يتَّسم النوع الانساني فضلاً عن ما يُحيط به وما يعيش معه من كائناتٍ بسمتي التغيَّر والتغيير اللتان رافقتا الحياة منذ نشوئها وستستمران على هذا المنوال، والتغيير الذي يُحدثه الانسان وكلامنا هنا عن القصَّديةِ عند المجتمعِ البشري في احداثِ التغيير في مفاصلِ حياته، يكون بالجانبِ الايجابي او السلبي، اذ لا يقتصر على ما هو افضل فقط، وانما قد يكون سيراً للانحطاطِ وتخريب القاعدة المُجتمعية التي يرتكز عليها بناء الحياة.
ولما كان ديدن الانسان هو اعمار هذهِ الارض لأغراضِ العيش بكرامةٍ وانسانية ونشدان التطوَّر والتقدَّم، وهذا ما لمسنا صورهِ خلال الفترات الزمنية الماضية والمُستمرَّة من السيرِ بخطى واسعة لغرضِ التغيير نحو الافضل وفك أُحجية التعقيد والصعوبات التي واجهها الانسان بحدِ ذاته، وهكذا تدرَّجت الحياة من البسيطةِ الى المُعقَّدة، والتي باتت بمقدورِ هذا الانسان ان يجعلها مُلائمة لعيشهِ في الكثيرِ من اوجهها، فمن خلال احداث تغيير قصدي مُمنهج احال كل ما هو صعب وعصي الى ما هو سهل وممكن معه الامان بشتى صور المعيشة.
وبدأت المجتمعات البشرية تتبارى بعضها مع البعضِ الآخر في أساليبِ التغيير النموذجي حتى تتصدَّر سُلَّم الازدهار الانساني وتنأى عن كثيرٍ من المخاطرِ التي يقيناً ستواجهها عند عدم التصرَّف بجديةٍ وحزم، أي بطريقة تغيير تخريبية غير هادفة تحيل المجتمع الى خرابٍ.
وهكذا جرت العادة بتقلبِ احوال البشر بين تغيير ناجح وآخر فاشل يظهر بوضوحٍ في تفاصيلِ الحياة المُعاشة، وما ذلك الاخير الا اشارة للفشلِ في وضعِ أُسس صحيحة ممكن ان تُغيَّر وتُدير كفَّة الحياة الى ما هو نوعي وجاد، وليس نحو الهاوية التي يذهب ضحيتها الانسان بحدِ ذاته، والذي قد يُسهم هو الآخر في الكثيرِ من المجتمعات التي تفتقر للتخطيطِ المُمنهج والسليم في تلكؤ السير نحو التقدَّم وتعثَّر خطوات النمو والازدهار وتراجعها نحو الخذلان.
ويُخبرنا التاريخ عن احدى المجتمعات التي تعرَّضت لجملةٍ من التغييراتِ القصَّدية التي اطاحت بكل البنى الحياتية المُقوَّمة لها، الا وهو المجتمع الياباني بعد تعرضهِ للحربِ الذرية والتي احرقت الاخضر واليابس هناك، واحالت هذا المجتمع الى فوضى حياتية خطيرة، الا ان الامر لم يأخذ نفس الشاكلة في سلسلةِ التغييرات نحو الاسوأ، بل انتفض المجتمع الياباني بموجاتٍ عارمة من التغييراتِ المُمنهجة المُخطَّطة واحال الوضع الى ما نراه اليوم ونشهدهُ من علوِ كعبه في ميادينِ الحياة المُختلفة، انه التغيير النموذجي الناجح الهادف الى دفعِ عجلة التطوَّر والتقدَّم الى الامام، وليس التغيير المُتقهقر الذي يجلب الويلات على المجتمعِ والافراد، والذين قد يكونوا هم المشاركين الاصليين فيه.
لقد شهدت المنطقة العربية في الفتراتِ المُنصرمة القليلة تغييرات كثيرة ومُتنوعة ضربت القاعدة السياسية والحكومات في الكثيرِ من بلدانِ هذهِ المنطقة، وحصلت تغييرات شتى أُزيحت على اساسها انظمة مُتسلَّطة وما تلى ذلك من تغييراتٍ سواء اكانت نحو الافضل ام الاسوأ، وقد لا يخرج المجتمع العراقي عن هذه الدوَّامة من التغييرات غير المُنتهية ولنتكلم عن الاخيرةِ التي قلبت نظام الحكم منذ عام 2003 الى الآن وما تلى ذلك من تمحوراتٍ مفَّصلية غيَّرت بُنى المجتمع العراقي بكافةِ تشكيلاته وآُعيد تشكيلهِ او تركيبهِ من جديدٍ، لكن هل كانت هذهِ التغييرات نحو الافضل ام الاسوأ ؟
لعل ما تمثَّل من هذهِ التغييرات بالإطاحةِ بالنظام التسلَّطي كانت لصالحِ مجتمع يبغي النهوض والتطوَّر والتقدَّم والعيش بمساحةٍ واسعة من الحريةِ بأبهى صورها وليست الحرية المُصطنعة او الفوضوية، الا ان هناك تغييرات أخرى لم ينتفع بها الفرد العراقي وانما اعادته القهقرى، ومنها التغييرات التي سمحت بتشظي المجتمع واتساع قاعدة الفساد فيه وتضييق مُمكنات العيش في هذا المجتمع بعد التحزَّبات والاعمال الارهابية التي لم تدعه يلتقط انفاسه والمصالح الداخلية والخارجية في اعادةِ صياغة هذا البلد لما يخدم اغراض الأخرين، والمشاريع المُتلكئة التي نخر بها الفساد نخراً واعاث بالارضِ خراباً، وغيرها من التغييراتِ التي انحدرت بهذا المجتمع الى الانزلاقِ في وادٍ عميق من الفوضى والتعقيد والضبابية في الواقعِ ومنظورات المستقبل.
نحن نسير في عجلةِ التغيير لكن للأسفِ رجوعاً او تقهقراً للوراءِ نحو التأخر والانحطاط والتخلَّف، على ان الامر مُشترك في المسؤوليةِ لكلٍ من افرادِ المجتمع والانظمة الحاكمة، فمن المُمكن ان تتكاتف الجهود لإحداثِ تغييراتٍ قادرة على انتشالِ المجتمع من مُعاناته وواقعه المُزري الى واقعٍ افضل والتخطيط لمستقبلٍ زاهر، من خلالِ القضاء وتذليل كل الصعوبات التي مُمكن ان تؤدي الى الانحلالِ والتقهقر، وبالعملِ الجاد القادر على بناءِ أُسس رصينة لمجتمعٍ خالٍ من الفسادِ وقادر على السيرِ بعجلةِ الحياة نحو الامام لا الرجوع بها للخلفِ واعادة المجتمع والافراد فيه الى عهودِ الظلام وأقبية التخلف.
اضف تعليق