"ما رأيتُ إلّا جميلاً"، هذه الجملة قيلت في ظروف حالكة عاشها اهل بيت النبوة بعد استشهاد الامام الحسين واصحابه صلوات الله عليهم في كربلاء يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، قالتها عقيلة الطالبيين في مجلس أعتى الطغاة يزيد بن معاوية لعنة الله عليه، حيث لخصت الرضا بكل قدر ومصير ينتهي اليه البشر...
"ما رأيتُ إلّا جميلاً"، هذه الجملة قيلت في ظروف حالكة عاشها اهل بيت النبوة بعد استشهاد الامام الحسين واصحابه صلوات الله عليهم في كربلاء يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة، قالتها عقيلة الطالبيين في مجلس أعتى الطغاة يزيد بن معاوية لعنة الله عليه، حيث لخصت الرضا بكل قدر ومصير ينتهي اليه البشر.
ولخصت أيضا الايمان المطلق من قبل السيدة والنسوة الاخريات الذين ذهبن الى الشام سبايا، فهل يُرى الجمال في المرارة والأسى؟
فعن أي جمال تتحدث السيدة زينب عليها السلام هنا؟، وهي تعيش أقسى واشد موقف بعد استشهاد رجالها على يد ظالم مارق، انتهك جميع الحرمات، وعاث في الأرض فسادا.
المقولة الخالدة للسيدة زينب عليها السلام تترد في اذهان كل من يحضر المجالس الحسينية لإحياء فاجعة عاشوراء، فمن يتجول في أروقة الازقة القديمة لمدينة كربلاء ومنطقة ما بين الحرمين الشريفين لا يرى الا الجمال على اتم صوره، فحقا ان المشاهد المتعددة التي تنتجها الليالي العاشورائية تصور الجمال بعينه.
عندما يدور الحديث عن فكرة الجمال في عاشوراء، ينبغي أن نستحضر في أذهاننا أن الأمر يختلف عن أي تفكير آخر لجهة تحديد المضمون والمعنى والمقصد من مسألة الجمال، وهنا يمكن ان يُرى الجمال في التناسق بين بعض الأشياء، التناسق الفريد بين جميع التفاصيل.
فتفصيلة نزول الأطراف ليلا الى الحرم المطهر لسيد الشهداء، تتناسق الى حد كبير مع التواجد الفطري والتعبير الحقيقي عن حجم الألم والمأساة التي يعيشها الموالون ويظهرونها الى العلن في العشرة الأولى من شهر المحرم، فيحدث التناغم بين اللطم والموقف الإنساني والايماني وذرف الدموع.
لقد حول المشاركون في المجالس والشعائر الحسينية مدينة كربلاء الى لوحة فنية عنوانها الوفاء لسيد الشهداء ومضمونها يردد مقولة كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء، فبهذا الخروج انهم يصرحون برفض المشاهد الدموية والفاجعة التي حلت بحق اهل بيت النبوة ومهبط الرسالة.
ومن التجليات الأخرى للجمال الكربلائي الذي يتجدد سنويا في عاشوراء، قول المشاركون ان ما جرى يوم عاشوراء لم يكن من صنع الله، بل من صنع الطغاة الذين مارسوا كل أدوار القباحة والعنف المتوحش، اما الذي أراد ان يثبت دعائمه هو ان الظلم مهما قويت اركانه لابد ان تهدم، وان الحق هو المتبع.
هذه العلاقة التكاملية والتبادلية المبنية على الايمان المطلق بنهج سيد الشهداء عليهم السلام، ونجاعته في تخليص البشرية من ظلم الظالمين، اذ يشكل هذا الامر حالة من حالات تجسيد الجمال الإلهي ومن ألطافه سبحانه وتعالى، التي تعبر عن إرادة الثبات، والوفاء، والبصيرة، والهداية في معرفة مصاديق الحق.
لا تجد مدينة في اصقاع المعمورة تحتضن ما تحتضنه مدينة كربلاء من فعاليات وممارسات طيلة شهري محرم الحرام وصفر الخير، فلا يمكن ان تستعد مدينة وعلى مدار الشهرين لتحضير ملايين وجبات الطعام، لتقديمها دون تمييز او معرفة للوافدين لإحياء المناسبة المليونية.
البيوت تفتح أبوابها امام القادمين دون قيد او شرط، يجتهد الأهالي في تنويع خدمتهم ولا يقتصرون على نوع معين حتى يصل بهم الامر الى توزيع الثياب على الزائرين وتوفير خدمات الاتصال المحلي والدولي بالنسبة للزائرين الأجانب، فهل يوجد أكثر من هذا الجمال؟
ومن صور البهاء والجمال الذي يعم بكثافة في هذه الأيام هو الالتزام بتأدية فرض الطاعة والوفاء لمن قدم نفسه واهل بيته وبذل مهجته من اجل إعلاء كلمة الحق ومحاربة الباطل ودحره، فتجليات هذا الجمال الثبات والإيمان وخلود القضية، وغيرها من الأمور التي لا بد أن يكون لها حضور.
ثمة شروط لتحقيق الجمال المتصل بالكمال والفضيلة، أولها الانغماس في عاشوراء بجميع ابعادها الإنساني والديني والاجتماعي، وثانيها الا يقتصر الالتزام على أيام او شهور معدودات ومن ثم العودة الى الوراء، بل على المجتمعات الانسانية أن تدخل إلى عاشوراء الشكل، والمضمون، والروح، والمعنى.
الدخول الى عاشوراء الروح والمعنى يأتي عن طريق التمسك بالولاية لأهل البيت عليهم السلام، وأن نسلك الدرب الذي سار عليه الشهداء والصديقون، ونسعى للتشبه بأصحاب الحسين عليه السلام، ليتجلى لنا بعض جمال عاشوراء، بل ليتحقق فينا بعضه.
اضف تعليق