خروج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء وإعلان الثورة الحسينية الخالدة أكد على مشاركة المرأة التي كانت الداعم الأساسي للمقاتلين، والتي مثلت المركز الإعلامي للثورة، وألغى الإمام فكرة المرأة الضعيفة التي كانت تدفن في الجاهلية القديمة.
فلولا مشاركة النساء في هذه الثورة، لما خلدت أحداث كربلاء، فأصبحت هذه المرأة الضعيفة رمزا للبطولات والدفاع عن حق الإمامة في وجه الظلم. فالحسين وأهل بيته (ع) قدموا أنفسهم وأهليهم في سبيل إعلاء كلمة (لا اله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله)، والنساء قدمن الرسالة الحسينية، وأعطين الدروس في الثورة، وتقديم الغالي والنفيس من أجل الحق وإعلاء كلمته.
أول هذه الأسماء الكريمة والعظيمة التي شاركت في واقعة الطف هي، زوجة زهير بن القين "دلهم" التي نقشت اسمها في سجلات التاريخ الإسلامي، يقول رجل من بني فزارة: (انني رجعت مع زهير بن القين "دلهم" من مكة متخذين طريق العراق، لكن كنا نتحاشى ملاقاة الحسين بن علي (ع) في أي مكان نزلناه، وقد عزمنا على أنه كلما تحرك الإمام الحسين (ع) نزلنا، وكلما نزل تحركنا، لكنه اتفق أن نزلنا متجاورين معه، وخيمتنا كانت بجانب خيمته. عندما كنا نتناول الطعام وصل فجأة رسول من الإمام (ع) فسلم علينا وقال: "يا زهير بن القين إن أبا عبد الله يريدك"، استولت عليَّ الحيرة عند سماعي لهذا الخبر، ولم أنتبه إلى اللقمة التي كانت بيدي كيف سقطت، أمَّا "دلهم" قالت لزهير: "ابن رسول الله يرسل في طلبك وأنت تتأسف في إجابته! سبحان الله ما المانع في أن تتشرف بلقائه وتسمع خطابه ثم تعود").
أثرت هذه المرأة في زوجها بكلامها وجعلت اسمه يسجل في سجل الشهداء والصالحين، وجعله هذا الموقف من عظماء التاريخ الإسلامي، فقرر زهير الذهاب إلى الإمام (ع) والتشرّف بملاقاته دون تردد، وتوقف وازدادت ارادته وحث زوجته (دلهم). فرجع إلى خيمته وأمر ببيعها مشترياً بذلك الإمام الحسين (ع) "الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور".
وأمّا زوجته فرجعت إلى أهلها بعد أن حصل هو على الشهادة إلى جانب إمامه. الأمر الآخر الذي رفع من قيمة هذه المرأة وشهد التاريخ لها به، ما جاء في كتاب تذكرة السبط وتاريخ الطبري قال ابن سعد صاحب (الطبقات الكبرى)، وايضا قال سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص)، وايضا كما ذكر في مقتل الإمام الحسين عليه السلام للأزدي: ص 74).
أنه حينما استشهد زهير قالت (دلهم) لغلامه اذهب وكفن سيدك، وعندما وصل الغلام رأى الإمام (ع) بدون كفن. فقال: أأكفن سيدي وأترك الإمام الحسين (ع) ملقى هكذا! والله لن أفعل هذا.
نستلهم من موقف هذه المرأة مدى تأثير كلام الزوجة على زوجها، وحثه على الجهاد ونصرة ابن بنت رسول الله (ص)، وعدم التردد ولو لحظة للدفاع عن الدين، وهذا ما نراه اليوم من نساء الحشد الشعبي وفقهم الله وجعلهم مع أنصار الإمام الحسين (ع) فهم أيضا يقدمون ازواجهم ويحثونهم على القتال ودفاعا عن المذهب، في كل زمان هنالك من يذكرك بواقعة عاشوراء وأفعالهم الحسنة من نساء واطفال. ليعيدوا أمجاد الطف، حيث أن هذه الزوجة الصالحة قامت في تحويل زوجها من شخص اموي الهوى إلى حسيني العشق.
فحثته على الذهاب فنهض مسرعا وما لبث أن عاد كذلك، حيث وطّن نفسه على الشهادة بين يدي الإمام (ع)، وعندما سمعت زوجته بذلك طلبت منه أن يشركها معه، إلا أنه رفض وذهب بمفرده ونال درجة الشهادة. وحظي جسده الشريف بمجاورة الامام الحسين (ع). هذه المرأة العظيمة هي زوجة الشهيد العظيم زهير بن القين، وقد كان كلامها حافزاً في نجاة زوجها من النار والتحاقه بالإمام الحسين (ع) وحصوله على الدرجات العالية في الجنة.
هذا الموقف يكشف عن دور الزوجة الصالحة ومالها من تأثير على هداية زوجها، الذي في الوقت نفسه هو توفيق إلهي تم على يدي الإمام الحسين (ع). هذه المرأة العظيمة هي زوجة الشهيد العظيم زهير بن القين "دلهم".
اضف تعليق