محافظتي دير الزور والرقة التي يوجد فيهما تنظيم داعش الإرهابي كما تؤكد على ضرورة مواصلة القتال ضد الجماعات المسلحة.
وينبغي على الضامنين بعد أسبوعين من توقيع المذكرة تشكيل "مجموعة عمل مشترك" لترسيم حدود المناطق المعنية والبت في قضايا تقنية وعملانية مرتبطة بتنفيذ المذكرة.
ويجب على الضامنين، وفق المذكرة، وبحلول الرابع من حزيران/ يوليو 2017 الانتهاء من وضع الخرائط.
أهم مضامين الاتفاق
ووفق هذا الاتفاق، سيتم بشكل أساسي "وقف أعمال العنف بين الأطراف المتنازعة (الحكومة السورية والمجموعات المعارضة المسلحة التي انضمت أو ستنضم إلى اتفاق وقف إطلاق النار) بما في ذلك استخدام أي نوع من السلاح ويتضمن ذلك الدعم الجوي".
وإلى جانب كل ذلك سيتم ضمان وصول المساعدات الإنسانية والطبية وتأهيل البنية التحتية ووضع الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين الراغبين، لكن الأمم المتحدة تتحدث عن خطورة العودة في الوقت الحالي.
أيضا على طول حدود "مناطق تخفيف التصعيد" سيتم إنشاء "مناطق أمنية" تتضمن حواجز ومناطق مراقبة، الهدف منها تفادي أي حوادث أو مواجهات بين الأطراف المتنازعة.
ومن المفترض، وفق المذكرة، أن تؤمن قوات من الدول الضامنة الحواجز ومراكز المراقبة وإدارة "المناطق الأمنية". كما أنه من الممكن "نشر أطراف أخرى في حال الضرورة".
وعلى الدول الضامنة اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان تقيد الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار الهش الذي توصلت إليه تركيا وروسيا في نهاية كانون الأول/ديسمبر.
وتؤكد المذكرة ضرورة اتخاذ الدول الضامنة "كافة الإجراءات اللازمة داخل وخارج مناطق تخفيف التصعيد لمواصلة القتال ضد "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة" التي تحولت إلى فتح الشام وتحرير الشام، وكافة المجموعات المرتبطة بهما.
موقف الحكومة السورية من الاتفاق
من جهته، شكر رئيس وفد النظام السوري إلى أستانا، بشار الجعفري، "جهود كازاخستان وروسيا وإيران في هذا الإنجاز المهم الذي سيساعد في فتح الباب أمام الحل السياسي" للأزمة في سوريا.
ودعا روسيا وايران، وفقا لما نقلته عنه "سانا"، إلى "بحث تفاصيل المذكرة الروسية مع دمشق في أسرع وقت ممكن".
ونقلت وسائل إعلام رسمية في سوريا أن الحكومة السورية تؤيد مقترحا روسيا بإقامة مناطق لتخفيف التوتر ووقف تصعيد القتال في الصراع المستمر منذ ست سنوات.
فرنسا تطالب بمتابعة دولية
أما باريس فطالبت بمتابعة دولية للاتفاق، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ان فرنسا "تنتظر ان تترجم هذه الالتزامات على ارض الواقع وان تتيح ايصال المساعدات الانسانية بحرية وبصورة مستمرة ومن دون عرقلة إلى كل الأراضي (السورية) بما في ذلك المناطق المحاصرة".
واضاف ان فرنسا "تجدد الاعراب عن املها في ان يخضع وقف القتال لمتابعة دولية وحدها كفيلة بمنع معاودة العنف لاحقا".
تركيا: الاتفاق جديد ومختلف
من جهته، اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات نشرت الخميس الماضي أن خطة موسكو لإقامة "مناطق تخفيف للتصعيد" في سوريا ستساهم في حل النزاع المستمر منذ ستة أعوام بنسبة 50 بالمئة.
وكان أردوغان ناقش الخطة التي اقترحتها موسكو لإقامة المناطق المقترحة في عدد من المناطق في سوريا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي.
وعبر في تصريحات نشرتها صحيفتا "حرييت" و"يني شفق" عن أمله بأن يساهم "تنفيذ ذلك في حل 50 بالمئة من المسألة السورية".
ووصف الخطة بأنها تنطوي على "مفهوم جديد" يختلف عن مقترحات أنقرة السابقة لإقامة مناطق آمنة.
وتدعم موسكو وأنقرة كذلك محادثات السلام في أستانة. إلا أن المفاوضات واجهت عقبة جديدة الثلاثاء الماضي مع إعلان فصائل مقاتلة موالية لأنقرة تعليق مشاركتها مشترطة أن يوقف النظام قصفه في كل أنحاء سوريا.
ولكن أردوغان أوضح أنه تم حل هذه المسألة بفضل تدخل رئيس المخابرات التركية النافذ هاكان فيدان.
وقال الرئيس التركي "تدخل هاكان فورا وناقش (فصائل) المعارضة التي وافقت مجددا على المشاركة في المحادثات (...) ولذا، ستستمر (مفاوضات) أستانة".
اضف تعليق