نظر كثيرون إلى الضربة التي وجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في لحظة غضب على مشاهد انتشار جثث الأطفال في خان شيخون كما يزعم، على أنها لا تعدو أكثر من استعراض للقوة ليعيد أمريكا إلى حضورها العالمي والعسكري السابق، لكن هذا الاستعراض لم يكن كافياً بالنسبة لدولة بوزن الولايات الأمريكية المتحدة لترميم صورتها.
في آخر استطلاع أجري في أمريكا اشترك فيه عدد كبير من الذين انتخبوا ترامب، رأوا أن عودة واشنطن إلى الصراع السوري بهذه الطريقة بدى وكأنه "النزول من قطار ترامب"، في إشارة إلى أن الأخير لم يصدّق شعاره"أمريكا أولاً" الذي أطلقه ورافق شخصيته طوال الفترة الماضية، بل أنهم يرون أن ترامب أعلن عبر 59 صاروخاً كروز نهاية زمن هذا الشعار الذي يبدو أنه كان قصيراً للغاية.
لكن تحركات واشنطن الأخيرة تقول أن شيئاً غامضاً يدور خلف كل هذا المعلن، وأن السياسة الأمريكية بشأن الصراع السوري التي كسرها ترامب -بقرار لم يرجع قبل اتخاذه إلى الكونغرس الأمريكي حال وصوله إلى البيت الأبيض- عادت من الداخل الأمريكي.
من أمريكا أولاً إلى خلاف داخلي
ويدور خلاف الآن وسط طاقم ما يعرف بكبار مساعدي ترامب بشأن السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أو بالتحديد حول بقاء الأسد من عدمه، وما إذا كان قد قرر الرئيس الأمريكي أخيراً أن تكون إزاحة الأسد من أهداف واشنطن في الوقت الحالي.
التحول المفاجئ الذي أظهرته الولايات الأمريكية المتحدة في سياستها تجاه الصراع السوري جاء بعد توجيه الضربات الصاروخية، والتي أدّعى أنها شنت ثأراً لاستخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في خان شيخون، لكن النبرة التي تحدث بها ترامب في وقت سابق، وتحديداً مع بدء حملته الانتخابية وحتى تسلمه رئاسة البيت الأبيض، تشير إلى أن الرجل ربما يكون قد تعرض لضغوطات داخلية دعته إلى تغيير موقفه السابق، ويشير إلى ذلك أيضا الخلاف الدائر الآن بين كبار مساعديه.
ما يريده الداخل الأمريكي
في تلك الأثناء، كان يعتقد ترامب أن "هزيمة الدولة الإسلامية (داعش) أولوية أهم من إقناع الأسد بالتنحي"، وأن "ما يجب أن نفعله هو أن نركز على داعش. لا يجب أن نركز على سوريا".. لكنه وكما يظهر أن ترامب بدأ يضع لإرادة الداخل الأمريكي التي ترى بضرورة تكثيف وإدامة الحضور الأمريكي داخل سوريا حساباً.. فكبار واشطن غير مستعدين لأن تكون مصالحهم ومشاريعهم ثمن للمزيد من دروس السياسة التي بدأت تعلم ترامب كيف ينبغي أن يحكم بلادهم.
والأهم من ذلك كله هو أن الوجود العسكري لأمريكا في الشرق الأوسط لا ينبغي أن يتراجع أكثر من ذلك، وهو ما ألمح إليه مؤخراً السناتور الجمهوري لينزي جراهام بالقول: "إن إزاحة الأسد عن السلطة سيتطلب من الولايات المتحدة الالتزام بآلاف القوات الإضافية لإقامة مناطق آمنة للمعارضة لإعادة تجميع صفوفها وإعادة التدريب والسيطرة على البلاد".
رسالة إلى روسيا
أما وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي وصل مؤخراً إلى روسيا، هو الآخر حمل رسالة وجهتها واشنطن وحلفائها إلى روسيا تتضمن القرار الأخير الذي رسمت ملامحه تصريحات تيلرسون.
مفاد الرسالة: "العلاقة التي بدأت بالتدهور لا يمكن أن تعود ما لم ترفع روسيا يدها عن الأسد وسماء سوريا ليتسنى لنا البقاء في المشهد كما نريد".
في المقابل ترى روسيا أن من اللازم أن ترد على رسالة واشنطن بـ "هذا ما لدينا!"، إلى جانب موقف الرئيس الروسي الصريح الذي تناقلته وسائل الإعلام يوم الثلاثاء، والذي أشار من خلاله إلى أن واشنطن ستقوم بتوجيه ضربات صاروخية جديدة لسوريا، وأنها تخطط عبر المعارضة السورية إلى شن هجمات كيماوية تبرر للعالم المزيد الضربات الجوية.
وقال بوتين في تصريحات مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا الذي زار موسكو "لدينا معلومات تفيد بأنه يجري الإعداد لتحريض مماثل...في مناطق أخرى من سوريا ومنها الضواحي الجنوبية لدمشق حيث يخططون لزرع بعض المواد مرة أخرى واتهام السلطات الحكومية باستخدامها (أسلحة كيماوية)".
وقال أيضاً إن موسكو ستطلب بشكل عاجل من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة التحقيق في أحداث الأسبوع الماضي.
قد تستفز "البراميل" أمريكا
لكن البيت الأبيض ذهب إلى أبعد من ذلك، فلم يعلق توجيه ضربات مجددة موجهة إلى سوريا على استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية، بل أن "البراميل المتفجرة" قد تثير غضب واشنطن أيضاً!.
وقال المتحدث الرسمي للبيت الأبيض شون سبايسر: "عندما تشاهدون الرضع والأطفال يتعرضون للغاز ويعانون تحت وطأة البراميل المتفجرة تتحرك على الفور".
وأضاف "اعتقد أن الرئيس أوضح تماما أنه إذا استمرت هذه الأفعال فسوف تبحث الولايات المتحدة بالتأكيد القيام بمزيد من التحركات".
تعديلات عسكرية
ويأتي ذلك في الوقت الذي يجري فيه الجيش الأمريكي تعديلات على انشطته العسكرية في سوريا، والتي يقول عنها مسؤولون أمريكيون أنها لتعزيز حماية القوات الجيش الأمريكي بعد الهجمات الصاريخية التي شنها على قاعدة الشعيرات السورية.
ووفقاً لوكالة رويترز، فإن المسؤولين رفضوا مناقشة الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة بعد الهجمات التي لاقت إدانة شديدة من دمشق وطهران وموسكو وأرجعوا ذلك لدواع أمنية.
هل تشتبك أمريكا مع روسيا؟
لكن هل ستؤدي هذه التغييرات التي ستعطي قوة إضافية لأمريكا في سوريا إلى بدء مرحلة تصعيد أكبر مع روسيا قد تصل إلى مرحلة الاشتباك؟
يقول المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية الكولونيل جون توماس إن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على تفادي الاشتباك غير المقصود مع القوات الروسية لكنه لم يوضح الوسيلة تاركا الباب مفتوحا لاحتمال بقاء الاتصالات محدودة وربما على مستوى التواصل بين الطيارين بالأجهزة اللاسلكية.
وأضاف، "مستمرون في تقليل مخاطر الاشتباك مع الروس عند الضرورة لأنه عندما نحلق علينا استخدام كل الوسائل المتاحة لتفادي أي حوادث في الجو".
اضف تعليق