تزامنا مع بدأ شهر الاحزان والمصائب شهر محرم الحرام، عقد مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (عاشوراء الحسين... ثورة الاصلاح التأريخية وسياسة القائد الانساني)، على قاعة جمعية المودة والازدهار وبحضور جمع من الباحثين الاكاديميين والاعلاميين وناشطين في مجال حقوق الانسان، لتسليط الضوء على شمولية ثورة الامام الحسين (ع) وازلية استمرارها.

حيث ادار الحلقة النقاشية الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية الدكتور قحطان الحسيني مرحبا بالضيوف الباحثين والاعلاميين، مبتدأ بمقدمة تاريخية عن ثورة الامام الحسين (عليه السلام)، تاركا الحديث امام صاحب الورقة النقاشية الاستاذ في العلوم السياسية بجامعة بغداد الدكتور انور سعيد الحيدري.

من جانبه أوضح الحيدري خلال فتحه ملف عاشوراء الى ان تأريخية عاشوراء لا تعني ارتباطها بالماضي حصرا، بل ان تأريخيتها تعني ازلية استمرارها بأزلية وجود الفساد والمفسدين والظلم، مشيرا الى عبور آفاق عاشوراء الى سائر ارجاء المعمورة، واينما يوجد من يعتز بإنسانيته ويشعر بها.

متسلسلا في ذلك الاحداث التأريخية- السياسية التي عاصرت الامام الحسين (ع) حتى تولدت ثورة عاشوراء في طف كربلاء، وما كانت تنتهجه سلطة بني امية من شيوع ثقافة العنف ضد اتباع اهل البيت (ع)، وتسيير الرأي العام في المجتمع الاسلامي –آنذاك- على عدائية الامام الحسين (ع) وتصويره على انه خارج عن القانون.

هذا وقد ختم الحيدري ورقته النقاشية بالتأكيد على ان عاشوراء لم تنتهي بقتل الحسين واولاده واصحابه، بل كانت بداية الانطلاق نحو التحرر من قيود الظلم والظالمين ورفض العبودية لجميع البشر، وتبقى ثورته الاصلاحية مادام هناك تمسك حقيقي وواقعي بالنهج الذي اختطه الامام الحسين (ع) في مقارعة الظالمين ومحاربة الفاسدين.

بعد ذلك توجه مدير الجلسة قحطان الحسيني إلى فتح باب المداخلات والنقاشات أمام الحضور ليدلوا كل منهم بدلوه ويطرح ما لديه من مداخلات وأسئلة على المحاضر.

المداخلات:

عبد المهدي الخفاجي النائب السابق في مجلس النواب العراقي قال: ان اغلب الحديث عن الامام الحسين (عليه السلام) وثورته يدور حول قضية الاصلاح التي نادى بها الامام الحسين (ع) بقوله المشهور "ما خرجت اشرا ولا بطرا وانما لطلب الاصلاح.."، وفي نفس الوقت حدد الامام الحسين (ع) طريق الاصلاح في الامة بسيرته على سيرة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يترك الامر على تحقيق غاياته الشخصية والفئوية.

نحن كأتباع للامام الحسين (ع) علينا اليوم ان نحدد مسار امتنا وفق عقائدنا الاسلامية ومتبنياتنا الدينية لا وفق اهواؤنا وغاياتنا الشخصية، ونهدف ايضا الى ايجاد مصلح يسير بنا بسيرة رسول الله (ص) وامير المؤمنين علي (ع).

الدكتور بشير المقرم/مدرب تنمية بشرية طرح خلال مداخلته على عدة تساؤلات كان ابرزها، ان السلطة الحاكمة اليوم رفعت شعار الاصلاح وهي مفوضة من قبل المرجعية الدينية والشعب ولكن لم نلمس خطوات واقعية في عملية الاصلاح، ما هو سبب عدم التحرك الواقعي نحو الاصلاح؟.

الدكتور حازم البارز/استاذ في كلية العلوم الاسلامية بجامعة كربلاء قال ان ملحمة كربلاء تعتبر من اهم الملاحم والثورات الاصلاحية منذ بدأ الخليقة والى يومنا هذا، وهي ثورة عالمية انسانية ممتدة الآثار الى يوم الدين، كما ان الامام الحسين (ع) ركز في ملحمته على قضية الاصلاح، فهل تعتبر قضية الاصلاح ديني ام اقتصادي ام سياسي؟، وهل كان الاصلاح والقيادة عملية مخطط لها من خلال التضحية بنفسه واهله وماله؟.

دريد الموسوي/عضو تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل ذكر ان الزعيم غاندي قال "عندما قرأت عن الامام الحسين أدركت انه لو اردنا ان ننتصر علينا ان نتبع نهج الحسين".

ان اغلب الاحزاب الحاكمة اليوم في العراق تدعي بأنها تسير وفق نهج الامام الحسين (ع) ولكن في الواقع هم بعيدون جدا عن هذا النهج، فكيف يمكننا كشعب ان نمارس عملية الضغط الجماهيري على الحكومات بتطبيق هذه الشعارات على ارض الواقع؟.

ايهاب جواد/ رئيس تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل كانت مداخلته عبارة عن تساؤل عن كيفية تفعيل وتجسيد مبادئ الامام الحسين (ع) الاصلاحية؟.

حيدر الجراح/مدير مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث قال ان نهضة الامام الحسين (ع) كانت صراع بين المثال والواقع، حيث كان المثال هو الواقع في زمن الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) من خلال تقريرات الرسول او افعاله، وبعد استشهاد الرسول اصبح المثال مرتقيا للاعلى ومحاولة محاصرة الواقع وعدم العمل بالامور المثالية في زمن الرسول (ص).

ان نهج الحكومة في الوقت الحالي لا يستطيع ان يصل الى هذا الارتقاء ما لم يقارنه عملا واقعيا للمثال العلوي.

عدنان الصالحي/مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية قال ان الاصلاح هو جزء من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واللذان يعتبران رحمة ورأفة للانسان وليس انتقاما، فديننا هو دين الاصلاح والرحمة لا الانتقام.

رغم وجود الفساد الذي تتحدث عنه وسائل الاعلام المختلفة في الحكومات العراقية الا انه لابد من وجود ايادي نظيفة وصالحة، وعلينا اليوم ان نقف بوجه المفسدين وتقوية المصلحين من اجل الخلاص من الفساد المستشري في البلاد.

طارحا تساؤلا عن كيفية امكانية ترجمة الثورة الحسينية الى واقع ملموس وتصديرها الى الدول الغربية التي تعيش فسادا ماليا بطرق قانونية كالربا وغيرها.

الدكتور خالد العرداوي/مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية قال ان حركة الامام الحسين (ع) في محرم الحرام لم تأتي من فراغ، بل كان هناك مشروع اسلامي نهضوي انساني اراد من خلاله النهوض بالبشرية من بؤسها وشؤمها والآمها ليعيد اليها السلام والانسجام والاخوة والمساواة، وهذا المشروع جاءت به الرسالة السماوية وقاده النبي الاكرم (ص) واهل بيته الطيبين، وان نهوض الامام الحسين جاء انقلابا على الانحراف الذي حصل للمشروع الاسلامي فاراد ان يعيد هذا المشروع الى مساره الصحيح.

بعد 9/4 الجميع تكلم عن المشروع الديمقراطي في العراق، ولكن للاسف الشديد النخبة التي قادت هذا المشروع قد انحرفت عن مسارها الصحيح، فمن الضروري علينا اليوم ان نحدث نهضة من اجل اعادة المشروع الديمقراطي الى مساره القويم والصحيح.

فدوان الوزني/عضو تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل قال ان كثير من الاحزاب الاسلامية وبكافة مسمياتها الدينية والعلمانية تتفق على مظلومية الامام الحسين وان نصرته واجبه في كل زمان ومكان، ولكن لماذا نجد التفرقة والسرقات التي تحصل في بلادنا والمفسدون الموجودين هم يتبعون احزاب اسلامية وهذه الافعال بالتأكيد تتعارض مع اهداف الامام الحسين (ع) فكيف برروا لأنفسهم القيام بمثل تلك الافعال؟.

احمد عمران/عضو تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل طرح تساؤلا مستفهما عن كيفية توعية الشعوب على ان الامام الحسين (ع) خرج في نهضته المباركة للإصلاح وليس للبكاء فقط؟.

سامر المياحي/عضو تنسيقية كربلاء للحراك المدني المستقل قال ان كان من واجب كل مصلح ان ينهض ويصلح ويغير، اليس من الواجب السير على خطى هذا المصلح (خصوصا اذا كان المصلح هو الامام الحسين (ع)) وان يكون اندادا للظالم والفساد؟، وهل يختص الاصلاح فقط بالجانب السياسي وادارة الدولة والمجتمع؟.

الشيخ مرتضى معاش قال ان هناك سياستين قائمتين على مدى الحياة وهو صراع قائم الى يوم الدين وهما سياسة معاوية وسياسة علي، فالاولى هي سياسة السلطة المستبدة والتي تصنع الكوارث وتأتي بأشخاص غير مؤهلين للقيادة (مثل يزيد)، بينما الثانية فهي سياسة القائد الانساني والتي تصنع الانسانية والرحمة وتصنع قادة ربانية (مثل الامام الحسين).

الامام الحسين (ع) في قيامه اراد بناء دولة انسانية قائمة على احترام الانسان وحرية التعبير عن رأيه، بينما نجد ان سياسة يزيد مختلفة تماما عن نظيره فكان يتعامل على اساس تقديم السلطة على المبدأ والغاية تبرر أي وسيلة كانت.

اليوم كثير من القادة والسياسيين في مختلف الاتجاهات يقدمون السلطة على المبدأ وهو خطأ كبير جدا مما يبين المسار الذي يرسموه هؤلاء السياسيين ويحدد اتجاههم اما مع خط الامام الحسين او مع خط يزيد.

احمد جويد/مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات قال ان هناك خوف وخشية شديدة من ثورة الامام الحسين (ع)، لأنه رفع شعار سيرة رسول الله وعلي بن ابي طالب وكان القوم قد جربوا سيرة علي بن ابي طالب (ع) العادلة والحقة، فكانت خشية من العودة الى حكم علي بن ابي طالب.

ان الامام الحسين (ع) لم يكن يخدع الناس واخذ البيعة بالقوة، بل كان يعمل بالمبدأ القرآني (لا اكراه في الدين) بدليل السماح لاصحابه بالتفرق في منتصف الليل والابتعاد عن ساحة المعركة.

وتسائل عن الاصلاح هل هو مهمة فرد ام مجتمع ام مهمة امة؟.

وانتقل الحديث بعد ذلك الى صاحب الورقة النقاشية الدكتور انور الحيدري ليجيب باختصار شديد عن كل تساؤل طرح عليه خلال الحلقة النقاشية التي اقامها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية.

يذكر إن مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية احد المراكز التي تعنى بالأوضاع السياسية العالمية والمحلية من خلال استشراف وتحليل المواقف والأحداث بشكل مهني علمي بعيدا عن الحدية والتطرف والانحياز.

مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net 

اضف تعليق