q

كثيراً ما يصرح المسؤولون أو المتظاهرون ومن معهم بأن التظاهر حق دستوري، وأن من حق أي مواطن أن يتظاهر متى ما يشاء وأين ما يشاء، وعلى الحكومة والقوات الأمنية احترام إرادة المتظاهر العراقي. هذا الكلام قد يبدو سليماً لكن هذا جزء من القضية وليس كلها.

إن الحق الدستوري بعيد عن الادعاءات التي يتشدقون بها. لنراجع المادة الدستورية المتعلقة بحق التظاهر. تنص المادة (38) من الدستور على:

المادة (38):

تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:

أولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر.

ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون.

يلاحظ أن المادة أعلاه محكومة بشرطين:

الأول: أن التظاهر أو الاجتماع لا يخل بالنظام العام، أي أن التظاهرة تكون سلمية، وملتزمة بتعليمات الجهات الأمنية التي تشرف على التظاهرة، وتوفر الحماية للمتظاهرين. وأن لا يجري الاعتداء على المال العام والخاص أو إيذاء أي شخص، لأن تخريب المال مخالف للنظام العام. كما أن إغلاق الطرق واستخدام سلاح أو آلات جارحة أو حارقة أو غيرها يخالف النظام العام.

فهل التزم المتظاهرون بحدود مكان التظاهرة أو الوقت المحدد لها؟ في كل دول العالم تعد التظاهرة منتهية إذا تجاوزت الوقت المحدد أو سارت في مكان غير متفق عليه مسبقاً.

الثاني: أن التظاهر لا يخل بالآداب العامة، وهذا تحدد ثقافة المجتمع، التي تحدد ما هي الأمور التي تعد مخالفة للآداب العامة أم لا. كما أن الثقافة ليست واحدة في مكان محدد أو زمن محدد، فالثقافة متحركة ومتأثرة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى القيم الدينية والتقاليد الشعبية.

إن قسماً من هتافات وشعارات التظاهرات تعد خارج الآداب العامة، حيث تضمنت ألفاظاً نابية وسوقية لا تليق في تجمعات اجتماعية أو سياسية، أو سباب وشتائم لشخصيات سياسية، لا يستعملها العراقيون في أحاديثهم أو اجتماعاتهم، بل تعد سلبية، ويُنتقد من يستعملها في مجلس اجتماعي أو تصريح إعلامي.

إن البند ثالثاً من المادة (38) أعلاه يتضمن أمرين هامين هما:

1- إن (حرية الاجتماع) مكفولة للجميع. فلا يجوز الاعتداء على المجتمعين أو التشويش أو تخريب الاجتماع. ولا يجوز دخول مكان الاجتماع عنوة، وأن يحظى مكان الاجتماع بحماية القوات الأمنية مثل ما تحظى التظاهرات. والاجتماع قد يكون حفل سياسي، أو مهرجان فني، أو حفلة زواج، سواء كان في قاعة مغلقة أو ملعب، أو ساحة، أو تكون صلاة جماعة أو شعائر دينية أو مذهبية. وهذا ما شاهدناه من قيام بعض الجماعات السياسية باعتداءات واستخدام عنف وكيل السباب والشتائم حتى للنساء، وإهانة شيوخ العشائر الحاضرين في الحفل. والغريب أن لا أحد، لا مسؤول ولا سياسي ولا إعلامي يدين مثل هذه التصرفات لأسباب حزبية أو شخصية.

2- إن الدستور سماه بـ (التظاهر السلمي) فصفة السلمية ملازمة لكل تظاهرة. وبغير ذلك لن تكون تظاهرة سلمية لأن حرية التعبير مكفولة بحدودها السلمية، وليست عبر العنف أو الاعتداء على الأملاك العامة ومداهمة الأبنية الحكومية أو تهديد المواطنين. كما أن التظاهر مشروط بعدم تجاوز الآداب العامة والنظام العام، كما ورد أعلاه.

* الدكتور صلاح عبد الرزاق، محافظ بغداد السابق وعضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق