عاشوراء بعد عاشوراء، وأربعينية بعد أربعينية، تؤكد الوقائع أن للحسين (عليه السلام) ما بجعل أفئدة الناس تهوي إليه ويجتمع المؤمنون حوله، وأن عند الحسين (عليه السلام) ما يحفز الناس على الاقتراب أكثر وأكثر من قيم الخير والعدل والسلام، ليتعاونوا على البر والتقوى من أجل خير أنفسهم ومجتمعاتهم والإنسانية جمعاء، وهو ما يكشف جانباً من أسرار حث الأئمة (عليهم السلام) الناس على زيارة سيد الشهداء (عليه السلام)، يقول الإمام الشيرازي الراحل (قده): "إن المتتبع للأحاديث التي جاءت حول فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يدرك عظمة هذا الشهيد الطاهر، وعلو مكانه، وارتفاع شأنه وشموخه في العالمين ومقامه عند الله (عز وجل)".
ما حدث في كربلاء هو ثورة من أجل انتصار الإسلام الصحيح على الإسلام المزيف، كما أن كربلاء حركة إصلاحية شاملة بدأت من ذات الإنسان وتتحرك في المجتمع والمؤسسة والدولة.
وامتداداً لثورة الطف، فإن الشعائر الحسينية، ومنها زيارة الأربعين، دعوة متجددة للإصلاح والانتصار، فكانت -وما زالت- مدرسة عظيمة يتخرّج منها شهداء وأحرار، وإن الحشد الشعبي الحسيني في العراق، وهو يقدم التضحيات، ويحقق الإنجازات التي عجز عنها غيره، تأكيد جديد أن الحسين عقيدة إيمان وأخلاق وانتصار، وأن لمدرسته خصوصيتها وأسرارها، وهو ما أثار الشك والاضطراب في نفوس الأعداء، فإن داعشيين، يتساءلون في وسائل إعلامهم: "لا ندري لماذا نفقد توازننا عند مواجهة هؤلاء الذين يرفعون راية "يا حسين"، فكأنهم لا يعرفون الخوف، فلم نهزمهم ولا بمعركة واحدة؟ نحن فقط نفجّر شبابنا ونقتل الناس غيلة وغدراً؟".
إن دم الحسين فضح الأمويين وكشف انحرافهم عن الإسلام وقيم الإنسان، وزلزل عروشهم حتى أسقط دولتهم. واليوم، فإن حب الحسين والسير على نهجه يكشف زيف الإسلام الأموي، ويهزم جيوشه ودهائه وإجرامه.
وإن الحب الذي يدفع الملايين لقطع المسافات الطويلة مشياً على الأقدام، في زيارة الأربعين، وهم يتحدون المتاعب والمخاطر، يمكن أن يوحد المحبين من أجل بناء مجتمع فاضل ودولة عادلة، ما يؤكد ضرورة العمل لبلورة حب الحسين (عليه السلام) المتجذر في نفوس الحشود المليونية إلى اقتداء بنهجه (عليه السلام) في أمور الدين والدنيا.
في الزيارة الأربعينية الماضية، كاتبة ألمانية سارت من النجف الأشرف الى كربلاء المقدسة مع الزوار، مشياً على الأقدام، قالت: "إنه طريق ممتع ومبهر وفريد، أمران في هذا الطريق لا أجدهما في أي مكان آخر من هذا العالم: الأول: لا أحد يجوع. الثاني: لا تجد خصومة بين اثنين".
لقد أعطتنا مدرسة الحسين كل هذه السجايا الكريمة، وكل هذه الإنجازات الطيبة، وكل هذه الانتصارات المباركة، فكيف يكون الحال لو تمسكنا أكثر وأكثر بنهج الإمام سيد الشهداء (عليه السلام). لاسيما أننا نعيش أوضاعاً مأزومة، ونخوض حرب مصير، وليس لنا فيها إلا أن ننتصر. (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم).
اضف تعليق