نهض الإمام الحسين (ع) ليبين زيف (الإسلام المزيف) الذي أتى به معاوية ويزيد بن معاوية، فالإمام الحسين (ع) نهض بحركته المقدسة لتأكيد حقيقة تحرير الإنسان ومسؤوليته وانه لم يخلق عبثا، بل هناك مسؤولية وهدف ورسالة في العبودية لله وحده، وكشف حقيقة وزيف الحاكم المستبد الذي يريد أن يشارك الله...
ما هي العلاقة بين الحرية والدين وكيف نفهم الحرية في إطار الدين؟ وهل يصح الاستبداد باسم الدين، وكيف نميز بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف؟ وما هو دور النهضة الحسينية في تحرير الإنسان؟ وكيف انبثق مفهوم الحرية من هذه النهضة؟ وكيف نظر الإمام الحسين (عليه السلام) إلى الحرية من خلال اختياره الموت؟ وما هو ارتباط مفهوم الاستعباد بحب الدنيا واختيار الحياة؟ وكيف تؤدي الحرية في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) إلى التغيير الاجتماعي؟
كيف نفهم الحرية في إطار الدين؟
الحرية تنبع من الأصول العقائدية عندنا، باعتبار أن الإنسان مكلف تكليفا شرعيا، وهذا التكليف لابد ان يكون فيه الإنسان حرا، حتى يؤدي تكليفه ويتحمل مسؤولية أفعاله، واذا لم يكن حرا فمعنى هذا أنه شخص غير مسؤول ولا يتحمل وزر أعماله والعواقب التي تأتي من خلال أفعاله.
لذلك نستطيع أن نعتبر الحرية من الأصول العقائدية النابعة من التوحيد والعدل والمعاد، وكما في القاعدة في علم الأصول (قبح العقاب بلا بيان)، وقد قال الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم: (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/15، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) القصص/59، فالإنسان حر في الاختيار وافعاله تنبع من ارادته الحرة، وقد تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة/256، (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) يونس/99.
ولابد من رفع الإكراه عن الإنسان، حتى يكون حرا في إرادته واختياره ومسؤولا في أفعاله، فمن صميم الدين أن لا يكون الإنسان مجبورا كما في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين).
الاستبداد باسم الدين
هناك بعض الأنظمة المستبدة المتسلطة التي تمارس الاكراه وتقمع حرية التعبير، تستخدم الدين كوسيلة لإضفاء الشرعية على سلوكياتها، وبالنتيجة يسلبون الحرية وينفونها من الإنسان، وهذا هو أسوأ أنواع الاستبداد.
إنكار الحرية يعني مشاركة عبودية الإنسان لغير الله تعالى أيضا، وهو أمر يؤدي الى الشرك فالعبودية لله تعالى وحده. وأصل التوحيد يؤكد ان عبودية الإنسان لله وحده وانه يتساوى مع الآخرين أمام الباري تعالى، فقول البعض بعدم حرية الإنسان هو قول يؤدي بالنتيجة إلى عبودية الإنسان لغير الله. والقول بعدم الحرية يعني القول بالجبر وسلب قدرة الإنسان على الاختيار. وعبثية خلق الإنسان وعدم تحقق الغاية من وجوده. وانتفاء الغاية من بعث الرسل والأنبياء ووجود الأئمة.
وقد تحدّث سماحة المرجع السيد صادق الشيرازي (دام ظله) في كلماته عن هذا الموضوع، وضرورة ان نميز بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف.
الإسلام الحقيقي هو الإسلام الذي جاء لتحرير الإنسان (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) الأعراف/157، وهذه هي رسالة الأنبياء، وهذا هو الإسلام الحقيقي، في حين أن الأنظمة المستبدة تحاول أن تصنع إسلاما مزيفا ليس فيه حرية، ويمكنكم ملاحظة ذلك بشكل واضح في قضية معاوية، فهو يريد ان يحكم ويتأمر فحسب رغم أنه ليس بحاكم شرعي، بل استولى على الحكم بالقوة والخديعة والاحتيال والدهاء والاغراء.
لذلك حاول أن يجعل من نفسه حاكما شرعيا، عن طريق ابتداع المذاهب التي تؤيد طريقته، من خلال نفي الحرية، وان الناس مجبورون على افعالهم وأنه خليفة الله بقانون الغلبة وعقيدة الجبرية، حيث قال: (ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، وقد أعرف أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون)، فهو اخترع الجبرية والمرجئة لشرعنة حكمه المفسد والفاسد، حيث يكون كل فرد مجبورا على أفعاله السيئة وليس مسؤولا عنها، وهذا هو من أسوء أنواع الاستبداد الذي يُشرعَن من خلال تزييف العقيدة.
نلاحظ أن كثيرا من الحكام يمارسون قمع الحريات والتعذيب ومنع حرية الرأي، كذلك منع حرية الشعائر الدينية والحسينية باسم الدين، وهذا بالنتيجة انتهاك لأصل الدين، وهو استبداد وخلاف لجوهر الدين الذي جاء من اجل حرية الإنسان.
لقد نهض الإمام الحسين (عليه السلام) ليبين زيف (الإسلام المزيف) الذي أتى به معاوية ويزيد بن معاوية، فالإمام الحسين (عليه السلام) نهض بحركته المقدسة لتأكيد حقيقة تحرير الإنسان ومسؤوليته وانه لم يخلق عبثا، بل هناك مسؤولية وهدف ورسالة في العبودية لله وحده، وكشف حقيقة وزيف الحاكم المستبد الذي يريد أن يشارك الله في ملكه، ويستحوذ على الحكم بالقوة ويستفرد بالعبودية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) النازعات/24.
إنه يحاول ان يحل محل الله ليتحكم بالبشر ودمائهم وأموالهم، ويسيطر عليهم، وهذا دمار، لذلك كان الإمام الحسين (عليه السلام) نهضة الحرية في مقاومة الاستعباد الذي كان يريد به الطغاة أن يستعبدوا الناس.
دور النهضة الحسينية في تحرير الإنسان
كان دور الإمام الحسين (عليه السلام) استمرارا لدور الأنبياء (عليهم السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله) الإمام علي (عليه السلام) وتكميلا لهم (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)، في تحرير الإنسان وفتح طريقه في الحياة، ليتحمل مسؤوليته. فنهضة الامام الحسين كانت تهدف الى تحرير الانسان من مكبلات الاغلال، الجهل الخوف والتضليل والاستعباد الذاتي عبر تحريك العقل وتعويده على التفكير بحرية واستقلال والخروج من دائرة الانغلاق اللاشعوري الذي يكبله بقيود الرعب والخوف والقلق.
وأوضح ذلك الإمام الحسين (عليه السلام) بكلمته في خطاب عاشوراء: (ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تؤمنون بالمعاد فكونوا أحرارا في دنياكم)، فالإنسان قيمته توزن بالكرامة، والكرامة نعمة الله سبحانه كرمه بها من خلال العقل، وحرية الاختيار، والإرادة الحرة. الحرية والكرامة متلازمتان فلا يمكن تصور الانسان بلا حرية.
في البحث عن الحرية الذاتية للإنسان، فإنها تتحقق بأن يتنعّم بالحرية ويمارسها، ولكن هناك من يضع حواجز أمام حرية الإنسان، ويسجنه في سجن كبير من العبودية التي يريد من خلالها الهيمنة على الإنسان واستعباده. هذه القيود ليست قيود الحاكم الظالم فقط، بل هي قيود الإنسان نفسه، كالقيود النفسية (إصرهم والأغلال)، الآصار هي الآثام والذنوب وان الأغلال هي الأهواء والشهوات، وهذه الأمور تؤدي الى عبودية الإنسان لغير الله سبحانه وتعالى، فالإنسان يصبح عبدا لغير لله سبحانه عندما يكون عبدا لشهواته ولغرائزه واهوائه وحبه للدنيا والمال.
أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يقول للناس، إذا كنتم لا تؤمنون بالمعاد ولا ترون أن هناك حسابا وعقابا في الآخرة، فعلى الأقل كونوا أحرارا وأصحاب كرامة، ولا تكونوا عبيدا للدنيا والمال، لان هذه الأمور من أرذل الأشياء، ومن المعيب حقا أن يكون الإنسان عبدا لشهواته وللمال والدنيا وعبدا للحاكم. لأن قيمتكم الحقيقية تكمن في ان تكونوا أحرارا. وهذه من أعظم الخطابات التي يجب أن نفهمها بعمق، حتى ندرك معنى حياتنا، فهذا المعنى العميق لـ (كونوا أحرارا...)، للتعبير عن كيف يعيش كل واحد منا في حياته من غير أن يكون عبدا لكل هذه القيود المادية وتلك التي يغرق فيها بمستنقع الشهوات والذنوب والمعاصي.
الحرية من خلال اختيار الموت
إن مفهوم الحياة والموت مهم جدا في تحديد مسيرة الانسان ومصيره، وكيف ينظر إليهما بعض الناس، فهناك من ينظر للحياة ويعيشها لكي يأكل ويشرب، وهذه نظرة سطحية عبثية، لأن الحياة اكبر من ان نعيشها من أجل الأكل والشرب واللذة والمنفعة، لكن القيمة الأعظم والغاية الكبرى هو وجوده المعنوي، لذلك لا قيمة للإنسان الذي يكون عبدا للمعاصي والشهوات والدنيا المادية.
هناك من ينظر للحياة بشكل مادي فقط، وهذا للأسف الشديد من الأمور التي نلاحظها في الحياة المادية التي يعيشها معظم البشر، فهناك تضخم كبير في عالم الماديات والاستهلاك والانغماس في مستنقع الشهوات والغرائز، وهذا ما جعل من الإنسان متضائلا ولا قيمة له، لأن القيمة المعنوية تكمن في عقله وحريته واختياره وسمو ذات الإنسان التي توصله بالسماء.
نكتشف المعني العميق للغايات الوجودية في قول الإمام الحسين (عليه السلام) في خطاب عاشوراء: (ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون)، فالحق الذي لا يُعمل به، هو اختلال كبير للتوازن الكوني، والباطل الذي يصبح حالة طبيعية في المجتمع، تدمير للحياة بكل معنى الكلمة، وتدمير للأخلاق والانسجام الطبيعي، فموت لكل شيء جميل في الحياة.
فالحق هو الطريق الصحيح الذي لابد ان نسير عليه، حتى نعيش حياة صالحة في إطار التوازن الكوني، كما في القرآن الكريم: (اهدنا الصراط المستقيم)، الصراط المستقيم هو الحق حيث يجعلنا نسير في ذلك الصراط الذي يقودنا نحو الحياة الصحيحة والسليمة والصالحة، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا.
لذا يجب على الإنسان أن لا يقع في حبائل الشيطان، فالمذلة نهايتها سوداء، لابد للإنسان ان يعيش الحياة الحق، وهذا خيار الإنسان، وحريته واختياره ليعيش حياة الحق باختياره، فالشيطان يأتي للإنسان بأشكال وأساليب كثيرة تجملها الاهواء مثل (الغاية تبرر الوسيلة)، فيقول الإنسان لنفسه أعصي ثم أتوب، ولكنه لا يتوب لأنها دوامة لن تنتهي.
لكن الإنسان أقوى من الشيطان عندما يتمسك بالحق، لكنه حين يخرج عن الحق وينحرف فسوف يقع في حبائل الشيطان، كما في الآية الشريفة: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) النساء/76.
لذلك يقول الإمام الحسين (عليه السلام) (إني لا أرى الموت إلا سعادة) لأنه في طريق الحق (والحياة مع الظالمين إلا برما)، فالإمام يعتبر الحياة التي تكون تحت ظل الظالمين مهانة، فهذه ليست حياة بل ذل وهزيمة للإنسان وقيمه، لكن الحياة التي يكون فيها الإنسان حرا، ويعمل في إطار الحق، فهذه هي الحياة الصحيحة، كذلك فإن الموت الذي يأتي في إطار الحق والحرية والطريق الإلهي، يعتبر حياة وليس موتا.
قال الإمام علي (عليه السلام) في أيام حرب صفين: (فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين)، فالانتصار الحقيقي هو أن يحقق الإنسان قيمته ووجوده وكرامته وحريته وذاتيته، أما الإنسان الذي يريد أن يبقى في الذل، فهو بالنتيجة ميت، وهذا هو معنى الموت حيث يكون مستعبدا في الدنيا قد بدد قيمته وضيعها.
ارتباط مفهوم الاستعباد بحب الدنيا
يمكن للإنسان أن يكون حرا حتى لو مات، ولكن إذا كان حيا ويعيش الاستعباد فهو ميت، لقد ركّز الإمام الحسين (عليه السلام) على هذه القضية، فلا حياة بالعبودية بل الحياة بالحرية، فالعبودية موت وإن كانت حياة، والحرية حياة وإن كانت موتا، يقول الإمام الحسين (إني لا أرى الموت إلا سعادة).
ثم يُكمل ويقول (إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما دارت معايشهم).
إن عبودية الدنيا هي سبب كل المآسي، إذ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (رأس كل خطيئة حب الدنيا)، ويقول الإمام الحسين (عليه السلام) في كلامه الحق: (ألا ترون ان الحق لا يُعمل به وان الباطل لا يُتناهى عنه؟) حتى يصل إلى هذه المرتبة، فالناس عبيد الدنيا وهم يرضخون الى عبودية الدنيا وحبها، حتى يصبح العالم باطلا، وهذا خلاف التوازن والنظام الالهي.
لذلك لابد للإنسان أن يجعل من الدنيا وسيلة لحياته، وان يكون حرا وغير راضخ ولا خانع لمعاصي الدنيا ولذّاتها ومنافعها، وقد حاول بعض الفلاسفة أن يفسروا قيمة حياة الإنسان بأنها تكمن في النفع واللذة وامتاع الغريزة واللذة والنفع، وهذا من أسوأ التفسيرات وأكثرها ضحالة وسطحية.
فكيف للإنسان أن يعيش في الدنيا متلذذا بعبث لا سيطرة له على غرائزه، حيث قال الامام علي (عليه السلام) (أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة وباب كل بلية وقران كل فتنة وداعي كل رزية)، لاحظوا الكوارث والمصائب التي نعيشها اليوم والتي عاشتها البشرية على طول التأريخ، كله بسبب التكالب على الدنيا بأي ثمن كان.
إن هذا الاستهلاك والتكالب على الدنيا غير معقول، إنه ضرب لكل القيم الأخلاقية وتدمير للبشرية، فالمصائب والكوارث الهائلة والفيضانات والحرائق كلها نتيجة لأفعال الناس، والفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس.
ثمن الانسان
نحن لا نريد أن نعيش في هكذا عالم، إنه خطأ في التفكير، والفساد مشكلة خطيرة، فما هي قيمة الإنسان في الحياة، عندما نتكلم عن الحرية والكرامة، يقول الإمام علي (عليه السلام): (أَلَا حُرٌّ يَدَعُ هَذِهِ اللُّمَاظَةَ لِأَهْلِهَا إِنَّهُ لَيْسَ لِأَنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا)، اللماظة تعني بقايا الطعام التي تبقى في الفم بين الأسنان، أو على الفم، هناك بعض الناس يتكالبون على هذه اللماظة الصغيرة وهي الدنيا، فيتشاجرون عليها ويصبحون عبيدا يبيعون أنفسهم من اجلها التي ليس لها أي قيمة.
ليس هناك ثمن للإنسان إلا في شيء واحد، وهو الجنة، وإذا أردنا التفكير بمنطق التجارة، فهناك بعض الناس يبيع نفسه من اجل مئة أو عشرة أو عشرين دولارا، وهو مستعد أن يقتل إنسانا من اجل مئتيّ دولار، أو يسرق أو يصبح عبدا للحاكم من أجل أن يحصل على بعض الامتيازات، أو ذلك السياسي الذي يركض وراء الحكم من اجل الامتيازات، فيبيع نفسه بثمن بخس.
لكن هذه ليست قيمة الإنسان، إن قيمته الجنة، وإذا أدرك الإنسان هذا المعنى في الحياة والموت كما قال الإمام الحسين (عليه السلام)، فلابد انه سيعرف قيمة نفسه وحريته ولا يبيع نفسه بأموال بخسة أو بأشياء بسيطة.
يجب أن يكون للإنسان مواقف واختيارات صحيحة، ولا يركض أو يلهث وراء الأشياء اللماعة والبراقة، فينخدع بها وهي من حبائل الشيطان، فضع قيمة واحدة لنفسك، ألا وهي الجنة، وحينئذ ستربح كل شيء.
الحرية والتغيير الاجتماعي
الحرية تبدأ من التحول الاجتماعي والتخلص من عبودية المادة والسلطة والقابلية للاستبداد والعنف والأعراف السيئة، وذلك عبر تغيير منهجية العيش والتعامل مع مفهوم الحياة.
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحريص أسير مهانة لا يفك أسره، عبد المطامع مسترق وكل طامع أسير، لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حرا، لا تكونوا عبيد الأهواء والمطامع، عبد الشهوة أسير لا ينفك أسره، مغلوب الهوى دائم الشقاء مؤبد الرق).
المجتمع الصحيح هو مجتمع الأحرار المفكرين العقلاء المتقين، فالتقوى والسعادة يرتبطان بالعقل المتقي الورع، والمجتمع الذي يحرز هذه الصفات، ويذهب نحو الحرية، هو مجتمع قادر على التغيير، لذلك نحتاج في قضية الإمام الحسين (عليه السلام) إلى ان نحقق هذه المفاهيم، حتى نحقق التغيير الاجتماعي، فالمجتمع يعاني من التخلف، لأنه طامع وحب الأهواء والدنيا والشهوات مسيطرة عليه، لنتصور إذا كان هناك أخوة يتصارعون على الإرث من اجل الدنيا، وتنقطع أرحامهم ويختلفون إلى ابعد حد من اجل الأموال، فإن هؤلاء حريصون على الدنيا وهم رقيق للدنيا.
كذلك هؤلاء الفاسدون الذين يسرقون المال العام، أموال الناس، والمرتشون، هؤلاء كلهم عبيد ورقيق للدنيا والشهوات، إنهم في رقّ مؤبد، لذلك جاء الإمام الحسين (عليه السلام) من اجل الوقوف أمام هذه العبودية، فإذا نحن مشينا في طريق الإمام الحسين (عليه السلام)، طريق الحياة الحقيقة، فهذا هو طريق السعادة والتغيير الاجتماعي الصالح السليم الذي يربي أولادنا تربية سليمة على المال الحلال.
المال الحرام دمار للإنسان ويسلب كل شيء جميل داخل الإنسان، ويدمر كل القيم الأخلاقية والمعنوية، فيشعر الإنسان بالحقارة والاستحقار في ذاته، لذلك نحن نحتاج أن نربي أولادنا ومجتمعنا على المال الحلال، والشعور بالقرب من الله سبحانه، والتقوى وعدم الانجراف وراء العبودية المادية.
هذه هي التربية الحسينية التي نحتاجها كثيرا في حياتنا، والتي يجب أن نربي عليها أجيالنا تربية صحيحة، لكن اليوم يربي بعض الناس أولادهم على المال الحرام، فالابن يخرج سارقا مجرما مستبدا مستعبدا، وهذا أمر خطير، فلابد ان نستلهم النهضة الحسينية، ونبحث عن تلك الرؤى الصالحة على طريق الحق والحرية، فنكون متنعمين بالحرية الحسينية التي تعطينا الخير والبركة والهناء.
اضف تعليق