برغم ضعفها كأنثى وهول المنظر ومآسي الحرب لم تهن أو تضعف بل بالعكس استطاعت ان تتفقد النساء والاطفال وتعيد روعة النفس لمن هزه المنظر وكارثة الفعل، أثبتت في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها، أبدت تجلّداً وصبراً قياسيّاً...
هي زينب بنت النبي المؤتمن...هي زينب أم المصائب والمحن
هي بنت حيدرة الوصي وفاطم...وهي الشقيقة للحسين والحسن
هي الحوراء زينب بنت الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الملقبة بـزينب الكُبرى، ولدت بالمدينة المنورة سنة 5 هجرية وفاتها في 62 هجرية بدمشق -ثالث أولاد فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد بن عبد الله (ص) وكبرى بنتيهما والأخت الشقيقة للسبطين الحسن والحسين عليهما السلام، إحدى الشخصيات المهمة عند المسلمين قال فيها ابن أخيها علي بن الحسين (ياعمة... أنتِ بحمد الله عالِمة غير معلّمة وفهمه غير مفهمة).
في المصادر التاريخية وعلى لسان بعض الخطباء والمؤلفين بالعقيلة يقول ابو الفرج الاصفهاني: العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة عليها السلام في فدك فقال حدثتنا عقيلتنا زينب بنت علي، وللعقيلة معاني عديدة في اللغة فمنها المرأة الكريمة، النفيسة، والمخدُرة وفي لسان العرب لابن منظور: عقيلة القوم سيدهم وعقيلة كل شيء أكرمه كما يقول الفيروز آبادي في قاموس المحيط هي الكريمة من النساء.
كما انتشر عدد من الالقاب لزينب منها زينب الكبرى للفرق بينها وبين من سميت باسمها من اخواتها وكنيت بكنيتها، الحوراء، ام المصائب وسميت بهذا الاسم لأنها شاهدت مصيبة وفاة جدها نبي الرحمة محمد بن عبد الله (ص) ووفاة والدتها فاطمة الزهراء ومصيبة قتل والدها علي بن ابي طالب ومصيبة شهادة اخيها الحسن بالسم والمصيبة الكبرى قتل اخويها الحسين والعباس عليهما السلام من مبتدئاها الى منتهاها وقتل ولداها عون ومحمد مع خالهما امام عيناها وكذلك سميت الغريبة العالمة غير المعلمة، الطاهرة، السيدة.
هنالك حقائق مغيبة تكمن في ان خروج السيدة زينب مع اخيها الحسين عليه السلام لم يكن وليد اللحظة التي انطلقت بها القافلة بل ان الاعداد لتلك المصاحبة كان مخطط له في وقت سابق، يتضح ذلك في اشتراط الامام أمير المؤمنين عليه السلام على عبد اللّه بن جعفر عندما تقدم لخطبتها بالسماح لها بالخروج مع اخيها الحسين لنلمس من ذلك الموقف بل نتيقن بان هنالك اعداد وتهيأة مسبقة للسيدة زينب عليها السلام لأداء مهام وادوار مهمة في كربلاء، ينحصر بما يلي:
أولا- قوة الصبر:
على هول المعركة من استشهاد الأحبة (أخوة، اولاد، اصحاب، اطفال) كمنت بقوة الارادة وشجاعة القلب وعقلية التدبير ورباطة الجأش في مثل هذه المواقف الصعبة والأليمة التي يعيش لحظاتها الانسان بين شهيد محزوز الرأس واخر عطشان وامرأة ثكلى تندب أخيها أو زوجها أو بنيها أو خوف يعتريها من هجوم محتمل من العدو، كما حدث بعد نهاية الثورة وهجومهم على الحرم وحرق الخيم والرعب الذي احدثوه في قلوب الجميع.
برغم ضعفها كأنثى وهول المنظر ومآسي الحرب لم تهن أو تضعف بل بالعكس استطاعت ان تتفقد النساء والاطفال وتعيد روعة النفس لمن هزه المنظر وكارثة الفعل، أثبتت في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها، أبدت تجلّداً وصبراً قياسيّاً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب، وإلّا كيف استطاعت أن تنظر إلى أخيها الحسين ممزّق الأشلاء يسبح في بُرْكة من الدماء، وحوله بقيّة رجالات وشباب أسرتها من أخوتها وأبناء إخوتها وأبناء عمومتها وأبنائها، ثمّ تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها، لتقول كلمة لا يقولها الإنسان إلّا في حالة التأنّي والثبات والاطمئنان: «اللّهمّ تَقَبَّل مِنَّا هَذَا القليل من القربان».
وأكثر من ذلك فهي تصبّر ابن أخيها الإمام زين العابدين حينما رأتْه مضطرباً بالغ التأثّر عند مروره على جثث القتلى، ويعبّر الشيخ النقدي عن فظيع مصائب السيّدة زينب وعظيم تحمّلها لها بقوله وبالجملة فإنّ مصائب هذه الحرّة الطاهرة زادت على مصائب أخيها الحسين الشهيد أضعافاً مضاعفة، فإنّها شاركته في جميع مصائبه وانفردت عنه بالمصائب التي رأتها بعد قتله من النَهْب والسَلب والضرب وحرق الخيام، والأَسْر، وشَمَاتة الأعداء. أمّا القتل فإنّ الحسين قُتل ومضى شهيداً إلى روح وريحان، وجنّة ورضوان، وهي في كلّ لحظة من لحظاتها تُقْتَل قَتْلاً معنويّاً بين أولئك الظالمين، وتذري دماء القلب من جفونها القريحة، وأيّ مستوى من الصبر عندها حينما تصف ما رأته من مصائب بأنّه شيء جميل: « والله ما رأيتُ إلّا جميلاً » ردّاً على سؤال ابن زياد لها كيف رأيتِ صُنْع الله بأخيك؟
ثانيا - الجانب المعنوي من خلال:
1- موقفها الداعم للإمام الحسين عليه السلام ليلة العاشر من محرم وهي تستشف موقف الاصحاب ليلة المعركة.
2- دعم الإمام الحسين عليه السلام عند استشهاد أهل بيته.
3- مواجهة قيادات جيش العدو.
4- المحافظة على النساء والأطفال.
5- حماية حجّة الله على أرضه (علي بن الحسين السجاد عليه السلام عندما هم يزيد بقتله).
6- المحافظة على القيم والأخلاق.
ثالثا– الدور الاعلامي:
المرحلة الأُولى: مرحلة الإعلام في الأوقات والأيام التي كانت قبل المعركة، أو بعدها بقليل؛ حيث كان لها حديث في ليلة ويوم عاشوراء، وكذلك في أثناء المعركة، وفي ليلة الحادي عشر، ويوم الحادي عشر، عندما بدأوا المسير باتجاه الكوفة، وكان حديثها يرتكز بصورة مباشرة على إثارة المشاعر والعواطف في الأشخاص الذين اشتركوا في المعركة، وقد مرّت بعض النصوص الدالة على ذلك، ثمّ حديثها يوم الحادي عشر، عندما أرادت توديع الحسين عليه السلام، فعن قرّة بن قيس التميمي، قال: «... فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة، حين مرّت بأخيها الحسين صريعاً، وهي تقول: يا محمداه، يا محمداه، صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعرا، مرمّل بالدما، مقطّع الأعضا، يا محمداه، وبناتك سبايا، وذريّتك مقتّلة، تسفى عليها الصبا. قال: فأبكت ـ والله ـ كلّ عدوٍ وصديق»، فالقضية هنا وإن كانت قضية التقرّب إلى الله والعلاقة به، فإنّه مع ذلك كلّه نجد أنّ حديثها سلام الله عليها يدور حول إثارة المشاعر والعواطف الخيّرة التي أودعها الله (سبحانه وتعالى) في فطرة الإنسان، وإيقاظ الضمائر، وتغيير الواقع النفسي والروحي الذي كان عليه أولئك الناس. وهي وإن لم تحقّق هذا الهدف أثناء المعركة، أو في ظروفها القريبة، ولكن كان لهذه المرحلة الأثر الكبير في التغييرات الروحية والنفسية القتالية فيما بعد. يمكن لنا اجمال الدور الاعلامي الكبير الذي قامت به الحوراء:
1. كشفت للناس ارتباطهم بالنبي صلى الله عليه واله وسلم وقرابتهم منه، الأمر الذي تستّر عليه يزيد والأُمويون، والذي أدّى إلى تغيّر الوضع السياسي حتّى في مجلس يزيد نفسه؛ مما اضطرّه إلى اتّخاذ موقف آخر، وهو تخفيف الضغط عن أهل البيت عليهم السلام، وإظهار الندم.
2. توضيح الأهداف الرئيسة للنهضة الحسينية:-
اولا - لم تكن من أجل المصالح الخاصّة أو الصراعات القبلية،
ثانيا - أو من أجل الحكم والسلطة،
ثالثا - أو من أجل المكاسب المادّية.
إلى غير ذلك ممّا قد يتوهّمه البعض، وإنّما كانت من أجل الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أجل إقامة الحقّ، إلى غير ذلك من المضامين؛ ولذلك نجد العقيلة تتحدّث عن هذا الجانب في مجلس يزيد، فتقول: «اللّهمّ، خذ بحقّنا، وانتقم من ظالمنا، واحلُل غضبك بمَن سفك دماءنا، ونقض ذمامنا، وقتل حماتنا، وهتك عنّا سدولنا... بعد أن تركت عيون المسلمين به عبرى، وصدورهم عند ذكره حرّى، فتلك قلوب قاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوّة بسخط الله، ولعنة الرسول، قد عشّش فيه الشيطان وفرّخ... فالعجب كلّ العجب لقتل الأتقياء، وأسباط الأنبياء، وسليل الأوصياء، بأيدي الطلقاء الخبيثة، ونسل العهرة الفجرة...».
3. طرح قضية المظلومية بدور متميز في ذلك فالمرأة عندما تطرح قضية المظلومية يكون تأثيرها أكثر من الرجل؛ لأنّ المجتمع ينظر إليها على أنّها كائن ضعيف رقيق، فيكون تأثير أكبر في النفوس:-
اولا- تحريك الضمائر.
ثانيا - هزّ المشاعر.
ثالثا - إثارة العواطف.
4. قضية الأمل والمستقبل وأن النصر والعاقبة سيكونان حليفين للنهضة الحسينية، وهذا ما أكّدته في خطابها ليزيد، حيث تقول: «...فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تُميت وحينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها، وهل رأيك إلّا فند، وأيّامك إلّا عدد، وجمعك إلّا بدد، يوم يناد المناد أَلا لعنة الله على الظالمين».
سلام الله عليك سيدتي يوم ولادتك ويوم موتك ويوم تبعثين حيا.
اضف تعليق