إذا تمسكنا بمنهج الحسين (ع)، وأعني الجميع من دون استثناء، فإننا نكون قد أوقفنا عجلات العنف، وسمحنا للنقيض بتنظيم حياتنا وعلاقاتنا، وهو ما نحتاجه اليوم كعراقيين وعرب ومسلمين، فلنجعل هذا الاستذكار الحسيني السنوي حافزا لتغيير تفكيرنا وعلاقاتنا، ولنحدّ من العنف وليكن اللاعنف الذي يمثل (جوهر الفكر الحسيني)، هو ثمرة السلم...
كثيرون يسألون ما الجدوى من إعادة استذكار واقعة الطف سنويا، ويزعمون ويدعمون تساؤلهم هذا بأن ما حدث للحسين (ع) بات من الماضي، ويؤكدون على أن مرور (1400) سنة على واقعة الطف تكفي (لنسيانها)، وأن استعادة تلك الواقعة لا مبرر لها، وكأنهم يسعون لإخماد شواهد التاريخ، وإطفاء ضوء الحقيقة، ولا يبالون بما ينتج عن التعتيم القسري لحقائق التاريخ.
وبدلا من الوقوف إلى جانب الحق، وتسليط الضوء على حقائق الصراع بين الحق والباطل، يوغل بعضهم في تعنته ودعواته إلى إهمال الماضي، والقفز من فوقه كي (نعيش بسلام)، وهذه في الحقيقة دعوة فيها الكثير من المغالطات، لسبب بسيط و واضح نستخلصه من تعامل الحسين (ع) مع أعدائه، حين أظهر لهم (قولا و فعلا) بأن طريق السلام واللاعنف منهج لا يتخلى عنه.
شواهد كثيرة دلَّت على أن الإمام الحسين سقى جياد معسكر الأعداء، حين حاصرتهم الصحراء وشحّ عليهم الماء، وكثيرون أكدوا على أن الحسين كان يرفع يديه إلى السماء (وسط احتدام المعركة)، ويدعو الله لهداية الطرف الآخر والعفو عنهم وهم أعداؤه!!، بهذا التفكير وهذه النيّة واجه الإمام الحسين من كان يريد به وبذويه وصحبه شرّا، فكان منهج اللاعنف عنوانا ساطعا للفعل والفكر الحسيني.
فيما ورد في أعلاه إجابة لمن يتساءل عن فائدة استذكار الطف، وما حدث فيها من تجنٍّ واعتداء ظالم على سبط الرسول محمد (ص) وأهله وأصحابه الخلّص، فرغم كل ما بدر من ظلم وعنف من الطرف الذي استهتر بحرمة امتداد الرسول (ص)، كانت راية السلام الحسيني عالية، وكان اللاعنف منهجا لا رجوع عنه.
درس بليغ في مدرسة الحسين (ع)
هذا هو الدرس البليغ الذي يجب أن نتعلمه في مدرسة الحسين (ع)، وهو درس واحد من بين دروس كثيرة يحتاجها المسلمون القاطنون في جميع أصقاع العالم، سواء كانوا يعشون في دولهم أو في مهاجرهم بالدول الأخرى، إنه درس عميق يفرض علينا التخلي عن التعامل العنيف في جميع تعاملاتنا.
وهذا يعني بالضرورة أن نبحث عن بدائل للعنف بكل أشكاله، فطالما أننا نتحرك ونسعى ونعمل لكي نعيش ونطور حيتنا، فهذا يعني أننا لن نخرج عن دائرة الصراع حول المصالح والمنافع، حتى المشروعة منها، وكثيرا ما يتسبب ذلك في تأجيج العنف فيما بيننا، مما يؤدي إلى إشعال فتيل الكراهية والظلم، والنتيجة ستكون استمرار مسلسل العنف تحت حجج واهية.
نحتاج للفكر الحسيني كونه قائم على نبذ العنف بكل أشكاله، ويدعو لحلّ النزاعات الصغير والكبيرة، الفردية والجماعية، وفق اللاعنف الذي يضمن حقوق الجميع، والبديل الأنجع هنا هو الحوار والتفاهمات، بعيدا عن التصادمات المتسرعة العنيفة، فهذا الأسلوب لن يصل بنا إلى المرفأ الصحيح، لذلك ليس أمامنا سوى نشر هذا المنهج والتمسك بفحوى الفكر الحسيني جملة وتفصيلا.
استذكار عاشوراء يعني استذكارا لثقافة اللاعنف، وترويجا لها، لاسيما أن جميع مفاصل حياتنا باتت مهدّدة بأشكال متنوعة وخطيرة من العنف، ففي المجتمع الواحد هنالك عنف متعدد الأهداف والأحجام، في المدارس يستشري العنف، لم نتخلص بعد من المعلم القاسي، كما أننا نعاني من الأب المتسلط القاسي، والمسؤول المتحجّر القلب، الخالي من الضمير!!
حتى لا يستمر منهج الطغيان
كل هذه الشواهد تدل على أننا نحتاج إلى الفكر الحسيني بقوة، ونحتاج إلى تهذيب أنفسنا ومجتمعاتنا من الجلف والقسوة والخشونة، بل نحن في حاجة قصوى إلى الضمير الحي والقلب الخاشع، واللسان المهذّب، كل هذا لن نحصل عليه إذا تنكّرنا لماضينا العنيف، يجب فضح تلك الأساليب التي لم تبال بحرمة أبناء الرسول (ص)، ولم تتردد لحظة عن استعمال العنف المفرط ضدّهم.
نحن في عالم اليوم بحاجة إلى السلم، وهو في صلب الفكر الحسيني، ونحتاج إلى العفو وهو لبّ المنهج الحسيني، ونسعى كي نعيش في سلام ووئام وهذه هي الدعوة الصريحة للإمام الحسين، فكيف يمكننا ذلك إذا غضضنا الطرف عمّا اقترفه أعداء الرسول بسبطهِ الحسين بن علي (ع)؟
في قراءة مستفهِمة لواقع الدول الإسلامية ومجتمعاتها، سوف نعثر على العنف بشكل مخيف، وسوف نجده في كل مرافق حياتنا، بل يكاد يكون هو الأسلوب الطاغي على جميع الأساليب الأخرى، ما يعني بأننا نعيش في حالة خطر، ونعاني من طريقة عيش عنيفة لا يجب لها الاستمرار أكثر.
إننا نحتاج إلى أن نستذكر واقعة استشهاد الحسين (ع)، وما جرى له في العاشر من شهر محرّم، وما تعرضت له النساء والأطفال من عنف وقهر وسبيّ معيب ومخجل، لكي نجعل من هذه المواقف التاريخية المؤلمة والباطلة، نصب أعيننا، كي لا يستمر منهج الطغيان، وحتى لا يبقى العنف الأعمى يتحكم بتفاصيل حياتنا وأساليب عيشنا، ولنتعلّم جميعا أن اللاعنف هو السبيل الوحيد الذي يجعل حياتنا أفضل وأيسر، وهو ما علينا أن نستقيه من الفكر الحسيني.
وأخيراً إذا تمسكنا بمنهج الحسين، وأعني الجميع من دون استثناء، فإننا نكون قد أوقفنا عجلات العنف، وسمحنا للنقيض بتنظيم حياتنا وعلاقاتنا، وهو ما نحتاجه اليوم كعراقيين وعرب ومسلمين، فلنجعل هذا الاستذكار الحسيني السنوي حافزا لتغيير تفكيرنا وعلاقاتنا، ولنحدّ من العنف وليكن اللاعنف الذي يمثل (جوهر الفكر الحسيني)، هو ثمرة السلم التي نقطفها من هذا الاستذكار.
اضف تعليق