جاءت الثورة الحسينية بكل ما تحمله الإنسانية من معنى فقد تمثلت بشخص سيد الشهداء الذي ضحى بنفسه وأسرته في سبيل دين الله وإنقاذ البشرية من الظلم والاستعباد الذي فرضه بني أميه بعدما حررهم رسول الله (ص) منه.
جاءت الدولة الاموية وتحت غطاء الدين والخلافة باستعباد الناس ونشر المفاهيم الباطلة والعادات الجاهلية, وسفك الدماء, واغتصاب الحقوق, وغيرها من الانتهاكات بحق ألامه آنذاك. فخرج ابن بنت رسول الله (ص) مصلحا في تلك الامة وكان قد علم بما سوف يجري عليه وعلى أهل بيته (ع) ورغم وصول إنباء استشهاد سفيره مسلم ابن عقيل وانقلاب أهل الكوفة ضده ألا انه قرر الخروج وقد ترك فريضة الحج فما أعظم الرسالة التي كان حبيب رسول الله (ص) يريد إيصالها لنا ونحن منهمكون بالغوص بالمآثم.
سار إمام الامة بجيشه المكون من ثلة قليله من الموالين وأهل بيته جميعا حتى رضيعهم وكان روحي له الفداء يعلم بمصيرهم ورغم من لامه على اصطحابهم إلا انه كان يخطط لإبعاد أوسع من أدراك المتسائلين, أدركتها الامة فيما بعد فقد وضع روحه بكفه ورسالته بكفه أخرى فقد حمل سيدة النساء دورا إعلاميا لنشر ضلامتهم للامة, وتعريف الناس بهم بعدما كان بنو أمية قد شاعوا بين الناس أن هؤلاء خوارج وقاموا بتشويه الدين الإسلامي حسب ما يشتهون.
ومن هنا انطلقت الثورة الزينبية حينما حدثت الفاجعة الكبرى بمقتل الحسين (ع) بعد استشهاد كل رجالات بيتها وأنصارهم خرجت السيدة زينب (ع) تعدو نحو ساحة المعركة، تبحث عن جسد أخيها الحسين (ع) بين الشهداء غير عابئة بالأعداء المدججين بالسلاح، فلما وقفت على جثمان أخيها العزيز الذي مزقته سيوف الحاقدين وهي تراه جثة بلا رأس مقطع إرباً إرباً، فالكل كان يتصور أنها سوف تموت أو تنهار وتبكي وتصرخ أو يغمى عليها، لكن ما حدث هز أعماق الناظرين، فأمام تلك الجموع الشاخصة بأبصارها إليها جعلت تطيل النظر إليه فوضعت يدها تحت جسده الطاهر المقطع وترفعه نحو السماء وهي تدعو بمرارة قائلة: ( اللهم تقبل منا هذا القربان).
أي كلام تنطق به هذه السيدة! فهو وإن كان لا يتعدى عدة كلمات إلاّ أنه كبير وعميق في مغزاه ومحتواه، بهذا الكلام هزت الجيش الأموي، كانت كالعاصفة دمرت الطغاة القتلة أعداء الرسول (ص) من الأعماق، فقد كانوا يتصورون عندما ترى السيدة زينب (ع) هذا المشهد المرعب والمريع سوف تضعف وتنهار لكنها كانت صامدة وصابرة ولم تنهار وإنما أعطت الأمة دروساً قيمة في التضحية من أجل العقيدة حينما دعت الله تبارك وتعالى أن يتقبل من هذا البيت الطاهر قربان العقيدة وفداء الإيمان، وعندما وقفت في مجلس الظالم يزيد وخطبت خطبتها التي رجت عرشه وأسقطته عنه وأوصلت للعالم حقيقة ألدوله الامويه وأعادت للإسلام هيبته وسطوته الأولى فلم تكن رسالتها نشر فأجعه ألطف فقط وإنما أعاده الناس إلى دين رسول الله (ص), الذي كاد أن يندثر, حيث سعت السيدة زينب في بادئ الأمر إلى إيقاد روح الثورة لدى المجتمع الكوفي بعد واقعة الطف في كربلاء لأنهم لم يكونوا بحاجه لان يعرفوا من هو الحسين ومن هو يزيد وإنما كانت تريدهم إن ينتفضوا ضد الظلم والعدوان وتحريف سنة الرسول (ص) عن مسارها الصحيح من قبل بني أمية, حيث أن المجتمع آنذاك تنقصه الإرادة وروح التضحية فكانت الدماء الطاهرة هي السبيل لعلاج المجتمع. فيما تولت العقيلة تفعيل هذه الدماء في نفوس المـجتمع الكوفي، ولذلك اعتمدت في خطابها اللغـة المـشحونة بالعاطفة من أجل إيقاظهم بعد خذلانهم الحـسين(ع) ومـحاولة التفكير عن الشعور بالإثم عبر التمرد والثورة والتضحية بهذه النفوس التي عزت عـن نـصرة الحسين عليه السلام، ولذلك خاطبتهم العقيلة قائلة: "يا أهل الكوفة! ويا أهـل الخـتل، والخذل والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنـة، إنـما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.
هنا اسـتخدمت عليها السلام عبارات جسدت المثل القرآنية التي تعمق روح الندم لدى هؤلاء المـخاطبين، وتمضي مخاطبة المجتمع الكـوفي "ألا سـاء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط اللّه عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون إي واللّه فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا.
إما الدور الثاني للسيدة الحوراء (ع) هو هدف فكري يشتمل على تهذيب الأفكار من كل ما جاءت به الحقب التي حكمت بها الأنظمة من قبل الثورة الحسينية وقد كانت تمثل رغباتهم وإراداتهم ولم تكن تمثل الرسالة الإلهية حيث إن الوضع الذي كان يعيشه المسلمون آنذاك لا يميزون بين الصالح والطالح.
ولذلك يدينون بالطاعة للجميع دون تمييز ويرون ذلك تطبيقا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.(النساء/59(
وقد مكن هذا الخلل الحكام المنحرفين من الحكم بـاسم الإسلام ومحاربة الإسلام بـاسمه، ولكن ثورة الحسين (ع) استطاعت أن تضع حدا فاصلا بين الإسلام والحكومات المنحرفة، من خلال خطاب أهل بيت الرسالة عندما أخذوهم أسارى إلى الشام وهو الهدف وتعريف المجتمع الموجه إليه الخطاب مـن أجل كشف الحقيقة التي أراد يزيد وكل حاكم منحرف طمسها، فنرى زينب (ع) تخاطبه في مجلسه قائلة: "أمن العدل يا ابن الطلقاء، تخديرك حرائرك وإماءك، وسوقك بنات رسول اللّه سبايا، قـد هـتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمعاقل، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن مـن حـماتهن حمي ولا من رجالهن ولي، وكيف يرتجى مـراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه من دماء الشهداء".
اضف تعليق