الفردية تعد كمعول يهدم اساس المجتمع، فمن المعروف ان اية مجتمع لا يبنى بشكلٍ سليم الا على اساس التكامل المتأتي من عمل الكل كجسمٍ واحد، الا ان العمل على الضد من ذلك لكسب الارباح دون تحقيق المنفعة العامة من البديهي ان يؤدي الى تشرذم وتبعثر كل...

لو نظر كل انسان نظرةً تأملية تحليلية طويلة الامد لحياته وحياة البشر وأحوالهم في مختلف الاصعد، لخرج بحصيلة من الحقائق المرعبة والمأساوية والتي ان لم نكن نبالغ تدين ذلك الانسان نفسه في انتهاك حرمة الحياة نفسها واحالتها الى وضعها المخيف هذا.

ألم يلاحظ ذلك الانسان حروب البشرية وصراعاتها وأزماتها وتناقضاتها المبررة وغير المبررة، ألم يفقه من هو صاحب اليد الطولى في خراب البشرية. ان تلك ليست نظرة تشاؤمية لحال البشر اليوم، الا انها تشير الى الواقع بكل جزئياته، فلماذا هذا الضعف والانكسار.

ان المصلحة الانانية قد بلغت اوج قوتها اليوم، فالبشر في اغلب مجتمعاتنا يتكالبوا ويتنافسوا ويتصارعوا لكسب وجني الارباح الفردية دون النظر الى مصلحة المجموع، وهم ان فعلوا ذلك فهو بنسبةٍ ضئيلة لا ترقى الى مستوى الحياة المزدهرة والمجتمع المتكامل المتساند.

والدليل على تجذر صفة الانانية المصلحية بشكلٍ مبالغ فيه واضحاً في ملابسات الحياة البشرية المتعثرة اليوم، وحتى على مستوى الدول والكيانات فهي تهدف الى رفع منسوب اهدافها التي تجلب لها الفوائد على حساب غيرها من المجتمعات الاخرى، والحال كذلك يدور حول الافراد أنفسهم.

ان مسألة التكافل الاجتماعي والتضامن شبه متقطعة، ولو كانت ذو أواصر قوية لما ضعفت مجتمعاتنا الى هذا الحد وتقوضت اساساتها بشكلٍ كبير.

بين فترةٍ واخرى تتذبذب نسبة الفقراء في جميع انحاء العالم بين مرتفعة الى متوسطة ومن ثم ضئيلة، ثم تعود الى الارتفاع وهكذا، فأين التضامن من ذلك؟ اضافة الى استفحال نسب الجرائم الرامية الى الاختلاس والقتل والتزوير والارهاب لمنافع جماعات خاصة دون الكف عن هذه الاعمال والنظر للمصلحة العامة.

فلا توجد هناك صيحات تنادي بحقوق البشرية ككل وبشكلٍ جاد، وانما تبقى بعض الطروحات مجرد اصوات لا تجد لها صدىً واسع. فكيف نحقق تكافلاً وتضامناً مجتمعيا وقضية الأنا قد اخذت حيزاً كبيراً لها؟ الا يجدر كي تتوافق المجتمعات وتنظم حياتها ان تضع المسألة في موازنة عادلة بين حقوق الانا والكل.

ان الوقائع تشير الى طغيان الانا على الكل، وذلك لن يتأتى دون محفزات ساعدت على ذلك، اذ ان الفردية تعد كمعول يهدم اساس المجتمع، فمن المعروف ان اية مجتمع لا يبنى بشكلٍ سليم الا على اساس التكامل المتأتي من عمل الكل كجسمٍ واحد، الا ان العمل على الضد من ذلك لكسب الارباح دون تحقيق المنفعة العامة من البديهي ان يؤدي الى تشرذم وتبعثر كل طبقات المجتمع، ويساهم في خلق فجواتٍ وازماتٍ مجتمعية تؤدي الى دوران المجتمع في دوامة الامراض والمحن.

اليس المطلوب منا كبشر لإحياء مجتمعاتنا تحقيق التكافل الذي يقوم على المصلحة العامة دون الخاصة، وتضخيم الـ (نحن) دون الانا من اجل رفعتنا وازدهارنا، وذلك لربما من شأنه ان يزيل كل الحواجز او الفوارق التي قد تتمثل بجيوب ونسب الفقر والفقراء والجريمة والأزمات الاخرى على اعتبار تقارب البشر في ما يحصلون عليه من حقوق وفوائد دون اكتناز مجموعة للمصلحة الاكبر على حساب اخرى قد تستحقها.

ليبدأ كل إنسان من ذاته لتطبيق ذلك، وفي النهاية نكون قد ضيقنا الخناق على ثورة الأنا ونقل الكفة لصالح البشر ككل.

* شبكة النبأ المعلوماتية-كانون الأول 2005 - ذو القعدة 1426

اضف تعليق