الحزب السياسي كما يأتي في منطوق بعض علماء السياسة، هو تنظيم جمعي يسعى إلى بلوغ السلطة السياسية داخل الحكومة من خلال مرشّح في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وعادة يتم ذلك من خلال المشاركة في الحملات الانتخابية، وتنتهج الأحزاب السياسية العمل التنظيمي الديمقراطي في داخلها من خلال انتخاب أعضائها في أمانات الحزب المختلفة وصولا إلى انتخاب رئيس الحزب، وترشيح أعضاء ينتمون للحزب لخوض الانتخابات بحسب طبيعة النظم السياسية.
ولكل حزب فكر محوري يحدد فيه أهدافه ونتائجه، وغالبا ما يسعى لاستقطاب أكبر عدد من الجماهير، من أجل الحصول على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية وحسب القاعدة الشعبية التي يتمتع بها، فالأحزاب السياسية كثيراً ما تتبنى أيديولوجية معينة ورؤى، ولكن يمكن أيضا أن تمثل التحالف بين المصالح المتباينة، ويمكن تعريف الحزب السياسي بأنه تنظيم يسعى لبلوغ السلطة وممارستها وفق برنامج الحزب السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
أما في العلوم السياسية فيوجد أكثر من تعريف للحزب السياسي، وقد ركز علماء السياسة على دور الأحزاب السياسية، باعتبارها أدوات للترويج ترشح في الانتخابات للمناصب العامة.
مما تقدّم يتضح لنا الدور المحوري للأحزاب في إدارة العمل الديمقراطي وصولا للسلطة، وهذا الدور يتحركا تبعاً لإرادة سياسية ذات رؤية ينبغي أن تكون واضحة، ولعل القول باختلاف المناهج والأفكار السياسية بين حزب وآخر يعد أمرا محسوماً، فلا يمكن أن تتشابه الأحزاب في أفكارها وبرامجها، وإلا فإنها من الأفضل أن تدخل في إطار تنظيم واسع موحّد يجمعها في حزب واحد، ولكن هذا لا يصب في صالح العمل السياسي، كونه يغتني في حالة الاختلاف والتعددي، ويضمر ويجف وقد يموت في حالة السير وفق فكر شمولي قد ينتهي بالنتيجة لاختصار الجميع بشخصية واحد هي شخصية القائد الأعلى للحزب.
وفي العراق لدينا تجربة قاسية مع الفكر الشمولي، الأمر الذي أدى الى سيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم في العراق، ثم انتهى دور القيادات المنافسة لصدام بعد أن قام بتصفيتهم، ليتم بالنتيجة اختصار العراق دولة وشعبا في شخصية الحاكم الأوحد (صدام)، لذلك فإن التجربة التي يعيشها العراق اليوم تعد فريدة في تاريخه السياسي، لم تتوفر للعراق مثل هذه الفرصة في جميع عهود الحكم بشكليْه الملكي والجمهوري.
هذا يعد أحد أهم الدوافع للأحزاب السياسية العراقية أن تستفيد من هذه الفرصة كي تقود العمل الديمقراطي الى المنطقة السليمة، فلا ينبغي لصراع الإرادات فيما بين قادتها أن تجعلها غير قادرة على توظيف الفرصة السانحة لها لتثبيت دعامات التجربة الديمقراطية في العراق، لا ريب للأحزاب السياسية الحق في السعي والتحرك فكريا وعمليا، لاستقطاب الجماهير لصالحها، ولكن لا يجب أن تتحول الطموحات الحزبية الى صراعات فيتم تدمير التجربة، لنعود الى نقطة البداية ونجد أنفسنا في كماشة الفكر الشمولي مرة أخرى.
من خلال مراقبة المشهد السياسي، يستطيع الرائي كشف تلك الألاعيب التي تبتكرها الأحزاب من أجل تدمير إرادة الأحزاب المنافسة لها، حتى تتفرد بمغانم السلطة، ولكنها لا تدري أنها بمثل هذا الأسلوب المدمر إنما تسعى (من غير أن تعلم) نحو تدمير نفسها، وفرصتها التي لم تتوفر لأي من الأحزاب في جميع عهود الحكم الماضية، فعلى هذه الأحزاب أن لا تختلق الأسباب لتأجيج الصراع فيما بينها، ولابد أن تضبط إيقاعها وفق المنهج الديمقراطي التعددي الذي يمنح الجميع فرصا متكافئة حسب المؤهلات والسعي والبرنامج السياسية ومدى قدرة الحزب على كسب أكبر عدد من الجماهير بوصفه ممثلا لطموحاتهم واحتياجاتهم المادية والفكرية والسياسية وسواها.
أما لماذا تذهب الأحزاب لاختلاق الأزمات وتنمية الصراعات فيما بينها، فهذا أمر معلوم، إنها تحاول أن تكسب أكبر قدر من النفوذ والجاه والمزايا من خلال تسقيط الحزب الآخر، والمشكلة أن طرق الصراع هنا لا يقوم على المصلحة الحزبية أو السياسية، وإنما ثمة نظرة ضيقة تقوم على المنفعة الفورية هي التي تغذي هذا النوع من الصراعات بين قادة الأحزاب وبين قواعدها أيضا.
أما ما هو نوع الأزمات التي تصنعها الأحزاب ضد بعضها البعض، فهي تتوزع على مجالات مختلفة منها أمنية، حيث يتم صنع أزمة أمنية لإسقاط الحزب الأكثر هيمنة على السلطة كي يتم إثبات أنه حزب غير قادر على تحقيق الأمن وبهذه الطريقة يتم تسقيطه، كذلك قد يتم صنع أزمات خدماتية كما هو الحال بالنسبة لقطاع الكهرباء والبلديات، والغذاء الفاسد وما شابه، هذه الحالات من الصراع قد تخدم بعض الأحزاب والجهات السياسية آنيا، ولكنها سوف تصيب العملية السياسية برمتها بالضرر وتحيطها بكوارث غير متوقّعة.
ومما يدخل في إطار إفشال العمل السياسي، وتدمير الديمقراطية، صناعة الفساد ونشره حتى يبدو كأنه أمر لا مفر منه، أو كأنه أمر واقع على العراقيين القبول به والتعايش معه، ولكن هل تعلم الأحزاب التي تغذي الفساد وتسعى لصنعه، بأنها كمن يحفر حفرة لأخيه، لكنه بالنتيجة هو الذي سوف يسقط فيها، نعم إن الأحزاب السياسية من خلال أساليبها هذه، تسيء لنفسها وللدولة وللشعب، كما أنها تغامر في إفشال أهم فرصة ديمقراطية تحصل على مدى التاريخ السياسي في العراق، فهل يجوز إهدار هذه الفرصة والتفريط بها بسبب صراعات الأحزاب على المغانم والمكاسب والمصالح، فيما الشعب يعاني الأمرّين في جميع المجالات؟.
قد لا يعي قادة الأحزاب أو حتى الأعضاء الكبار فيها، أنهم يغامرون بفشل العملية الديمقراطية برمتها، إذا لم يصححوا مساراتهم، ويكافحوا الفساد، ويثبتوا القواعد الأساسية لبناء الدولة، ومنها التداول السلمي للسلطة، ومنهج التعددية، وترويج وتثبيت أسلوب الانتخابات وصولا الى السلطة من أقل الى أعلى مراكزها، وفي جميع مفاصل الدولة بلا استثناء.
على أننا يجب أن ننبّه الى مرتكز أساس في العمل السياسي العراقي، وما متاح فيه من فرصة ذهبية للأحزاب السياسية، ونعني بهذا المرتكز، وضع الخطوات النظرية التطبيقية للحفاظ على الديمقراطية وعلى الدولة المدنية، وهذا ينبغي أن يبدأ بخطوة كبرى أساسية لا يمكن بدونها الحفاظ على التجربة أو على الدولة، وهذه الخطوة هي (القضاء الحتمي على الفساد)، فبدون دحر الفساد سوف تضيع فرصة بناء الدولة العراقية المدنية، وسوف تضيع الديمقراطية، وتتبعثر الأحزاب السياسية وتذهب الى المجهول.
هل يعي قادة الأحزاب وقواعدها الشعبية خطورة ما يمكن أن يقود إليه الفساد وما سينتج عنه في المحصلة؟، هكذا يجب أن يتحمل كل قائد حزب سياسي وكل عضو من أعضائه مسؤولية الحفاظ على الديمقراطية، وعلى الدولة المدنية، من خلال دحر آفة الفساد ورؤوسها، وتثبيت القواعد المهمة الواضحة التي ينتظم في ضوئها النشاط السياسي في عموم العراق، وقد يكون هذا التحير الأخير إذا لم تباشر الأحزاب السياسية بسن أو تعديل قانون انتخابات يؤمّن للعراق منهجا ديمقراطيا أمينا وسليما ومحميا، يؤدي بالنتيجة الى حماية دولة العراق المدنية والتجربة السياسية المعرّضة للخطر.
اضف تعليق