لم تكن هناك استراتيجية واضحة لمواجهة التنظيمات المتطرفة (من لدن المجتمع الدولي او الدول التي وقعت تحت ضغط الهجمات الارهابية) التي سيطرت على مناطق حيوية في الشرق الاوسط، خصوصا بعد السنوات الحرجة التي مرت بها دول الربيع العربي (ليبيا، اليمن، سوريا، مصر) او الدول التي تضررت نتيجة لتوسع نشاط التنظيمات الارهابية (العراق، لبنان، المغرب العربي)، وسعيها للحصول على المزيد من الاراضي داخل هذه الدول لتدعيم اركان خلافتها الاسلامية المفترضة، والوصول الى مناطق وقارات جديدة خارج حدود الشرق الاوسط، مستغلة بذلك الفوضى والصراع على السلطة والارض، والتي نشبت بعد عام 2011 وما زالت مستمرة حتى اللحظة.
وكان النقد الاكبر الموجه الى الدول الكبرى، من حصة الولايات المتحدة الامريكية، والرئيس الامريكي "باراك اوباما" تحديدا، بعد ان وصف بالمتردد (سيما وانه اعلن عن نيته ضرب النظام السوري ليتراجع عن هذا القرار لاحقا، واهو امر ازعج حلفائه التقليديين كثيرا) من اتخاذ خطوة في الاتجاه الصحيح تجاه الحرب الاهلية في سوريا، والتي اودت بحياة اكثر من 200 الف وتهجير اكثر من 5 مليون سوري، فيما قسمت البلاد الى 3 مناطق (بين النظام والمسلحين المدعومين من الغرب وتنظيم داعش المتطرف)، كانت فيها نسبة 40% لتنظيم داعش، الذي تمكن في وقت سابق من العام الماضي (9/حزيران/2014) من عبور الحدود السورية نحو العراق واحتلال محافظة الموصل بالكامل، اضافة الى اجزاء واسعة من محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين، وجزء من محافظة بابل وحزام بغداد.
واستطاع اوباما (بعد هذا التطور الامني) التحشيد لتشكيل "تحالف دولي"، انظمت اليه عشرات الدول الغربية، اضافة الى بعض الدول العربية، ليقوم بتنفيذ ضربات جوية تستهدف التنظيم في العراق وسوريا، اضافة الى توفير التدريب والسلاح والعتاد والاستشارات الامنية والاستخبارية للدول التي تكافح الارهاب وخصوصا في العراق، وهو امر لاقى ترحيبا عربيا وغربيا واسعا، على الرغم من الانتقادات الضمنية التي وجهت الى التحالف بسبب بطء الضربات ونوعية الاهداف والزمن المفترض لتحقيق اهداف التحالف، وهو امر رد عليه وزير الخارجية الامريكي "جون كيري" خلال اجتماع لدول التحالف الدولي الاخير في لندن بالقول "الهدف من المجيء إلى هنا هو تقديم أفضل النصائح والأفكار من الجميع بشأن نقاط الضعف وما يمكننا القيام به على نحو أفضل والجمع بينها وتحسين أدائنا وعملياتنا ووضع استراتيجية الأيام المقبلة".
ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية، التي تدخلت بشكل مباشرة لمكافحة الارهاب في افغانستان في عهد الرئيس السابق "جورج بوش، ولاقت ما لاقت من صعوبات وانتقادات دولية واسعة، قد عدلت من تكتيكاتها الميدانية في عهد اوباما، والتي اعتمد في تكتيكة على سياسية "الصبر الاستراتيجي" والقيادة من الخلف، ويرى مراقبون ان هناك عهدا جديدا من التحالفات الاقليمية والدولية التي يمكن ان تتشكل في اطار مكافحة الارهاب الجهادي العالمي، بعد ان تحول الى "خطر وشيك" يضرب في اوربا وافريقيا واسيا واستراليا، ومن الملاحظ، في سياق هذه التحالفات، ان هناك سمات (قد تكون جديدة) تربط هذه التحالفات من حيث:
1. ان اغلب الدول (بما فيها الولايات المتحدة الامريكية) لم تعد تبحث عن التحرك الفردي، سيما وان طريقة التحالفات (التي تضم عدة دول) تحظى بأريحيه من قبل المجتمع الدولي، وهو ما شهدناه في "التحالف الدولي" الذي دعت اليه الولايات المتحدة الامريكية، اضافة الى الدعوات الجديدة التي اطلقتها ايطاليا ومصر بتشكيل "تحالف اممي" لإنهاء التطرف والارهاب في ليبيا التي تتقاسمها ميليشيات اسلامية متطرفة.
2. ليس بالضرورة ان يتضمن التحالف المشترك، دولا صديقه او حليفه، فقد تقتضي الضرورة ان تكون هناك اهداف مشتركة (مثل مكافحة خطر الارهاب المشترك) بين هذه الدول ليتم التنسيق فيما بينها من هذا الجانب بصورة علنية او سرية، كما حدث من تعاون بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران في العراق، او بين الولايات المتحدة وسوريا.
3. اغلب هذه التحالفات لم تعتمد اسلوب القتال او الهجوم البري، بل اكتفت بتوجيه ضربات جوية، بما فيها الضربات الجوية الانتقامية، (مثلما قامت به الاردن ومصر)، كرد فعل على العمليات الارهابية التي تمارسها المنظمات المتطرفة تجاه مواطنيها، وهو امر تعرض للكثير من النقد من قبل خبراء ومحللين، باعتبار ان حسم المعركة يتطلب المزيد من العمليات البرية، فيما عارض اخرون تدخل قوات برية غربية بصورة مباشرة وطالبوا بمزيد من التسليح والتدريب خصوصا في العراق.
4. رغبة بعض الدول العربية في تشكيل تحالفات ثنائية او ثلاثية، لاستهداف التنظيمات الارهابية في دول اخرى (ليبيا، سوريا، العراق)، وان بعض هذه التحالفات تمت بصورة سرية، الا ان تسريبات من مصادر غربية كشفت بعضها.
قد تكون هذه التحالفات العسكرية الجديدة بداية جيدة لتعاون دولي اوسع للقضاء على آفة الارهاب التي تغلغلت في منطقة الشرق الاوسط ولا يعرف أحد اين وكيف ومتى ستنتهي؟
لكن الامر المقلق في هذه الموضوع، وجود تحالفات غامضة قد تشكل على هامش الاهداف الرئيسية التي اقيمت من اجلها، بمعنى ان تكوين التحالفات بهدف محاربة الارهاب قد يكون مدخلا جديدا ومناسبا لبعض القوى الاقليمية لتطبيقه على مناطق واهداف اخرى، خدمة لمصالحها الخاصة، سيما وان العديد من الازمات الشرق اوسطية وقعت في عدة دول اختلفت فيها مصالح ونفوذ بعض هذه الدول، وان إظهار هدف مكافحة الارهاب واستبطان الحفاظ على مصالحها ونفوذها امر ممكن مع وجود باب التحالفات القائم تحت مسمى الدفاع عن الامن والسلم في الشرق الاوسط، خصوصا في ظل المواقف الايجابية التي تحظى بها هذه التحالفات.
اضف تعليق