الكثير من الاحداث تشير الى ذهاب منطقة الشرق الاوسط الى حرب جديدة مختلفة عن سابقاتها، بتخطيط امريكي وبأموال خليجية ورأس حربة تركية، كل ذلك يوجه صوب الدولة المشاكسة (ايران)، والعنوان تقويض نفوذها والهدف تحطيم ما تبقى من قوى الشرق الاوسط بغية السيطرة عليه اكثر وسحب ما تبقى من امواله بصفقات الاسلحة، او الابتزاز تحت تأثير التسخين الحربي.
الصحف العالمية ومنذ تولي ترامب السلطة ولحد الان تتحدث عن حرب في الشرق الاوسط، ويدعم ذلك طبيعة التعيينات التي قام بها ترامب حيث عين ثلاث جنرالات خدموا في الشرق الاوسط (وزير الدفاع، وزير الداخلية، مستشار الامن القومي، مع ستيف بانون عراب الحرب على الاسلام) في مناصب حساسة توحي بالتوجه نحو الحرب. وابتداء قامت هذه الادارة بفرض عقوبات ضد ايران قيل انها غير مبررة.
وفي تقرير سابق لصحيفة هآرتز الإسرائيلية ذهب مراسلها في امريكا برادلي برستون، إلى القول إن الرئيس الجديد يبحث عن خلق عدو جديد لشن ما أسماه "حربًا مقدسة". ويؤكد ان ترامب يحتاج إلى حرب يوفق عبرها بين تناقضات شخصيته الشعبوية، وحملته الانتخابية المثيرة للجدل، التي تعهد فيها بإعادة بناء الجيش الأمريكي، وفي نفس الوقت خفض الإنفاق الحكومي. إنه يحتاج إلى حرب يحقق وعوده عبرها كي يحيي الصناعات الثقيلة، واستخراج "الفحم الجميل". ويرى برستون أن ترامب يسعى خلف حرب من نوع خاص. حرب عالمية ضد عدو غير مسيحي، ولا يقبل بالتفاوض. حرب دموية رهيبة تثير ذعر العالم.
اما صحيفة واشنطن بوست فقد قالت بعد تنصيب ترامب إن حرب الرئيس الأميركي المقبلة ستكون ضد الإسلام حيث سيتبنى نهجا قوامه "الصراع الحضاري" وغايته عزل وإخضاع منطقة الشرق الأوسط وعقيدتها التي تدين بها. وفي مقال لأحد كبار محرريها، حذرت الصحيفة من أن ترمب يوشك أن يدخل الغرب في المرحلة الثالثة (بعد مرحلتي بوش واوباما) الأشد حلكة من مراحل سعيه المستمر منذ 15 عاما لإبطال مفعول خطر ما يسميه "التطرف الإسلامي".
صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية قالت استنادا الى اقوال بعض المحللين السياسيين بانهم واثقين من أن الولايات المتحدة تستعد للحرب. وأعربوا عن قلقهم إزاء تصريحات الرئيس الامريكي الأخيرة بأن "إيران - الدولة الإرهابية رقم واحد". ويقولون إن الحروب تبدأ عادة هكذا: في البداية تعلن واشنطن أحدا ما إرهابيا، وبعد ذلك تشن "حربها الصليبية" ضد هذا "الأحد ما".
وفي تصريحه للصحيفة الروسية يقول المختص في الشؤون الإيرانية، بروفيسور كرسي الاستشراق في معهد العلاقات الدولية في موسكو سيرغي دروجيلوفسكي ان الادارة الامريكية ذاهبة إلى الحرب، ويؤكد "إلى الحرب فقط".
وما يدعم كل هذا التشاؤم بنشوب حرب في الشرق الاوسط هو هيكلية مجلس الامن القومي الامريكي الذي وصفه التقرير الاسبوعي لمراكز الابحاث الامريكية بانه تطغى عليه الصبغة العسكرية 3 جنرالات، وبحسب التقرير فان الخبرة العسكرية للمجلس الاوسع في هياكل المجلس منذ عقود. كما ان اصحاب المناصب الحساسة هم ممن خدموا في الشرق الاوسط، وليس لهذا تفسير الا ان الولايات المتحدة تخطط لعمل عسكري في المنطقة.
لكن وسائل الاعلام الغربية لم توضح طبيعة تلك الحرب او ادواتها التي سوف تشن من خلالها امريكا الحرب، الا ان التطورات الاخيرة التي حدث في الشرق الاوسط تؤكد ما قالته وسائل الاعلام بحتمية الحرب، وادواتها ووقودها شرق اوسطي بالكامل من اجل تحقيق احلام ترامب ومجلسه العسكري.
البداية كانت من التصعيد التركي حينما الرئيس رجب طيب أردوغان هجوما مفاجئا ضد ايران واتهمها بالسعي "التوسع الفارسي" في سوريا والعراق، وما زاد من توتر الاوضاع وزير خارجيته جاويش أوغلو، في كلمة له خلال مؤتمر الأمن الأخير في ميونيخ، واتهامه ايران بزعزعة استقرار الشرق الاوسط، معتبرا أن طهران تسعى لنشر التشيع في سوريا والعراق.
رد ايران جاء سريعا من خلال استدعاء وزارة الخارجية الاثنين 20 فبراير/شباط السفير التركي لدى طهران، وسلمته رسالة احتجاج على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته "غير البناءة" ضد إيران.
هذه التوترات جاءت بعد اتصالات وزيارات مكثفة وعلى مستويات عليا بين دول الخليج والولايات المتحدة وتركيا واسرائيل، وهو ما يعطي انطباعا بان ما يجري من تسخين تركي لم يأتي بقرار فردي بل من خلال خطة متفق عليها بين هذه الاطراف.
سوريا سوف تكون الساحة الابرز لهذه المواجهة الشرق اوسطية في حرب استنزاف طويلة وغير معلنة، حرب تعتمد على التصريحات تارة وعلى استخدام القوة على نطاق محدود جدا تارة اخرى، والمثال هنا التقدم التركي في مدينة الباب الذي يتوقع ان يتوقف عند هذا الحد خوفا من ازعاج "الخصم" الايراني، ويدعم التحركات التركية عودة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير للعزف على "ثنائية رحيل الاسد سلما او حربا، واقامة المناطق الامنة"، اما الدور الامريكي في سوريا فسوف يكون محدودا خشية الغضب الروسي، بل ان الخطة تفترض مشاغلة الروس والايرانيين من خلال الوكلاء المشاكسين التركي والسعودي.
وفي المقابل سوف يتوسع الدور الامريكي في العراق، من اجل تقويض النفوذ الايراني في هذا البلد، حيث اشارت وسائل الاعلام الى انتشار وعمليات انزال امريكية في مناطق مختلفة من محافظة الانبار التي تمثل الطريق الرابط بين سوريا والعراق وهو ما يأثر بشكل سلبي على الطريق البري لإيران من اجل الوصول الى سوريا.
ترامب وعد باستعادة عظمة امريكا وكذلك ارغام الدول الخليجية على دفع الاموال لبلاده، وهو مؤمن بان النفوذ الامريكي في الشرق الاوسط قد انتهكت هيبته تحت ضغط التوسع الايراني والعودة الروسية، والحديث عن علاقات طيبة مع روسيا لا يعني عدم مشاغلتها بحرب استنزاف مع تركيا والسعودية، بالإضافة الى شن حرب علنية ضد ايران الحليفة لروسيا وذلك عبر البوابة العراقية. اذن هي حرب استنزاف كبرى ضد الروس والايرانيين بأدوات خليجية تركية. انها احدث انواع حروب الوكالة.
امريكا ارادت توريط تركيا بحرب مع روسيا من خلال اسقاط الطائرة الروسية لكنها فشلت، وخططت للانقلاب العسكري وفشل ايضا، وهي تجرب اليوم اشعال حرب تركية _ ايرانية، مستغلة رغبة اردوغان بقيادة عالم اسلامي سني ضد معسكر ايران الشيعية، ومن خلال ربط العداء الخليجي والطموحات التركية يمكن للولايات المتحدة اشعال حرب بين دول الشرق الاوسط تضمن ضخ المزيد من رؤوس الاموال في جيوب الامريكيين، وهذه هي الوسيلة الاسهل لكي يحقق ترامب وعدين انتخابيين بضربة واحدة، اضعاف ايران واجبارها على التخلي عن الاتفاق النووي واجبار دول الخليج على دفع المزيد من الاموال بهدف شراء الاسلحة وتطوير قدراتها العسكرية التي لا تستخدم الا من اجل تحقيق رغبات خارجية.
اضف تعليق