ظاهراُ، تبدو السعودية أكثر نشاطاً من ذي قبل فيما يرتبط بسياستها الخارجية وكذلك على مستوى نشاطها الاقتصادي وحتى العسكري، لكن أجواء النشاط هذا لا يخرجها عن كونها تبحث عن المزيد من الدعم الدولي غير ذلك الدعم الدائم من قبل واشنطن، ففي منطقة مشتعلة مثل الشرق الأوسط، ترى السعودية أن الاجتهاد للحصول على أكبر قدر ممكن من الأصدقاء والمؤيدين لها على كل حال أمر في غاية الأهمية.
في مناسبات مختلفة، صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ توليه رئاسة البيت الأبيض، بأن حماية السعودية ومصالحها لن يكون دون مقابل له قيمته، وعلى الرغم من استعداد الأخيرة لدفع أي مقابل وإن كان غالياً، إلا إنها تحاول مؤخراً أن تكون قدر الإمكان مع أكبر عدد من الداعمين ليس لحاجتها لهم فقط، وإنما بغية إزعاج إيقونات الدعم الكبيرة ومنها واشنطن.
التحركات الأخيرة للملك السعودي وولي ولي عهده على مستوى دول آسيا، تشير إلى أن السعودية لديها القدرة على ترسيخ صداقاتها مع دول كبرى مثل الصين واليابان تحت ذريعة تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية، أما مع الدول الآسيوية الأصغر، فبذخ المزيد من الأموال على حكوماتها سيوفر لها فرصة استمرار بث الفكر الوهابي المتطرف الذي تتبناه السعودية وتنمو بتمدده في العالم.
وبكلمة.. تحاول السعودية اليوم أن تعمل بكل ما لديها من قدرة مالية وإمكانات طائلة على تأكيد وجودها في المنطقة عبر التحرك الدبلوماسي تارة، وأخرى عبر خطط خبيثة ستجلب للعالم الكثير من الاضطراب، سيما وأنها لا تزال تحاول دعم وتصدير الفكر التكفيري المتطرف في المنطقة.
مليار دولار لنشر الفكر الوهابي في بنغلادش
مؤخراً، وضمن هذه التحركات المفاجئة للسعودية، تنوي بناء نحو 560 مسجداً في بنغلادش ما أثار قلقل الأقليات التي تفقد الأمن وتشعر بالعجز من انتشار المزيد من التطرف و التيار الوهابي المتشدد الذي تنتهجه السعودية.
ووافقت بنغلادش على المشروع بتمويل سعودي تبلغ قيمته نحو مليار دولار.
والمقرر أن تجهز هذه المساجد بمرافق للبحث ومكتبات ومراكز ثقافية، وستكون "نموذجا" للمساجد في البلد الذي تدين غالبية سكانه بالإسلام، وهو ما يرجح انتشار الفكر الوهابي المتطرف في بنغلادش بالفعل.
وشهدت بنغلادش تزايدا في التطرف في السنوات الاخيرة والميل نحو الأصولية الإسلامية بعد أن كانت الوسطية تسود في البلاد لعقود.
وقال رزق الحق شاندبوري من تيار صوفي، أنه لا يوجد مبرر لبناء المساجد الجديدة.
وأضاف: "التمويل السعودي يثير المخاوف. فقد يستخدمون تلك الأموال لنشر الوهابية من خلال تلك المساجد".
اتفاقات بـ 65 مليار دولار لكسب الصين
وفي إطار سعيها لكسب الصين التي تحاول الاضطلاع بدور "الوسيط النزيه" في الشرق الأوسط لإنهاء الحرب في سوريا، وقعت السعودية اتفاقات بقيمة قد تتجاوز 65 مليار دولار تتضمن مذكرة تفاهم لمشاريع نفطية، وتطوير مشاريع بتروكمياوية في الصين والسعودية.
وعرضت الصين، العام الماضي، دعم الحكومة اليمنية التي يساندها تحالف تقوده السعودية في حربها ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران والذين يسيطرون على معظم أنحاء البلاد.
وتسعى السعودية لزيادة مبيعاتها من النفط إلى الصين ثاني أكبر سوق للنفط في العالم بعدما فقدت حصة سوقية لصالح روسيا في العام الماضي وذلك من خلال العمل أساسا مع أكبر ثلاث شركات نفطية حكومية في الصين.
وفي قاعة الشعب الكبرى في بكين قال الرئيس الصيني شي جين بينغ للملك سلمان خلال زيارته الأخيرة، إن الصين سوق مستقرة لصادرات النفط يمكن الاعتماد عليها وإن على البلدين تعزيز التعاون بينهما.
وتقول السعودية إنها مستعدة "للتعاون الوثيق" مع الصين من أجل تعزيز السلام والأمن والرخاء على الصعيدين العالمي والإقليمي.
كما وقعت شركات سعودية وصينية 21 اتفاقا تشمل استكشاف فرص الاستثمار في النفط والبتروكيماويات والتجارة الإلكترونية والتعاون في أسواق الطاقة المتجددة.
استراتيجية قوية مع اليابان
ومع اليابان، تحركت السعودية باتجاه تعزيز علاقاتها الاقتصادية وافضى هذا التحرك إلى "اقامة شراكة استراتيجية قوية في مجالات متنوعة مثل الصحة أو الزراعة"، وفق وثيقة رسمية أصدرتها الحكومة اليابانية.
وبغية جذب اليابان ثالث اقتصاد في العالم، تخطط السعودية لإقامة "مناطق اقتصادية خاصة"، مع مزايا ضريبية، وتبسيط النظم والإجراءات الجمركية، كما ذكرت صحيفة نيكاي الاقتصادية ووكالة انباء كيودو.
فيما اعلنت شركة صناعة السيارات تويوتا اليابانية انها تنوي التوقيع على اتفاق حول "بدء دراسة جدوى" لتصنيع السيارات في السعودية.
وأوضحت صحيفة نيكاي إن الدراسة ستركز على إنتاج سيارات تعمل بالدفع الرباعي كونها "تحظى بشعبية واسعة في الشرق الأوسط".
وفي قطاع الطاقة، من المتوقع ان توافق السعودية، المصدر الرئيسي للنفط إلى اليابان، على استمرار المفاوضات لادراج شركة أرامكو في بورصة طوكيو ضمن اطار الخصخصة الجزئية لشركة النفط العملاقة عام 2018.
مشاريع مريبة في جزر صغيرة
كما تنوي السعودية اقامة العديد من المشاريع –لم تفصح عنها- على سلسلة جزر المالديف ذات الغالبية المسلمة وسط رفض شديد واحتجاجات كبيرة من قبل المعارضة.
وأدى ذلك إلى احتجاجات قام بها سكان أرخبيل فافو واحتجزت بعض المحتجين الذين كانوا يطالبون بمعرفة تفاصيل المشروع.
والمالديف سلسلة جزر يقطنها 400 ألف نسمة أغلبهم مسلمون. وهي نقطة جذب سياحي غير أنها تواجه عددا كبيرا من الشبان الذين تبنوا النهج المتشدد.
وتقول المعارضة إن السماح بوجود نفوذ سعودي في البلاد سيرسخ هذا التيار.
وتشكو سلسلة الجزر هذه من اضطرابات سياسية منذ خلع محمد نشيد - أول زعيم للبلاد منتخب ديمقراطيا - عام 2012.
اتفاق سعودي اندونيسي لتدريب ضباط عسكريين
أما مع إندونيسيا، فهناك نحو 11 اتفاقا تضمنت اتفاقيات لتخفيف الحواجز التجارية واتفاقية جديدة بين مؤسستي الطاقة في البلدين أرامكو السعودية وبرتامينا الإندونيسية عقدت على أساس خطة قائمة بقيمة ستة مليارات دولار للتوسع في أكبر مصفاة في إندونيسيا.
كما تشمل الاتفاقات تدريب ضباط عسكريين بهدف التصدي لتنظيم داعش الإرهابي على حد زعم السفير السعودي لدى إندونيسيا.
وزاد القلق الأمني في إندونيسيا بعد أن شهدت في العام الأخير هجمات ألقي باللوم فيها على أنصار تنظيم داعش الإرهابي.
أما أخطر هذه الاتفاقات، فهو فتح مزيد من المدارس الإسلامية في إندونيسيا وزيادة عدد المنح الدراسية للطلبة.
اضف تعليق