q
الإمام الحسين (ع) يجد في العزة والعيش بكرامة، هما الحياة الحقيقية، ولا يمكن ان يكون ذلك من دون إقامة العدل وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وأخذ حق المظلوم من الظالم والثورة على والفساد، وان قاد ذلك الى فقدان العيش، لأنه سيكون عيشا بائسا لا إثر له سوى النظرة الدونية المتأتية من السكوت عن الباطل...

حصر الله العزة بالنفس في الافراد المؤمنين من بعده والرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يمكن للمؤمن ان يكون غير عزيز، يحتفظ بكامل حقوقه ومكانته ذي الرفعة والجاه التي أرادها له الله، وعدم التعايش مع الظلم والظالمين، وقد جسد ذلك المبدأ جليا سيد الشهداء عليه السلام حيث قال: «إني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما».

في حديث الامام عليه السلام دعوة واضحة لا تقبل التأويل، مفادها ان الموت أهون بكثير مقابل العيش بذلة ومهانة، فالخالق لا يقبل ان يذل المؤمن بعد ان أكرمه بمكانة مرموقة، وبذلك لا يجب ان يكون الفرد غاطس بالمهانة على حساب المصالح الدنيوية الزائلة، فالطمع بحياة على هذه الشاكلة هو تحقير النفس واذلالها.

والرغبة بالعيش على أي صورة كان له نتائج وخيمة على الفرد، فقد يبقى طيلة حياته بعيد عن النهج الذي نشره الامام الحسين عليه السلام في كربلاء؛ لتكون النواة الأولى للانطلاق نحو البشرية، وهنا أيضا نلاحظ عزة النفس والإباء ظاهرة في حديث سبط النبي الاكرم صولت الله عليهم، ويبقى السؤال المطروح لماذا يقبل الانسان بالمهادنة او الصلح على حساب كرامته وسلب حقوقه المشروعة؟

وعندما يتعلق الامر بالعزة والكرامة لا يجب ان يكون الانسان متحيرا أي الطريقين يسلك، فمن يريد السير على نهج الامام عليه السلام الذي وضع اسسه الرصينة يوم عاشوراء، عليه ان يكون مستعدا للتضحية من اجل استرجاع حقوقه وكف الأذى الذي لحق فيه واهل بيته، وقد يخسر الفرد بتلك نزعة المقاومة حياته وجميع ممتلكاته واسرته، لكنه سيضمن لهم حياة كريمة عند رب رحيم هو من امر بأتباع طريق الحق والهداية.

الحسين عليه السلام مع الثلة القليلة من أصحابه ظهر يوم عاشوراء بصورة لا تعرف الخوف، بل على العكس تماما من ذلك، فقد ظهر بمظهر القوة وشديد البئس، رغم ان الأعداء يحيطون به من كل جانب، وينتظرون انقشاع الليل حتى تبدأ المعركة الخالدة بأذهان محبي الحرية والعزة، وبعد بزوغ الشمس دارت معركة الحق والباطل، معركة بين العدل والظلم، بين الجهل والنور، بين الكبرياء بحب الله والتقرب اليه وبين الخضوع وحب الدنيا الفانية.

لقد طلّق الامام الحسين بن بنت رسول الله الدنيا وزينتها الخداعة وقال ما مضمونه ان العيش مع هؤلاء القوم لا يقربني من الله شيء، نعم هذه الحقيقة الساطعة كالشمس في القيظ، فلم يكن ضعيفا بل كان قويا عندما اختار طريق الاعتداد بالنفس وترك الملذات الدنيوية التي تدخل من تمسك بها ولهث من أجلها طريق الغواية والظلالة والبعد عن جادة الصواب والنجاة.

وفي ذات السياق يقول امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام: «أكرم نفسك عن كلّ دنية فإنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا»، وهذا دليل آخر يكفي بأن يجعل الانسان نفسه بمنزلة الشيء الثمين، وبحسب امير الكلام وسيد البلغاء عليه السلام، ان النفس البشرية جوهرة ثمينة لا يمن استبدالها بأي شيء ولا يساويها شيء في الوجود، وقد وعد الله المؤمنين المضحين بأنفسهم واموالهم في سبيله بالجنة التي عرضها السماوات والأرض اعدت لمن يصطفيهم الله بفضل ومنة.

فالموت بمنظور الامام الحسين عليه السلام شعور بالسعادة وهو يدافع عن رسالة جده ويقومها من الاعوجاج الذي لحق بها، ولا يمكن لشخص من العامة ان يدرك فلسفلة الموت عند اهل البيت عليهم السلام، فهم يرون الموت خطوة تقربهم زلفة من الله وهم يدافعون عن حياض الشريعة الإسلامية، فلا يسعدهم غير الموت بالدفاع عن المظلومين والمحرومين، ومواصلة تضحية في سبيل مقاومة المستكبرين.

ووفق منطق الطف ومبادئه فلا يمكن ان تنجمع الحياة مع العز في العصور المظلمة، فالظالمين من الحكام لا يهنئون الا بقهر شعوبهم واذلالها، كما فعل يزيد بن معاوية بأهل الكوفة والمدينة، وهنا جاءت النهضة الحسينية لتضع اهم قوانينها التي جعلت العيش مع هؤلاء الشرذمة هو الموت بعينه ولا يمكن الركون اليه، فخرج خروجه المدوي الصارخ بهيهات منا الذلة، مفضلا الموت حسب المعايير المادية على الخلود المعنوي.

الإمام الحسين عليه السلام يجد في العزة والعيش بكرامة، هما الحياة الحقيقية، ولا يمكن ان يكون ذلك من دون إقامة العدل وإحقاق الحق وإزهاق الباطل وأخذ حق المظلوم من الظالم والثورة على والفساد، وان قاد ذلك الى فقدان العيش، لأنه سيكون عيشا بائسا لا إثر له سوى النظرة الدونية المتأتية من السكوت عن الباطل ومحاباة الظالم، وهو ما يتقاطع مع قول الامام عليه السلام: «إني لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما».

اضف تعليق