يتوزع اهتمام قيادات حزب الله في هذه المرحلة بين الداخل والخارج على قدر المساواة. فالتطورات الدولية والإقليمية تشغل بال عقول قيادات الحزب ومسؤوليه، ولا سيما منذ وصول دونالد ترامب الى الرئاسة الأميركية الأولى وانعكاس ذلك على سياسات أميركا في المنطقة، والدور الإسرائيلي في المرحلة المقبلة. وبموازاة ذلك، يبدي المسؤولون في حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله، اهتماماً مكثفاً بالأوضاع الداخلية في لبنان وعلى صعيد الوضع الداخلي للحزب والجوانب الاجتماعية والثقافية والتربوية.
وقد حرص السيد نصر الله منذ نحو شهر ونصف على البدء بإعطاء دروس ثقافية داخلية لعناصر الحزب وكوادره والبيئات القريبة منه، كذلك يركز في العديد من الاطلالات العلنية على الجوانب الاجتماعية والتربوية.
وبموازاة ذلك، يهتم المسؤولون في الحزب بملفين أساسيين: الأول ملف الانتخابات النيابية والعلاقة مع القوى السياسية والحزبية، والثاني ملف الأوضاع الاجتماعية والأمنية وكيفية مواجهة الظواهر الشاذة في بعض المناطق، وخصوصاً انتشار العنف والمخدرات في بعض أحياء الضاحية الجنوبية وفي منطقتي بعلبك والهرمل. فكيف ينظر حزب الله الى ما يجري من تطورات دولية وإقليمية؟ وإلى أين تتجه الأوضاع في المرحلة المقبلة؟ وما هو موقف حزب الله من قانون الانتخابات؟ وكيف هي علاقاته مع الأطراف السياسية والحزبية اللبنانية؟
الأوضاع الإقليمية والدولية
بداية كيف ينظر المسؤولون في حزب الله إلى التطورات الدولية والإقليمية، ولا سيما تجاه سياسات الإدارة الأميركية الجديدة في عهد دونالد ترامب؟ وكيف يقوّمون الأوضاع في سوريا والعراق ودولة المنطقة والتهديدات الإسرائيلية بشن حرب جديدة؟
بعض الأوساط المطلعة على أجواء حزب الله الداخلية تقول «ان قيادة الحزب كانت حذرة كثيراً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ ان بدأ حملته الانتخابية، وكانت تتوقع ان يقوم بخطوات تصعيدية ضد إيران والحزب والدول الحليفة لهما، ولذا لم تتفاجأ هذه القيادة بعملية القصف التي استهدفت سوريا بعد مجزرة خان شيخون، كذلك فإنها تراقب بشكل حثيث المواقف الإسرائيلية التي تهدد بشن حرب جديدة على لبنان أو قطاع غزة أو القيام بغارات ضد سوريا، وان كانت التوقعات الداخلية أن قيام العدوّ الصهيوني بحرب جديدة واسعة أو شاملة لن تكون عملية سهلة في ظل تزايد قدرات المقاومة وامكاناتها، لكن يجب الاستمرار في الحذر والاستعداد لكل الاحتمالات».
وتضيف هذه الأوساط: «أما على صعيد الأوضاع في سوريا والعراق ودول المنطقة، فإن قيادة الحزب مرتاحة للأوضاع الميدانية والمعركة ضد داعش، والقصف الأميركي على مطار الشعيرات لن يغير مجرى الأوضاع، وإن كان يمهِّد لتزايد الدور الأميركي في الميدان السوري، وخصوصاً انه يتزامن مع ازدياد الحضور العسكري الأميركي في شمال سوريا وشرقها وذلك لقطع الطريق أمام إيران وحلفائها من ربط العراق وسوريا بعد انتهاء معركة الموصل وانتشار القوات العراقية على الحدود بين الدولتين».
وأما عن المفاوضات السياسية حول الملف السوري، فتشير المصادر إلى «أن المفاوضات ستستمر، وهناك جهود مكثفة للتوصل الى حلول سياسية وإشراك بعض القوى الإسلامية في الحلول المستقبلية، لكن للأسف حتى الآن لم تنضج الظروف للحل السياسي في ظل عدم وضوح موقف بعض الدول الإقليمية والعربية، وكذلك الدور الأميركي المستقبلي، لكن ستستمر المفاوضات والتعاون الروسي - التركي - الإيراني للحفاظ على وقف النار، والتوصل إلى حلول سياسية وأمنية جزئية أو شاملة في المرحلة المقبلة».
الأوضاع الداخلية
بموازاة الاهتمام بالأوضاع الإقليمية والدولية، بدأ الشأن الداخلي اللبناني يأخذ مزيداً من مساحات الاهتمام لدى قيادات حزب الله، إن على صعيد الملف الانتخابي وأداء الحكومة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، أو لجهة تزايد اهتمام قيادات الحزب وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصر الله بالجوانب الثقافية والاجتماعية والتربوية، وما يسميه المسؤولون بالحرب «الحرب الناعمة» و«دور مواقع التواصل الاجتماعي» التي أنشأ لها الحزب مراكز متخصصة ووحدات خاصة تتابع هذه الملفات.
وفي الشأن الثقافي والتربوي بدأ السيد حسن نصر الله دروساً ثقافية اسبوعية يتم بثها عبر الشاشة في العديد من المساجد والمراكز الدينية ويحضرها الآلاف من كوادر وعناصر الحزب والأوساط المؤيدة له، ويتابع المسؤولون من الحزب، بالتعاون مع الأجهزة المعنية في الدولة، ملفات المخدرات وازدياد ظاهرة العنف في بعض المناطق.
وحول مشروع قانون الانتخابات وعلاقات الحزب بالقوى السياسية والحزبية، تقول الأوساط المطلعة على أجواء الحزب: ان الموقف المبدئي للحزب الذي يعلنه دائماً هو دعم القانون القائم على أساس النسبية وان يكون لبنان دائرة واحدة أو مقسّماً لعدد محدود من الدوائر.
والحزب لا يفضل القانون المختلط، وهو اعترض على معظم مشاريع القوانين التي اقترحها رئيس حزب التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وان الحزب تبلغ موافقة رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط على اعتماد النسبية الشاملة مع الاستعداد للبحث في تقسيم الدوائر».
وتؤكد هذه الأوساط «أن حزب الله مع إقرار قانون جديد للانتخابات واجراء هذه الانتخابات وفقاً لهذا القانون، لكن في حال عدم التوصل الى اتفاق على القانون واجراء الانتخابات بعد تمديد تقني، فالحزب لن يقبل بالفراغ في السلطة التشريعية وهو سيدعم مشروع قانون التمديد للمجلس النيابي وانه جرى الاتفاق على ذلك مع الرئيس نبيه بري وجرى ابلاغه للرئيس العماد ميشال عون».
وعن علاقات الحزب بالقوى السياسية والحزبية، تجيب المصادر: «الحزب حريص على الحوار والتواصل مع جميع الأطراف اللبنانية (باستثناء القوات اللبنانية التي لا يوجد حوار سياسي مباشر معها، ولكن هناك تواصل مع وزرائها ونوابها)، وأما على صعيد تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي، فالعلاقة معهما في أفضل حالاتها وهناك تنسيق وتعاون مستمرين في كل الملفات، وكذلك مع حركة أمل وبقية القوى الحزبية والوطنية، وهناك خطوط تواصل مع حزب الكتائب.
أما على صعيد العلاقة مع القوى الإسلامية، ولا سيما الجماعة الإسلامية، فتؤكد هذه الأوساط أن «هناك تواصلاً وحواراً مستمراً ولكن بشكل غير علني، والحزب لديه الاستعداد للنقاش والحوار حول كل القضايا الداخلية والخارجية على قاعدة التعاون في القضايا التي يتم الاتفاق عليها، بغض النظر على الخلاف في وجهات النظر حول الملفات الخارجية ولا سيما ما يجري في سوريا».
وبالاجمال، يعبِّر المسؤولون في حزب الله «عن ارتياحهم للأوضاع الداخلية والخارجية، وإن كانوا يراقبون باهتمام السياسات الأميركية الجديدة واحتمال قيام العدوّ الصهيوني بشن حرب جديدة أو عدوان جديد إن في لبنان أو قطاع غزة أو سوريا، وهم مستعدون لكل الاحتمالات»، ولذلك يؤكدون «ضرورة استمرار الحوار مع مختلف الأطراف والقوى السياسية والحزبية، ولا سيما الإسلامية، وحماية الاستقرار الداخلي، لأن ذلك يساعد لبنان في مواجهة أية متغيرات خارجية».
اضف تعليق