q

ما الذي يجعل الكتل السياسية تتسابق على المشاركة في كل تشكيلة حكومية؟

فإضافة إلى ممارسة السلطة والنفوذ والامتيازات والمكاسب المادية الذي يشكّل دافعاً قوياً، هناك تخوّف من (الانزواء) في المعارضة. ويعود ذلك إلى أسباب منها:

1- إن السلطة في دول العالم الثالث وخاصة الشرق العربي إنما تتمثل في الحكومة ومناصبها. وهذا إرث تقليدي بسبب طبيعة العلاقة غير المتكافئة بين الحاكم والمحكوم. فالحاكم طوال عهود وقرون هو السلطة الحاكمة ويملك كل أدوات السلطة: القوة، الجيش، المال، النفوذ والتأثير في المجتمع. كما أن باستطاعته معاقبة خصومه بشتى الوسائل الشريفة وغير الشريفة، التعسف والظلم، والتخوين والاتهام بالعمالة وغيرها مما اعتاده الحكام.

2- طالما تشعر الكتل السياسية بأنه لن يجري تهميشها أو استخدام الحكومة لقوتها في محاصرتها أو تقليل شأنها، فإن ذلك سيدفعها أكثر للإخلاص لمبادئها وأهدافها وبرامجها الانتخابية لخدمة الشعب، والمضي قدماً في التعبير بصدق عن طموحات الجمهور الذي انتخبها.

3- عدم نمو ونضج التجارب البرلمانية أدى إلى أن لا تصبح المعارضة قوية التأثير، قادرة على التغيير، ومحاسبة الحكومة ورجالاتها. فكلما قوي دور البرلمان، كلما زاد من تأثير ممثلي الشعب، وزادت مساحة نفوذهم في قرارات وسياسات الدولة. عندها سيتساوى تأثير البرلمان مع تأثير الحكومة في الدولة والمجتمع، إن لم يكن نفوذ البرلمان أقوى لأن باستطاعته محاكمة الحكومة عبر الاستجوابات، بل وإسقاطها، وليس العكس.

4- هذا ما يشجع الكتل السياسية في البقاء في المعارضة وممارسة دورها بقوة وتأثير واسع، على الانضواء في الحكومة وتحمل أعباءها وأوزارها، والانتقادات الموجهة إليه عادة.

5- طالما أن المعارضة ليست قومية أو طائفية لأنها تضم كل المكونات، فبالتالي ستتحول من معارضة طائفية أو قومية إلى معارضة سياسية، تركز جهودها على التشريعات والخدمات ومراقبة الحكومة.

6- عدم دخول المعارضة في الكابينة الحكومية يجعلها متحررة من أعباء الاتهام بالفشل والفساد وعدم تجسيد أهداف الشعب. هذه الحرية في الحركة تجعل المعارضة أكثر مهنية وموضوعية في مراقبة أداء الحكومة والوزراء، وملاحقة كل خطأ أو فساد يحدث في المؤسسات الحكومية.

7- هذه الحالة تجعل المعارضة بعيدة عن الاتهام بالازدواجية التي تعاني منها غالبية الكتل السياسية. إذ نجد أن الوزير منسجم عادة مع الحكومة، لكن نواب الكتلة التي ينتمي لها الوزير معارضين للحكومة. وفي هذه الحالة لا أحد سيصدق دعواهم أو تصريحاتهم. وعادة ما توصف اتهاماتهم بأنها سياسية وليست حقيقية.

8- يمكن للمعارضة أن تقوم بتطوير أدائها مثلاً تشكّل (حكومة ظل). وهي تجربة موجودة في بريطانيا وأمريكا وكندا وأستراليا واليابان وبولندا وفرنسا وإيطاليا ورومانيا وأوكرانيا ومصر. وهي حكومة افتراضية وليست تنفيذية حيث يجري تشكيلها من قبل حزب غير مشارك في الحكومة التنفيذية، ومهمتها توجيه النقد للحكومة القائمة على رأس عملها. ويقوم وزير الظل من المعارضة بمتابعة جميع شؤون الوزارة المشابهة في الكابينة الحكومية. وفي حالة سقوط الحكومة تكون هذه الحكومة (حكومة الظل) جاهزة لتكليفها من قبل رئيس الجمهورية أو الملك. وعادة ما تكون من الحزب الثاني في البلد، مثلاً أن يشكل الجمهوريون حكومة ظل في عهد الحزب الديمقراطي الأمريكي، أو حكومة ظل للمحافظين في عهد حزب العمال البريطاني.

9- تبقى المعارضة البرلمانية فعالة في التشريعات، والمناقشات التي تصاحب مشاريع القوانين أو القرارات. كما تقوم بالاستجوابات لرئيس الوزراء أو الوزراء ورؤساء الهيئات المستقلة. وقد تتبنى مشاريع لصالح المجتمع فتحظى بتأييد الأغلبية أو قسم منها على الأقل. عندها يمكنها تمرير مشاريعها أو القوانين الراغبة بتشريعها. وبذلك تحقق انتصارات تشريعية وسياسية، تنعكس على أدائها وسمعتها بين المواطنين.

10- لا غنى للأغلبية السياسية عن المعارضة في بعض الحالات كما في حالات الحاجة للتصويت على الثلثين في بعض القوانين مثل:

- اختيار رئيس الجمهورية (المادة 138- ثانياً – أ)

- تعديل الدستور (المادة 126- ثانياً و ثالثاً)

- إجراء الاستفتاء العام (المادة 126- ثانياً)

- إعلان حالة الحرب (المادة 61 – تاسعاً – أ)

- إعلان حالة الطوارئ في البلاد (المادة 61 – تاسعاً – أ)

- تشريع قانون المحكمة الاتحادية (المادة 92- ثانياً)

- تشريع مجلس الاتحاد (المادة 137)

* الدكتور صلاح عبد الرزاق، محافظ بغداد السابق وعضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق